صفحات المستقبل

القبو/ نور دكرلي

 

 

اليوم صباحاً نزلنا إلى القبو، أو الملجأ كما يحلو للبعض أن يسميه، وأُصرّ أنا على كلمة القبو، لقربها لفظاً من كلمة القبر، القبو الذي أعتقد أنه سيكون قبرنا يوماً ما. في القبو جلست كعادتي في الزاوية أراقب الباقين.

كانت أختي ـ التي دخلت كتاب غينيس بعدد المرات التي نزحت فيها ـ تحتضن ابنتها التي تبكي، وهي تدعو وتشتم، لم تترك أحداً لم تشتمه. أما ابنتها فكانت تردد الجملة نفسها طوال الوقت: ماما خدينا على بيتنا.. أي بيت يا بنت الحلال! بيتكم لم يتبقّ منه إلاّ عمود وحيد، منتصباً كخازوق، لا أعرف لمَن.

كانت معنا في القبو عائلة مؤلفة من رجل وزوجته وطفل صغير. شعرت بأنهم في نزهة. الرجل لم يتوقف عن إخبار أخي عن خسارته لعدد كبير من طيور الحمام عندما هجر بيته. أما أخي المتوتر جداً، فكان يكتفي بهز رأسه، وفي الغالب أنه مع كل هزة رأس كان يشتم ذلك الرجل في سره. وكعادته يفرغ توتره بأقرب شخص منه، ولسوء حظي كنت أنا ذلك الشخص، فما كان منه إلا أن صرخ في وجهي: “شيل هالموبايل من أيدك، يلعن أخت البنات”.

بنات! المسكين لا يعرف أني كنت أكتب عنه، لا يعرف أني الآن الشخص الوحيد في هذا العالم، الذي يهتم لأمره. بين أحاديث الحمام، ودعوات أختي، قضينا ساعتين من الزمن. خرجنا بعدها من القبو بأمل ألّا نعود إليه مرة أخرى.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى