الفساد في سورية
شذى ظافر الجندي
احتلت سوريا المرتبة الـ127 عالميا من أصل 180 دولة، والمرتبة الـ15 عربيا في قائمة منظمة الشفافية العالمية لعام 2010، ولم يتحسن ترتيبها إلا بمقدار درجة واحدة عن المرتبة الـ126 التي احتلتها عام 2009.
وعكس تقرير منظمة الشفافية العالمية الأخير انتشار الفساد على نطاق واسع في سوريا وتحوله من مشكلة سطحية إلى مشكلة مزمنة يهدد اقتصاد الدولة. حيث تشير التقديرات الاقتصادية والحقوقية المستقلة إلي أن الفساد تغلغل في معظم مؤسسات ودوائر الدولة من الجمارك والشرطة وقطاعات رخص البناء والتهرب الضريبي وصولا إلى سلك القضاء.
ويأخذ الفساد في سورية بشكل عام صورا مختلفة من أكثرها شيوعا التلاعب في المشتريات وأعمال المخازن والمهمات، والمبالغة في أوجه الإنفاق الحكومي وتمرير الاتفاقيات والعقود لقاء عمولات خاصة مجزية يقبضها القائمون على تنفيذها.
كما تشمل صور الفساد تلقي الرشاوي بغرض غض الطرف عن تجاوز القوانين، والتلاعب في إرساء المناقصات والمزايدات الحكومية على من يعطي أكثر، واستخدام الوظيفة العامة –تهديدا وابتزازا– لجني ما يمكن تحصيله من عطايا أو إتاوات مالية من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال والمتاجر.
ولا توجد في سوريا إحصائيات رسمية منتظمة يمكن الاستناد إليها في رسم صورة محددة المعالم للفساد في هذه الدولة.
في عام 2010 أصدرت وزارة المالية للمرة الأولى إحصائية معتمدة قدرت فيها حجم الفساد المكتشف في 19 شهرا -سابقة لصدور الإحصائية– بخمسة مليارات ليرة سورية (134 مليون دولار ). وذكرت الإحصائية أن عدد قرارات الحجز المالي الاحتياطي التي أصدرتها الوزارة خلال نفس الفترة بلغت 2007 حالات.
لكن تقديرات مؤسسات اقتصادية مستقلة أشارت إلي أن حجم عمليات وصفقات الفساد وهدر المال العام المعلن عنها من السلطات أقل بكثير من الواقع الحقيقي.
وقد تحدث الكثيرون عن الفساد المتفشي في مرفأي اللاذقية وطرطوس، حيث يتحقق الفساد والرشاوى بطرق عديدة من أهمها: إدخال بواخر قبل الموعد المحدد لها على حساب تأخير بواخر أخرى تحمل بضائع, ينتج عن ذلك أن الشركة تدفع خسائر سنوياً ملايين الدولارات /10/ عشرة آلاف دولار للباخرة عن تأخير كل يوم، حيث تخسر شركة المرفأ الملايين. وتتحدث التقارير أيضاً عن فئة أخرى من الفاسدين في المجتمع موجودون في أوساط الطبقة الرأسمالية من الصناعيين والتجار الذين يدفعون رشاوى لبعض المسؤولين في الدولة في وزارة الاقتصاد ووزارة المالية من اجل التهرب الضريبي، حيث صرح وزير المالية منذ عامين, ان التهرب الضريبي يقدر سنوياً بـ /200/ مئتي مليار سورية, والفساد مستمر, وينتشر بسرعة. وقد تسلل الفساد لكافة مؤسسات الدولة والمجتمع, للقضاء والتعليم والصحة، كما تقدر الأموال التي هربت لخارج الوطن /150/ مليار دولار حيث أضعفت الاقتصاد الوطني.
أما بالنسبة الى الفساد في مؤسسة الجمارك فهناك من يقبضون رشاوى, مبالغ كبيرة من التجار والصناعيين الذين يستوردون بضائع مختلفة ومواد مختلفة, من خلال تغيير مواصفاتها لقاء التهرب من دفع الضرائب القانونية.
ان الفساد ليس محصوراً في أجهزة الدولة العليا ومؤسساتها, بل موجود ايضاً في أوساط التجار والصناعيين, الفساد في غش البضائع والمواد الغذائية التي تباع للمواطن, وموجود لدى شركات ومتعهدي البناء والجسور والسدود (عدم التزام بوضع الكميات الحديد والاسمنت المقررة في العقود, الأمر الذي يؤدي إلى انهيارات في بعض الأبنية والجسور).
أما بالنسبة الى فساد أصحاب العمل والتجار الذين يلزمون العمال على توقيع عقود إذعان في العمل يحرمون العمال من أتعابهم وحقوقهم القانونية والتي تتمثل في
حرمان مليوني ونصف عامل من التسجيل بالتأمينات الاجتماعية يؤدي إلى خسارة العمال ومؤسسات التأمينات الاجتماعية أكثر من /12/ مليار سنوياً ، و حرمان مليون عامل في القطاع الخاص من العطل الأسبوعية والأجازات السنوية. وتقدر خسارة هؤلاء العمال بأكثر من /10/ مليارات ليرة سورية.
من خلال عرض هذه الوقائع عن الفساد المستشري وسرقة الأموال العامة نعتقد أن الحجم الحقيقي للفساد هو اكبر بكثير مما عرض حيث ينتشر الفساد في كافة أجهزة الدولة العليا ومؤسساتها الاقتصادية والإدارية, بدون مراقبة جدية من أجهزة الرقابة المركزية وبدون محاسبة جدية.
وقد برزت الكثير من الأصوات في سورية تطالب بمكافحة الفساد أو محاربة الفساد الذي ينبغي أن يبدأ بإصلاح القضاء كقضية مركزية وأساسية، وآراء تتحدث عن ضرورة القيام بحملة وطنية تنشر القيم الأخلاقية بين المواطنين لمحاربة ظاهرة الفساد، وآراء تتحدث عن ضرورة زيادة الرواتب والأجور للقضاة والموظفين والعمال، وذلك لتحسين المستوى المعاشي لذوي الدخل المحدود.
ولكن هل ممكن محاربة الفساد والقضاء على هذه الظاهرة بهذه الطريقة؟
ان الطريق الصحيح لمحاربة الفساد لا يبدأ من خلال أفكار وقرارات مجزئة لمكافحة الفساد. ان الفساد يتطلب تضافر كافة الجهود الحكومية والقطاع الخاص، والمجتمع الأهلي، وافراد المجتمع من خلال استراتيجية شاملة لمكافحة كافة أنواع المستشري وعلى كافة المستويات.
وهنا نؤكد على أهمية سياسة وطنية واستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، تكركز عىل تحديد أولويات استراتيجية مكافحة الفساد وأهدافها وأنشطتها ومجالاتها وآلياتها من خلال البرامج المعتمدة على النتائج وهذا يحتاج الى حديث آخر…..
المراجع المستعملة
– سورية من أكثر دول العالم تراجعاً في الشفافية المالية والاقتصادية، مجلة الاقتصادي
-قناة الجزيرة
– منظمة الشفافية العالمية
– عمر قشاش، مافيا الفساد الكبير في مرفأي اللاذقية وطرطوس
– الفساد في سورية