القصة الحقيقية لـ”جمعة معتقلي الثورة”
هذه المرة في جعبتي قصة تستحق أن تكون محور الاهتمام الحالي، قصة يجب أن تدخل التاريخ السوري وتاريخ الثورات ككل. قصة ترتبط بشكلٍ أساسي وحاسم بهذه الجمعة – جمعة (معتقلي الثورة) – التي أعادت لي الإيمان بانتمائي للوطن وانتمائي للسوريين من أصدقائي. للمرة الأولى منذ عدة أشهر تنتابني هذه الفرحة العارمة والإيمان بالنور القادم في آخر النفق. الإيمان بإنجازٍ حققناه وإن لم يستوعب البعض حقيقة ما حدث أو لم يفهموا أهميته. لقد كنت جزءاً من هذا الحدث، وأسعدني جداً أن رأيي وآراء كثيرين من أصدقائي قد صنعت فارقاً مهماً.
الثلاثاء 17/1/2012
في حوارٍ دار بيني وبين أحد الأصدقاء حول ضرورة (صيانة الثورة) وتصحيح مسارها والنقد البناء لأخطائها، تطرق الحديث فيما بيننا إلى تحديد العوائق التي تحول دون نجاح الثورة، وفي ذلك الحوار وضّحت رأيي في أهم وأكبر العوائق التي تقف في وجه نجاح الثورة ونقائها وصيانة أهدافها: إنه “صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد 2011”.
صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد 2011
لماذا أعتبر سياسة الصفحة مشكلةً وعائقاً كبيراً في وجه الثورة؟ لم يعد من الضروري اليوم أن أبرر بالتفصيل أسباب رفضي لسيطرة هذه الصفحة (الأسباب التي باتت معروفةً للجميع). إنها مجرد صفحة فيسبوكية غامضة ومجهولة، ولا نعرف من هو المسؤول عنها (سوى أخبار عن ارتباطها بفداء السيد وحزب الإخوان المسلمين الذي يديرها من مقرٍ للصفحة في السويد…إلخ) وكل ذلك في حد ذاته ليس مشكلةً كبيرة.
عملت هذه الصفحة على دعم الثورة السورية منذ بداياتها، مع محاولاتٍ لتوحيد السوريين تحت أسماء أطلقت على كل يوم جمعة. وشيئاً فشيئاً اكتسبت هذه الصفحة صفة المرجعية، فأصبحت تملي أسماء الجمع على الشارع السوري. وبعد فترة برزت الحاجة إلى ديمقراطية اختيار أسماء أيام الجمعة. ومن هنا بدأت المشكلة الحقيقية.
المشكلة الحقيقية
تحولت الصفحة (استجابةً للرغبات المتزايدة للحراك) إلى اختيار الاسم بطريقةٍ تتخذ الشكل الديمقراطي. فكانت تقترح التصويت على عدة خيارات لأسماء الجمعة. وكانت هذه الخيارات تفلتر بطريقةٍ مدروسة، فتوضع خيارات متهافتة ومتشابهة وغير ذات قيمة إلى جانب اسمٍ تكون الصفحة مسبقاً قد اختارته بنفسها، وزيادةً في التأكد والاطمئنان كانت الصفحة – قبل إطلاقها التصويت علنياً – ترجّح خيارها الذي انتقته بما لا يقل عن خمسة آلاف صوت أسبوعياً بتجييشها لمجموعةٍ من الناطقين برأيها، ومن ثمّ تعلن بدء عملية التصويت ويفوز الخيار الذي اختارته الصفحة. هكذا تم اختيار تسميات مثل: (جمعة الحماية الدولية)، (جمعة الحظر الجوي)، (جمعة المنطقة العازلة تأويني)، (جمعة الجيش الحر يحميني)، (جمعة الله أكبر)، (جمعة تجميد العضوية). في حين مرت عشرات الأسابيع الطويلة التي طالب فيها السوريون بتسميات مثل (جمعة الوحدة الوطنية)، و(جمعة الدولة المدنية). في كل أسبوع كانت هذه التسميات تطرح، وكانت تسقط في التصويت لتعاد المطالبة بها في الأسبوع الذي يليه.
