الغرب: النفط أفضل من الديموقراطية!
مارتن وولف
ماذا تعني الانتفاضة العربيّة للعالم؟ ليست الإجابة في متناول أحد، إلاّ أنّ ذلك لا يحول دون تقدير ما قد تؤول إليه حالة غياب اليقين هذه.
انطلاقاً من عملي كاقتصادي، أجد أنّ هذه الأحداث تتسم بطابع سار إذ تثبت أولاً أن قدرة الخبراء في الشأن السّياسي محدودة في ما يتعلّق بتكهّن الأحداث المقبلة، تمامًا كما هي الحال لدى علماء الاقتصاد، وثانيًا أنّه يستحيل التّنبّؤ بأحداث مماثلة.
لا تُعزى هذه الاستحالة إلى أنّ الأحداث «مجهولات مجهولة»، فهي بالأحرى «مجهولات معروفة»: ومعلومٌ أنّ بلاداً كثيرة معرّضة للانقلابات، غير أنّ توقيتها واحتمال تجسّدها على أرض الواقع مجهولان، فـ «الاستعداد هو كلّ شيء»، على حدّ قول هاملت.
يُطرح سؤال بارز حول رقعة امتداد الاضطرابات في العالم العربيّ وخارجه، خصوصًا أنّ الدّول العربيّة المصدّرة للنّفط افترضت أنّ توزيعها للثّروات في الدّاخل يحميها من الغضب الشّعبيّ. ولكنْ، تَبيّن العكس بعد أحداث البحرين وليبيا.
يُفترض على عواملٍ كالبعد الجغرافيّ والثقافيّ عن بؤرة الاضطراب، وديناميكيّة الاقتصاد، فضلاً عن كفاءة الحكم، أن تؤمّن لنظامي البحرين وليبيا بعض الحماية، غير أنّ الأحداث الأخيرة تظهر توق جميع الشّعوب العربيّة إلى امتلاك صوت سياسيّ مؤثّر، لا بل يبدو أنّ فكرة الحصانة الثّقافيّة ضدّ قيم ُيزعم أنّ الغرب أطلقها فقدت مصداقيّتها. وقد تنحسر هذه الموجة الانقلابيّة قريبًا، إلاّ أنّ موجاتٍ أخرى ستنبثق عنها حتمًا.
ما هي العواقب الاقتصاديّة إذًا؟
طالما أنّ الدّول المنتجة للنّفط محصّنة، تبقى العواقب ضئيلة على الأمد القصير، ومتواضعة على الأمد البعيد. فالاقتصاد المصريّ مثلاً، إذا قيس بأسعار السّوق، أضعف من الاقتصاد التشيكيّ.
البلدان المنتجة للنّفط غير محصّنة
يبدو أنّ الدّول المنتجة للنّفط غير محصّنة بتاتًا، والدّليل على ذلك أنّ سعر برميل النّفط تجاوز 114 دولاراً في شباط فبراير الفائت، أي بزيادة نسبتها 64% عمّا كان عليه في أيار مايو 2010. وهذا نذير شؤم لمن يحفظ في ذاكرته صدمات أسعار النّفط السّابقة.
لاحظ جافين ديفيز، المصرفيّ السّابق والرّئيس السّابق لهيئة الإذاعة البريطانيّة (بي بي سي) في تعليق على موقع «فاينانشال تايمز» الإلكترونيّ مؤخّرًا، أنّ «ارتفاعًا كبيرًا في أسعار النّفط قد سبق مباشرةً كلاًّ من التّراجعات الخمسة الكبرى الأخيرة الّتي شهدها النّشاط الاقتصاديّ العالميّ»، ونجمت أحيانًا هذه الارتفاعات الشّديدة في الأسعار عن انخفاض في العرض، تمامًا كما حدث في السّبعينيّات.
نتج ارتفاع الأسعار في أحيان أخرى من زيادة الطّلب، كما في عام 2008، وكانت العواقب وخيمة دائمًا. تميّزت نظرة ستيفن كينج من بنك إتش إس بي سي، بالتّشاؤم، إذ أعلن قائلاً إنّ ارتفاع أسعار النّفط منتظمة كدقّات السّاعة، فإذا تجاوز سعر البرميل نسبة 100%، يتراجع إجمالي النّاتج المحلّيّ.»
للصّدمة النّفطيّة آثارٌ اقتصاديّة معقّدة، فهي تحوّل الإيرادات من المستهلكين إلى المنتجين، وتؤدّي إلى تخفيض الإنفاق الكلّيّ، لأنّ المستهلكين يقلّصون إنفاقهم أسرع ممّا يزيده المنتجون، فضلاً عن أنّها تحوّل الإنفاق بعيداً عن سلع وخدمات أخرى، وتسهم في جعل البلدان المصدّرة للنّفط الخام أكثر ثراءً، وتلك المستوردة له أكثر فقرًا. يضاف إلى ذلك أنّ الصّدمة النّفطيّة ترفع مستوى الأسعار، وتخفض الأجور الحقيقيّة وأرباح قطاع الصّناعة المستهلك للطّاقة، وتحدّ من العرض بينما تتوقّف القطاعات الإنتاجيّة عن تحقيق الرّبح.
