القصير في ضباب الحرب
رند صباغ
تتصدر مدينة القصير المشهد السوري عسكرياً لما تشهده من معارك طاحنة بين قوات النظام وكتائب المعارضة المسلحة في المدينة. كان من الممكن للمشهد أن يكون “اعتيادياً”، ضمن إطار الجهود التي يبذلها النظام وحلفاؤه في الفترة الأخيرة لإعادة السيطرة على الأرض، إلا أن وجود “حزب الله” اللبناني المعلن في المشهد كان كفيلاً بتحويلها إلى معركةٍ أكثر إشكالية، إذا ما أضفنا إلى المعادلة ما يعنيه موقع القصير وما يترتب من نتائج في حال مالت الكفة إلى أي طرفٍ من الأطراف.
بدأت المعركة المترافقة مع أشد أنواع القصف في التاسعة صباحاً يوم الأحد بالرغم من كل التحذيرات الدولية السابقة، مسجلةً سقوط 52 قتيلاً من صفوف المعارضة بينهم مدنيون، فيما سقط ستة آخرون صباح الاثنين، وتفاوتت الأنباء عن أعداد الضحايا في الطرف الآخر، حيث أشارت بعض المصادر شبه الرسمية إلى سقوط 12 مقاتلاً من “حزب الله”.
وذكرت قناة “المنار” التابعة ل”حزب الله” على موقعها الالكتروني “أعادت وحدات الجيش السوري الأمن والأمان إلى كامل الجهة الشرقية من مدينة القصير بريف حمص بعد أن قضت على أعداد كبيرة من المسلحين”، كما ذكر مصدر عسكري لوكالة “سانا” السورية الرسمية للأنباء، أن وحدات عسكرية فككت عددا من العبوات الناسفة زرعها المسلحون في منطقة السوق وسط المدينة. وأضاف المصدر أن “الجيش السوري يواصل ملاحقة المسلحين في المنطقتين الشمالية والجنوبية بالمدينة”.
محمد الناشط في “تنسيقية القصير”، تحدث ل”المدن” عن استهداف المدينة بالقصف الذي يأتي جزئياً من الأراضي اللبنانية، مشيراً إلى وجود محاولاتٍ حثيثةٍ للنظام لاقتحام المدينة من أكثر من محور منذ الأحد:
المحور الأول هو المدخل الرئيسي للمدينة الواصل بشكلٍ مباشر إلى المربع الأمني وهو المدخل الشرقي والشمالي للمدينة، إضافة إلى المحور المهم الآخر من الجنوب حيث يؤكد محمد أن “قوات النظام وحزب الله استطاعا تحقيق تقدم بسيطٍ إلا أن الكتائب المقاتلة استطاعت ضرب أربع دبابات وقتل العديد من الجنود المشاركين” حسب قوله، مقابل خسارة ست دبابات ومقتل عدد كبير من العناصر في الجهة الغربية التي تضم أكثر من محور، ويقول “لقد استطعنا رصد استغاثاتهم على أجهزة اللاسلكي، فمعظم المشاة هم من الحزب”.
وفيما تظهر الصور التي يتم نشرها عن بسط النظام سيطرته على أكثر من نقطة أكد محمد أن “هذه المباني لم تكن محررة من الأصل، مثل المركز الثقافي أو مجمع المدارس والمصرف الزراعي، كلها تأتي ضمن المربع الأمني، فالجهة الشرقية من المدينة بقيت في يد النظام”، ورداً على الأخبار التي تناولت محاصرة جماعاتٍ لبنانية تابعةٍ لأحمد الأسير في مبنى البلدية يقول محمد “مبنى البلدية مدمر منذ ما يقارب العام ولا يمكن التمترس فيه أو السيطرة عليه كما يدعون”.
أما الاثنين، فكانت الأمور أكثر هدوءاً من جانب الاشتباكات والمواجهات الميدانية، دون تسجيل أية محاولة اقتحام أو هجمةٍ نوعية، ويؤكد محمد في هذا الصدد “استطعنا ضرب ما لا يقل عن عشر دبابات وثلاث جرافات، بالإضافة إلى عشر سيارات أما خسائرهم البشرية فهي هائلة”، مشيراً إلى أن “مجموعات كاملة للحزب تم حصارها وقتلها، وإيقاعها في الكمائن التي كنا نعدها لهم”.
في هذه الأثناء، أعلنت جهات عديدة من المعارضة المسلحة إرسال تعزيزاتٍ عسكرية إلى القصير لدعم المقاتلين هناك في حين لم يصل إلى اللحظة إلا بعض العناصر التي استطاعت التسرب دون أي تغير على الأرض، ما دفع تنسيقية القصير لإصدار بيان نفت فيه وصول أية مساعدات مطالبةً أي إعلان من هذا القبيل أن يكون “من أرض المدينة وجبهاتها المشتعلة ومثبتاً بمقطعٍ مصور”.
وكانت وسائل الإعلام قد عرضت صوراً لسيارة إسرائيلية تم العثور عليها في المدينة، ويعلق محمد “لا علم لنا بهذه السيارة، لكن بشكلٍ عام معظم سلاحنا يأتي من لبنان ومن الطريق الذي يسيطر عليه حزب الله، اسألوهم كيف مرت السيارة من هناك، إن كانت موجودة فهم من باعنا إياها، إلا أن الأمر لا يتجاوز إيجاد ذريعةٍ لشد عزيمة مقاتلي الحزب، بسبب عدم وجود أية مقدساتٍ هنا للدفاع عنها”.
يذكر أن القصير الواقعة غربي حمص تعتبر نقطة وصلٍ مهمة ما بين العاصمة وريفها باتجاه الساحل من جهة، وما بين حلفاء النظام في لبنان وقواته في الداخل من جهة أخرى، لتشكل معبراً استراتيجياً قد يغير المعادلة العسكرية بالنسبة للمنتصر، وستكون حمص أول من يشعر بهذا الانتصار العسكري.