الفيديو التعليقي..وسيلة السوريين للتواصل/ عامر أبو حامد
ليس مبالغةً القول إن السوريين بدأوا باكتشاف وسائل فاعلة للتواصل مع بعضهم البعض بعد اندلاع الثورة السورية. هكذا تدرج نشاط السوريين على “فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب” من نقل الأخبار، ونشر المقاطع المصورة للمظاهرات إلى التصويت على تسمية أيام الجُمع، مروراً ببرامج “يوتيوب” والمدونات، وانتهاءً بكون الشبكة فضاءً مفتوحاً للنقاش.
في هذا السياق خرج السوريون على مواقع التواصل عن الصورة النمطية البعثية للمواطن السوري الخجول والمتلعثم في التعبير عن نفسه وأهوائه. شرع أفراد ومجموعات شبابية بممايزة أنفسهم عن الآخرين، طارحين إشكاليات مختلفة في إطار صوري برؤى إخراجية متفاوتة. ولعل أبرز هذه المقاطع انتشاراً وجدلاً هو الفيديو التعليقي. الذي يظهر فيه شخص بمفرده يعلّق على حدث سياسي أو ميداني أو يتهكّم من موقف معين، ويسخر من المقولات الرائجة.
هذه المقاطع التي يسجلها شباب هواة من خارج الأوساط الإعلامية والسياسية المعروفة، بدأت تخلق جدلاً واسعاً مؤخراً على “فيسبوك” و”يوتيوب”، فهي تحظى بعدد كبير من المشاهدات والتعليقات، متجاوزةً في بعض الأحيان التعليق على الحدث نحو التعليق على المعلقين أنفسهم، وفتح جبهات بين المعلقين، ومن خلفهم جمهورهم.
مضمون هذه المقاطع المصورة يُظهر تبايناً فردياً كبيراً بين نجومها، فعلى خلاف السنوات الثلاث الأولى من الثورة، والتي شغلت السوريين جميعاً بالحديث السياسي والميداني، بدأ يرتدّ السوريون إلى معالجة ما فاتهم من مشاكلهم الاجتماعية، وعرض تفاصيل الحياة اليومية التي لم توفها حقها الدراما السورية المحابية للأسد. فنرى مثلاً دارين حسن، المقيمة في هولندا تنشر على صفحتها مقاطع عن حياتها اليومية في المنزل والمتجر، وربما يحلو لها أن ترقص أو تنتقد التفكير الذكوري للشباب؛ وهي تطبخ بيد، وتمسك بحامل الكاميرا بيد أخرى. بينما تبدو جود عقاد، المقيمة في السويد أكثر جدية في تعليقها حول سقوط تدمر بيد داعش، وتدعو متابعيها إلى عدم الانجرار إلى تأييد التنظيم الإرهابي.
Facebook Post
وفي فيديو آخر تطرح عقاد مشكلة الشتائم على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعلن أن من حقها الشتم مساواةً مع الذكور. وعلى صفحة “سيريان سلبينا”، المعنية بنشر كل ما يصلها من مقاطع مصورة للسوريين، يرد شاب على عقاد طالباً منها أن تتوقف عن النشر لأنها تسيء إلى السوريين، ساخراً من الطريقة التي تضع فيها الحجاب. وفي ألمانيا يُعنى أدهم قاد بتصوير مقاطع كوميدية بلهجته الحلبية، يُعلق فيها على عادات السوريين مؤدياً أدوارا مختلفة في الشارع والبيت.
تؤشر هذه الظاهرة إلى ميل السوريين نحو الشباب الذين يقاربون أنماط الحياة الاعتيادية للمتابعين، عوضاً عن الاهتمام بالشخصيات البارزة والقيادية الكلاسيكية التي أصبحت ممجوجة. كما إنها تدل على رغبة الشباب بأن يكون لهم قول في شأن بلادهم والمتغيرات المحيطة بهم، متحلين بجرأة أن يكون هذا القول غير مألوف أو مخالف للرائج، ومتقبلين الشتائم والمديح على حد سواء.
لكن بينما ينجح هؤلاء الشباب في استعادة فرديتهم المفقودة يخفقون بأن يقدموا مضموناً سجالياً غير مُشخصن، فيجري الاعتماد على عدد المشاهدات والإعجابات لتكريس هذه الظواهر الفردية كشخصيات عامة، تعمم المطلقات في المواقف والتعليقات السياسية كما في الكوميديا غير خفيفة الحمل.
العربي الجديد