من الضروري التذكير أن هذا لم يكن النشاط الوحيد للصفحة، فهي – باعتبارها أصبحت منبراً للثورة منذ منتصف آذار – تنتقي وتكرّس الوجوه الإعلامية التي تنادي بالثورة أو تعبر عنها، وتنتخب وتفلتر المواد الإعلامية التي يمكن أو لا يمكن نشرها. هناك ثمة سياسة تعتيم على بعض المناطق والأشخاص والأحداث بينما هناك ثمة تركيز على بعضها الآخر…
الأربعاء 18/1/2012
حين أطلقت صفحة الثورة السورية التصويت لهذا الأسبوع، قررت انتقاء تسميةٍ لهذه الجمعة هي (جمعة تدويل الملف السوري). وكالعادة بدأت المزاد العلني بستة آلاف صوتٍ على الأقل لهذا الخيار، الأمر الذي شجع البعض على المساهمة في دعم رأي الأغلبية.
في ذلك الوقت كان صديقي واحداً من مجموعةٍ من الناشطين والفاعلين في الحراك السوري على أرض الواقع ممن اهتموا بالفكرة التي طرحها كثيرون (ومن ضمنهم أنا قبل وقتٍ قريب) وقرروا أن يثوروا على ديكتاتورية صفحة الثورة السورية، وأن يتحدّوا إرادتها مقابل إرادة الشعب. كان من الواضح أنّ الإجماع هو على حرية المعتقلين السياسيين التي كانت منذ اليوم الأول للثورة مطلباً أساسياً محقاً ومتفقاً عليه بين جميع السوريين وزادت أهميتها بعد بقائهم في المعتقلات رغم العفو العام الصادر مؤخراً، وعلى أساس اقتراح صديقنا العزيز “فارس الحلو” تقرر دعم الخيار الذي طرحه (جمعة معتقلي الثورة) في وجه خيار صفحة الثورة السورية. وعلى مدى عدة ساعات نشط الجميع بلا توقف في الدعوة إلى تبني وجهة نظرنا التوافقية والتي تعبر عن أكبر شريحةٍ من الشعب السوري الحزين على شبابه المعتقلين، وفي انتصاف ليلة الأربعاء – موعد انتهاء التصويت – كان الخيار قد حصد ما يزيد على 12500 صوت.
الخميس19/1/2012
اعترفت صفحة الثورة السورية بالخيار الرابح، وأطلقت اللوغو الخاص بالجمعة تحت اسم (جمعة معتقلي الثورة) وأضافت في الشريط السفلي للصورة جملةً إضافية: “ويبقى التدويل مطلبنا”. كانت الخسارة مرّةً بالنسبة للصفحة، ويبدو أنها حاولت توجيه تحذير بأنّها خسرت جولةً ولم تخسر المعركة.
بدأت الانتقادات والسخرية على صفحات فيسبوك المختلفة، واشتعلت الاعتراضات مجدداً من الشباب الناشطين وأعضاء فاعلين في المجلس الوطني السوري. بعد عدّة ساعات اختفت الصورة من صفحة الثورة السورية ليحل محلها تصميم جديد بلا شريط في الأسفل. لقد انتهت المعركة بفوزٍ مضاعف، انتصرت فيه إرادة شباب سوري لا تخدعه الديمقراطية المزيفة.
الجمعة 20/1/2012
جمعة معتقلي الثورة. الجمعة التي بدأت فيها الثورة الحقيقية على الديكتاتورية بكل أشكالها أياً كان الاسم الذي تنضوي تحته. إنها جمعة السوريين بلا منازع. جمعتنا التي ستبدأ في قلب قواعد اللعبة والاتجاه بها نحو قلب الهدف: حرية الرأي واعتبار الكرامة لجميع السوريين.
http://www.bloggers4syria.com/?p=463#.Txiv8adj6_w.facebook