القلمون تقطع البنزين عن دمشق/ سلام السعدي
مع استمرار “معركة القلمون” التي أدت إلى قطع طريق دمشق – حمص الدولي، ومنعت وصول صهاريج الوقود إلى العاصمة دمشق، أغلقت العديد من محطات الوقود أبوابها لعدم توافر مادة البنزين. ونتج عن ذلك سلسلة أزمات: ارتفاع أسعار البنزين، طوابير وازدحام مروري، توقف عمل السائقين وصعوبة التنقل بالعاصمة. فيما يخشى السوريون انعكاس ذلك على أسعار السلع والخدمات المرتفعة أصلاً.
بات مشهد طوابير السيارات الممتدة عشرات الأمتار أمام محطات الوقود التي لا تزال تملك مخزوناً من البنزين، مألوفاً في العاصمة دمشق. إذ يحاول سائقو السيارات الحصول على ما يعيد الحياة لأعمالهم المتوقفة، حتى مع ارتفاع سعر صفيحة البنزين بمعدلات كبيرة تراوحت بين 50-100 في المئة.
يقول أبو رامي، وهو سائق سيارة أجرة، أنه توقف عن العمل منذ أيام، بعدما بات “مخزون البنزين يكفيني فقط للتجول على المحطات، والوقوف في الطوابير الطويلة للحصول على المادة”. ويشير لـ”المدن” إلى أن مالكي المحطات “استغلوا الأزمة الخانقة ورفعوا سعر الصفيحة من 2000 ليرة إلى 3000”.
أما لؤي، وهو موظف في شركة خاصة ويقيم في صحنايا، فليس لديه الكثير من الوقت يخصصه لطابور البنزين في نهاية يوم طويل من العمل، يضطر بعده إلى العودة إلى المنزل قبل الغروب كحال جميع سكان ريف دمشق لأسباب أمنية. لذا، يحصل لؤي على البنزين “من صحنايا عبر السوق السوداء بسعر 4000 ليرة للصفيحة”. ويضيف لـ”المدن”: “بتنا نستقل، أنا وأخي، سيارة واحدة، للتخفيف من أعباء نفقة البنزين التي باتت مرهقة جداً”.
الحكومة أطلقت وعودها بحل الأزمة “خلال يومين”، ليمرّ نحو أسبوعين على دمشق من دون حل. وكانت صحف مقربة من النظام قد تناقلت في سياق استعراض العضلات والتبشير بالحلول، أن الحكومة سوف تؤمن كميات كبيرة من مادة البنزين في مدينة دمشق تبلغ 600 ألف ليتر على ثلاث دفعات. يقول أبو عدي، وهو صاحب محطة وقود لـ”المدن” أن الحكومة “أمنت بالفعل كميات من البنزين خلال اليومين الماضيين، لكن 600 ألف ليتر هي كمية متواضعة جداً، ولا تكفي 2000 سيارة”.
يشارك بعض سائقي سيارات الأجرة في استعراض عضلات الحكومة وينسجون روايات تداعب أحلامهم بحل الأزمة. إذ يشيع في صفوفهم أن الحكومة ستقوم بنقل البنزين إلى العاصمة من خلال الطائرات، أو أنها ستنقله من حمص إلى لبنان لتعود وتدخله إلى دمشق. فيما يحافظ عدد آخر من السائقين على واقعية حلولهم، فبحسب أبو رامي “لا حلول قبل فتح طريق دمشق- حمص”. ويضيف: “يوجد طريق آخر يصل حمص بمدينة عدرا في ريف دمشق، لكنه طريق طويل وخطير”.
والحال ان الطريق الحيوي المغلق منذ اندلاع معركة القلمون، يصل منشأة لتكرير النفط موجودة في مدينة حمص بالعاصمة دمشق، إذ تعجز اليوم صهاريج البنزين التي تتزود بالوقود من مصفاة حمص عن الوصول إلى دمشق.
وتقع معظم حقول النفط في شرق البلاد قرب الحدود العراقية، أو في وسطها إلى الشرق من مدينة حمص. وقد أعاق القتال في المناطق الشرقية وصول النفط إلى مصفاتي حمص وبانياس، هذا فضلاً عن وجود صعوبات كبيرة في نقل المنتجات المكررة إلى العاصمة دمشق عبر شبكة السكك الحديد التي كانت تستخدم بصورة كبيرة قبل اندلاع الثورة، إذ تعرضت تلك الشبكة لدمار واسع.
وتنتج مصفاة حمص نحو 24 في المئة من حاجات البلاد من البنزين، فيما تنتج مصفاة بانياس نحو 50 في المئة، ويجري استيراد الحاجة المتبقية والمقدرة بنحو 26 في المئة.
أزمة البنزين لا تقتصر على العاصمة دمشق، وإن بدت فيها بصورة أوضح بسبب الكثافة السكانية الكبيرة. لكن كل مدن جنوب سوريا تتزود بالوقود من خلال الطريق الدولي المقطوع. هكذا تعاني محافظة السويداء من أزمة مشابهة، إذ لم تصلها كميات من البنزين منذ أسبوعين. لكن السويداء وبخلاف دمشق، اعتادت تلك المعاناة، إذ ينقطع طريق دمشق- السويداء بشكل متكرر حتى عندما كان البنزين متوافراً، كما يطلب سائقو الصهاريج أجوراً عالية جداً مقابل نقل المادة.
وفي حين لا يبدو أن “معركة القلمون” سوف تضع أوزارها في وقت قريب، يخشى السوريون مع استمرار الأزمة أن يحافظ البنزين على سعره المرتفع، ليكون ذلك بمثابة زيادة رابعة وغير معلنة في سعره خلال العام 2013. وكانت الزيادات الثلاث المتتالية، وآخرها قبل نحو شهرين بنسبة 25 في المئة، قد تسببت بارتفاع مقابل في أسعار النقل، وانعكست بصورة طفيفة على أسعار السلع والخدمات.
وقدّرت الحكومة السورية إجمالي الكميات التي استهلكتها دمشق من مادتي المازوت والبنزين منذ بداية العام الحالي 2013 بنحو 585 مليون ليتر. ما يعني أن الاستهلاك قد تراجع بمعدل 20 في المئة عن العام 2011 الذي سجل استهلاك 725 مليون ليتر. حيث شهدت الأعوام السابقة للثورة ارتفاعاً سنوياً في استهلاك البنزين وبمعدل 10 في المئة بسبب الوتيرة السريعة لزيادة عدد السيارات في سوريا.
المدن