التّأثيرات المباشرة
وبعض نتائج الصّدمة النّفطيّة مباشرة، مثل تأثيرها على الأسعار، وبعضها رهن بالرّدود السّياسيّة، وبعضها الآخر بعيد الأجل وبالتّالي يعتمد على طول الفترة الزّمنية للصّدمة، كالتّأثير على القدرة الإنتاجيّة.
ماذا عن التّأثيرات في هذه المرحلة؟ يرى جافين ديفيز وحال الأسعار كذلك، أنّ قفزة بقيمة عشرين دولارًا في سعر البرميل الواحد من شأنها أن تزيد الإنفاق على النّفط بنسبة 1% من الإنفاق العالميّ على المنتجات كافّةً.
ارتفعت أسعار النّفط في الأشهر العشرة الماضية بقيمة أربعين دولارًا، أي بزيادة نسبتها 2% من الإنتاج العالميّ، ما يكفي لإحداث تراجع عالميّ محلوظ، في الأمد القصير على الأقلّ.
يلاحظ جافين ديفيز أنّ الاقتصادات النّاشئة هي الأكثر عرضةً لتأثيرات الصّدمة النّفطيّة، فهي تستهلك الطّاقة أكثر من البلدان المتقدمة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الولايات المتّحدة معرّضة للتّأثّر أكثر من قريناتها بسبب سياسات هدر الطّاقة.
يبقى الكثير رهنٌ بمدّة بقاء أسعار النّفط مرتفعة، والسّياسات المتّبعة. وإذا ثبت أن القفزة الأخيرة عابرة، يمكن بالتّالي تخفيف وطأة العواقب الاقتصاديّة.
تعويض تراجع الإنتاج النّفطيّ اللّيبيّ
ومن بين الأسئلة الهامّة مدى تأثير الاضطرابات في الشّارع اللّيبيّ على سائر الدّول المنتجة للنّفط، لا سيّما المملكة العربيّة السعوديّة. في الوقت الرّاهن، تستطيع المملكة أن تعوّض نقص الإنتاج اللّيبيّ، البالغ نحو 2% من إنتاج النّفط العالميّ، وهي نسبة أقلّ من فائض الإنتاج السّعوديّ.
من الضّروريّ أن يبقى تراجع الإنتاج قصير المدى، حتّى في البلدان المتأثّرة مباشرةً بالاضطرابات، شرط ألاّ تتدمّر قدرتها الإنتاجيّة: فحكومات البلدان المصدّرة للنّفط بحاجة إلى عائداته، خصوصًا أنّ الحكومات الدّيموقراطية قد تكون بحاجة إلى النّفط أكثر بكثير من حاجتها إلى الحكّام المستبدّين.
كلّما زاد اعتقاد رؤساء الدّول المستوردة للنّفط بأن الصّدمة النّفطيّة عابرة، زاد ميلهم إلى السّحب من مدّخراتهم. فبفضل احتياطي العملة، ستتمكّن الدّول النّاشئة أيضًا من زيادة نفقاتها في غضون صدمة قصيرة لأسعار النّفط.
طالما تبقى توقّعات التّضخّم ضمن حدود السّيطرة، لن تحتاج المصارف المركزيّة إلى مباشرة تضييق احترازيّ على الاقتصاد. ومن هذا المنطلق، تبدو بلدان الدّخل المرتفع في وضع أفضل من البلدان النّاشئة، حيث يمثّل التّضخّم الخطر الأكبر.
وهكذا، نعود إلى نقطة البداية: نحن غارقون في مستنقع من عدم اليقين، إلاّ أنّنا نعرف حقّ المعرفة أنّ الصّدمة النّفطيّة ضخمة وقصيرة نسبيًّا، وأن ليست كارثيّة.
إنّ هذا التّفاؤل في ما يتعلّق بالتّأثيرات الاقتصادية على الأمد القصير يرتكز أوّلاً على فرضيّة أنّه تمّ احتواء الاضطرابات المحتمل وقوعها، وثانيًا على استمرار المساومة التّقليديّة: القمع مقابل استقرار عرض النّفط، وهي مساومة تغري المستهلكين… ولكن هل هي مستحسنة أو حتّى قابلة للاستمرار سياسيًّا؟
([) كاتب اقتصاديّ
عن صحيفة «لوموند» الفرنسيّة
ترجمة: أسيل الحاج