صفحات الحوار

الفائز بجائزة «غونكور» الفرنسية 2012 لـ «الشرق الأوسط»: تأثرت بالحلاج وابن عربي

 

جيروم فيراري يفكر في كتابة رواية جديدة مستوحاة من جو الإمارات حيث يعيش الآن

دبي: شاكر نوري

لم يكن الروائي الفرنسي جيروم فيراري المقيم في أبوظبي منذ نحو عام، يعلم أن روايته «موعظة عن سقوط روما» ستفوز بأرفع جائزة أدبية فرنسية، وهي «غونكور الأدبية» لعام 2012. وفي هذه المناسبة، تعرّفت على الكاتب جيروم فيراري بدعوة من السفير الفرنسي ألن أزواو بمناسبة الاحتفاء به، وتوالت لقاءاتنا في دبي.

جيروم فيراري مولود في عام 1968 وينحدر من جزيرة كورسيكا، درّس الفلسفة في الثانوية الدولية الكسندر دوما في الجزائر لـ4 أعوام ثم انتقل إلى أبوظبي حيث يدرّس حاليا الفلسفة في ثانوية لوي ماسنيون. ترجمت روايته «عندما تركت روحي» إلى اللغة الإنجليزية، وفازت بجائزة التلفزيون الفرنسي 2010، كما فازت روايته «إله وحيوان» بجائزة لاندرنو 2009. وأخيرا روايته «موعظة عن سقوط روما» التي فازت بجائزة غونكور 2012 التي ليس لها قيمة مادية، لكنها تضمن للكاتب ودار النشر مبيعات تصل إلى نحو 500 ألف نسخة في فترة وجيزة.

في رواية «موعظة عن سقوط روما»، هناك طالبان يدرسان الفلسفة في باريس يقرران العودة إلى قريتهما الصغيرة في جزيرة كورسيكا ويرغبان بتحويل هذا العالم إلى أفضل ما يمكن، حسب نظرية الفيلسوف ليبينيز. لذا نشهد على مصير هذه القرية الكورسيكية، التي يُنظر إليها من هذه الحانة وكذلك عبر نظرة القديس أوغسطين، الذي ألقى خطابا عن نهب البرابرة في 1602. وقد تأثر الكاتب بشخصية القديس أوغسطين، وهي مفتاح الرواية، أثناء إقامته في الجزائر. والقديس أوغسطين يتحدّر من أصول أمازيغية ولد في تاغست (حاليا سوق أهراس، الجزائر) عام 354. قام بتأسيس دير، وتمت تسميته كاهنا في إقليم هيبون (اليوم عنابة في الجزائر). أصبح واعظا شهيرا (وقد تم حفظ أكثر من 350 موعظة تنسب إليه) وقد عُرِفت عنه محاربته المانوية (معتقد يقول إن العالم مركب من أصلين قديمين أحدهما النور والآخر الظلمة) التي كان قد اعتنقها في الماضي. في روايته الخامسة، يقوم الكاتب جيروم فيراري بطرح الأسئلة الجوهرية حول طهارة الروح والفشل والوهم.

في حوارنا معه، أول ما تبادر إلى الذهن، أن نسأله عن توقعاته بفوزه بحائزة غونكور، فأجاب، مبتسما:

– لم تكن لديّ أي أسباب لأعتبر روايتي منتظرة بهذا الشكل في الموسم الثقافي في فرنسا، لكن فوزها بجائزة غونكور كان مفاجأة سارة لي. ومن أبوظبي كنت أراقب الموسم الأدبي وأنتظر.

* الرواية والفلسفة

* لماذا لجأت إلى كتابة الرواية وأنت مهتم بالفلسفة طوال حياتك؟

– سؤال جوهري، أعتقد أن الفلسفة كفّت عن الإجابة عن السؤال الذي يشغل بال البشرية: ما هو العالم؟ لكن الرواية لها إجابتها على هذا السؤال لأنها ببساطة تمتلك الأدوات اللازمة لهذه الإجابة، وأهمها: حيوية السرد، وليس طرح المفاهيم المجرّدة. يبقى أنني لا أومن بأن هناك فصلا بين أسئلة فلسفية وأخرى أدبية، ولكن الرواية قادرة على استيعاب مشكلات عصرنا أكثر من غيرها. ليس لدي نتاج في الفلسفة لكنني أمتلك نتاجا روائيا، وأعتقد أن عملي الأدبي هو جمالي أكثر مما هو فلسفي. والعالم ميتافيزيقي بطبيعته لكنني لا أريد أن أقحم الفلسفة في الرواية.

* تبدأ روايتك بصورة التقطت عام 1918 كأنها تؤرخ للغياب؟

– كل رحيل عن أي مكان يؤرخ للغياب ويزيل الآثار، والصورة فكرة في قلب روايتي. والرواية برمتها انطلقت من مجرد النظر إلى هذه الصورة العائلية التي تشير إلى عدم وجود الأب، لذلك يبدو الخوف في وجوه الأم والإخوة والأخوات لأنهم ينظرون إلى العدم والخواء والموت. ولعل إهداء الرواية إلى أنطوني فيسبيريني، وهو أصغر أخ لجدي، مولود في 1919 ويبلغ من العمر 93 عاما الآن هو جزء من هذا الاهتمام، لأن هؤلاء الشيوخ والعجائز في عائلتي هم ينبوع الكتابة بالنسبة لي.

* كم استغرقت في كتابة روايتك «موعظة عن سقوط روما»؟

– في الواقع، لدي هذا المشروع منذ ست سنوات، وانشغالي بكتابة رواية أخرى «حيث تركت روحي» جعلني أتركها جانبا. لكن فكرتها اختمرت في ذهني، لأن هناك عناصر كثيرة كانت تنقصني، ولم أجد ما يربط تلك القصص المتفرقة.

* عالج روايتك شخصيات مكبوتة ومعطوبة، أليست تلك نظرة سوداوية؟

– لحظة الكبت تتولد عندما لا نحقق رغباتنا، إذ إن علاقة البشر بأحلامهم هي التي تقرر هذه الحالة. برزت فكرة الكبت من خلال سرد أحداث الرواية، وهي غير نابعة من فكرة انتقامية من الشخصيات، بل هو الواقع الذي تعيشه، ليس إلا.

* ثمة انتقالات في أزمان الرواية، هل أردت ربط هذه الأزمنة في عمل واحد؟

– هذا الخليط من الذهاب والإياب في الزمن وتغيير تسلسل الأحداث هو النهج الذي أتبعه في جميع رواياتي، وما يهمني هو تقديم شيء جديد، وأهم شيء في الرواية أن نقول الأشياء بطريقة مغايرة عن الآخرين وأصيلة في طرحها.

* تدور أحداث روايتك في الحانة، ما هو تأثير الأمكنة؟

– هذا المكان بالنسبة لي عالم مصّغر وساحر وخاصة في كورسيكا حيث يلتقي فيها الناس من جميع الأجناس والأعراق واللغات، العابرون والسياح، والفلاحون والحضريون، وتصدح بين جدرانها الغناء التقليدي والموسيقى الحديثة. أعتقد أنها عبارة عن ينبوع للحكايات الخيالية بالنسبة للروائي.

* أسلوبك في الرواية صعب يعتمد على الجمل الطويلة والتراكيب المعقدة، والشخصيات الكثيرة، وهو أسلوب نادر في الكتابة الحداثية، أليس كذلك؟

– لا أعمد إلى نسج وإعادة تركيب العبارات التي أفرغ منها. إنني أكتب ببطء شديد ولا أعمد كثيرا إلى تغيير النص بعد الكتابة الأولى، لكنني أسعى إلى إخراجها من قفصها المظلم. اللغة هي كل شيء في الإبداع الأدبي، وهناك أنواع كثيرة من الجمل الطويلة. في روايتي الأولى، أتحدث عن لغة تموت لأن الناس لم يعد يتحدثوا بها، هذا هو لغز لنهاية عالم. أما الانتقالات في تسلسل الأحداث فهو أسلوبي في جميع رواياتي. ما يهمني هو أن أكتب رواية جديدة لأن تبرير وجود أي نص هو محاولته قول شيء جديد.

* القديس أوغسطين

* استوحيت روايتك من القديس أوغسطين وتمكنت من نقل الأدب من قريتك الصغيرة في كورسيكا إلى العالمية؟

– كان مشروع هذه الرواية موجودا في أحد الأدراج تحت عنوان مؤقت هو: العوالم. لكن قراءة إحدى مواعظ القديس أوغسطين هي التي جعلتني أواصل كتابة روايتي. وتحدد هذه الموعظة أنه لا ينبغي أن نندهش لو اختفت روما من الوجود، لأن العالم مثل «الإنسان؛ يولد، ويشيخ، ويموت». استندت في كتابة روايتي على هذه العبارة.

* هل لهذا السبب وضعت موعظة في استهلال روايتك وكذلك في فصولها؟

– بالتأكيد، ونص هذه الموعظة: «أأنت المذهول بأن العالم يشرف على نهايته؟ لكنك يجب أن تُذهل بأن ترى العالم شاخ إلى هذه الدرجة. العالم كالإنسان: يولد، ويكبر، ويموت (…) يمتلئ الإنسان بالبؤس في شيخوخته، كما يمتلئ العالم بالكوارث والنكبات في شيخوخته أيضا (…) قال يسوع: العالم يرزح، يشيخ، ويرحل، وهو مبهور بالبالي والقديم قبلا، ولكن لا تخشى شيئا: شبابك سيتجدد مثلما يتجدد شباب النسر». أما بالنسبة لفصول الرواية، فهي للتذكير بأن الرواية تذهب إلى أبعد من الحدث اليومي العابر.

* هل تعتقد أن التاريخ يعيد نفسه كما صوّرت ذلك في «موعظة عن سقوط روما»؟

– منذ عشرات السنين، وأدب العالم المعاصر يعالج هذا الموضوع، والتاريخ يعيد نفسه بالفعل عبر أحداث نحن شهود عيان لها مثل: سقوط جدار برلين، تفجيرات 11 سبتمبر، فهي كوارث صامتة. ولهذا السبب أثارني تاريخ روما في لكتابة رواية لأن تدميرها وغزوها لم يستمر سوى ثلاثة أيام. «المدينة الخالدة سقطت».. هكذا. وما حدث في أفريقيا والاتحاد السوفياتي يذكّر بذلك. لذلك تجد في روايتي العناصر التالية: الإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية الكولونيالية، والحانة، وكذلك الجسد.

* هل لهذه الفكرة علاقة بحياتك وسيرتك؟

– في سنوات مراهقتي، كنت أرغب في العيش بين عالمين مختلفين تماما كما هو حال بطل روايتي. كنت أرغب في العودة والعيش في قريتي، إلا أن والديّ أصرا (حمدا لله) على أن أكمل دراسة الفلسفة في باريس. ربما في هذا جزء من السيرة الذاتية. ويتجسد هذان العالمان في مكانين هما: الضاحية الباريسية «فيتري» أثناء سنوات الدراسة، و«فوزانو» القرية الكورسيكية لأجدادي أثناء العطل المدرسية التي أزورها باستمرار. ومنذ عمر الثامنة، تراودني فكرة العيش فيها على الرغم من اختلافي عن شخصية ماثيو في الرواية، الذي أخفق في حياته لأن أساطير حياته لم تكن أساطير حياتي. ويجب أن أقول إنني وضعت عناصر من السيرة الذاتية في هذه الرواية أكثر من أي رواية أخرى.

* أنت تستعين بالفيلسوف ليبينيز في تصوير الشخصيات التي تدور في الفلك الميتافيزيقي؟

– من خلال همي في طرح السؤال التالي «ما هو العالم؟» لجأت إلى الفيلسوف ليبينيز في تصوير الشخصيات على الرغم من أنني لم أرغب في كتابة رواية فلسفية أبدا. مرسيل يلاحق مصيرا أكثر مجدا من مصيره، وما يحدث له في الواقع لا يوازي ما يحلم به. لأنه ولد في العدم، في غياب العالم ولا يتمكن من العثور على مكان له. وجميع الشخصيات التي تبلغ 12 شخصية في الرواية تتعامل مع الموضوع الفلسفي، لأن العالم ميتافيزيقي بطبيعته. وكما أسلفت، فإنني لم أرغب في كتابة رواية فلسفية، بل أردت أن أجسّد المفاهيم الفلسفية من خلال الشخصيات الروائية. ولذلك تجد 3 أزمنة في التاريخ: زمن الحضارة، وزمن العصر، وزمن حياة الإنسان.

* الثقافة العربية

* هل تركت إقامتك في الجزائر وثقافتها العربية في جزء منها على كتاباتك؟

 لا بد لي من القول إن إقامتي في الجزائر طيلة 4 أعوام هي من أجمل ذكريات حياتي. وكل رواياتي تحمل آثار الجزائر والعرب، وأحداث روايتي «حيث تركت روحي» تدور كاملة حول حرب الجزائر. في رواية «موعظة عن سقوط روما» تجد شخصية نسائية عربية هي «حياة» المهاجرة، غير الشرعية. هذا هو واقع القرية الكورسيكية، إنها تشبه المدن الكوسموبوليتية التي يجتمع فيها جميع الأجناس والقوميات. وقد عبّرت عن ذلك في جميع رواياتي، وأنت تعلم أنني أمضيت 4 سنوات في الجزائر.

* قبل الجزائر وأبوظبي، أين كنت تعيش؛ في باريس أم كورسيكا؟

– قبل ذلك، عشت نحو عشرين عاما في كورسيكا. وكنت من المتعاطفين مع الأوساط الوطنية هناك واشتغلت عامين في صحيفة وطنية. واليوم أنا مخلص لأفكاري الثقافية وليس لأفكاري السياسية، وتعلقي باللغة الكورسيكية عميق، وإنني فخور بالمساهمة في ترجمة رواية ماركو بيانكاريلي التي ستصدر عن دار «آكت سود». إنني أعيش حاليا في أبوظبي كأستاذ مبتعث، لكن نقطة انطلاقي الكتابية هي جزيرة كورسيكا. لكن ذلك لا يعني الانغلاق في هذا العالم، بل الانفتاح عليه، لأن العالم يشكل جزءا من تاريخها، ورحيل أهلها إلى إندونيسيا والشرق الأوسط جزء من هذا الانفتاح.

* هل قرأت أعمالا عربية أو تعرفت على الأدب العربي أثناء إقامتك في الجزائر لـ4 أعوام؟ وهل من الممكن أن تستوحي كتابة رواية في أبوظبي؟

– بالتأكيد تعرفت على الشعر الصوفي من خلال قراءة ترجمات لكل من الحلاج وابن عربي. كما قرأت بلا شك الروائي المصري نجيب محفوظ، إضافة إلى أمين معلوف والطاهر بن جلون وغيرهم من الكتّاب الذين يكتبون باللغة الفرنسية. أما بالنسبة للكتابة فربما أستوحي رواية جديدة من جو الإمارات التي يتعايش فيها مختلف الأجناس والأعراق واللغات بسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى