صفحات الثقافة

الكاتبة الامريكية أليس وولكر: مسؤولية الكتابة وجدل ترجمة ‘اللون القرمزي’ للعبرية


ابراهيم درويش

تنبع رمزية قرار الكاتبة الامريكية اليس وولكر برفض طلب من دار نشر اسرائيلية ترجمة روايتها الشهيرة ‘اللون القرمزي’، من انه تعبير عن موقف الكاتب/ الكاتبة تجاه القضايا التي يؤمن بها ويدافع عنها، وهو نابع من مسؤولية للكاتبة تجاه ادبها وتجربتها الابداعية كما انه صورة عن وعي الكاتبة بقضايا العالم، وانخراطه بها، فوولكر مدافعة كاتبة تعمل في المجال العام وتدعم قضايا متعددة خاصة قضايا المرأة وفاعلة في حملات منع الختان الفرعوني.

ومتفاعلة مع قضايا المظلومين. ويمكن النظر الى تجربتها الابداعية على انها كفاح دائب للدفاع عن شقيقتها المرأة السوداء الامريكية بشكل خاص وكفاح المرأة في العالم، فروايتها التي طالبت دار النشر الاسرائيلية بحق نشرها هي رحلة في تاريخ المرأة واغتصابها وصراعها من اجل استعادة نفسها وهويتها بعد ان اغتصبت ودمرت ليس من قبل السيد المعروف ولكن من واحد من ابناء ملتها.

وولكر في دفاعها المستميت عن المضطهدين عندما تشبه اسرائيل بدولة الفصل العنصري فإنها بقرارها تحمي روايتها من وصمة التعامل مع دولة عنصرية تماما، كما منعت عرض الفيلم الذي اقتبس من الرواية في جنوب افريقيا. فقد كتبت في رسالتها للدار الناشرة مذكرة اياها بالقرار الذي اتخذته ‘محكمة رسل الخاصة بفلسطين العالمية’ في اجتماعها الخريف الماضي في كيب تاون وهو ان ‘اسرائيل دولة مذنبة تمارس سياسات تمييز عنصري تجاه الفلسطينيين في داخلها وفي المناطق المحتلة’، وقالت ايضا ‘لقد نشأت في ظل نظام الفصل العنصري الامريكي ولكن هذه ‘ممارسات اسرائيل’ اسوأ، وبالتأكيد فإن الكثيرين من مواطني جنوب افريقيا ممن حضروا الاجتماع بمن فيهم ديزموند توتو، شعروا ان النسخة الاسرائيلية من هذه الجرائم، اسوأ مما عانوه تحت نظام التفوق العنصري الذي سيطر على جنوب افريقيا لامد طويل’. وعبرت وولكر عن املها من ان تترك حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات المعروفة بـ ‘بي دي اس’ اثرا على المجتمع المدني الاسرائيلي وتغير الوضع.

يمكننا الانتظار

وبعد هذا دخلت في موضوع الرواية المطروحة للترجمة من الناشر الاسرائيلي حيث اشارت الى الفيلم الذي قام على ‘اللون القرمزي’ حيث قالت ان مخرج الفيلم ستيفن سبيلبرغ عندما واجه قرار عرض الفيلم في جنوب افريقيا حيث قالت ‘لقد عارضت الفكرة لانه كانت في جنوب افريقيا، مثل اسرائيل اليوم حركة ـ بي دي اس- تعمل على تغيير سياسات حكومة جنوب افريقيا العنصرية’. ومع انها شعرت بالندم انها لم تشرك نيلسون مانديلا وزوجته ويني وارملة المناضل ستيف بيكو الذي عذب وقتل بطريقة وحشية في زنازين الشرطة الا انها قررت الانتظار فهي تؤمن باللاعنف كوسيلة للتغيير على الرغم من ان هذا النموذج قد يأخذ وقتا طويلا كي تؤتي اكلها ‘لقد قررنا الانتظار وكم فرحنا عندما تم تفكيك نظام الفصل العنصري وكان نيلسون مانديلا اول رئيس ملون لجنوب افريقيا’. وفي تلك اللحظة قررت الكاتبة والمخرج ارسال الفيلم ‘ولحد الان فكلما كنت في جنوب افريقيا، فانا امشي رافعة الرأس ولا شيء يقف امام الحب الذي يتدفق بيني وبين ابناء البلد’. وفي النهاية تقول ‘ارغب ان يقرأ كتبي ابناء بلدك خاصة الشباب والناشطين الشجعان من اليهود والفلسطينيين الذين يكافحون من اجل العدالة والسلام الذين كانت لي متعة العمل الى جانبهم، وقد يحدث هذا قريبا، لكن الان ليس الوقت المناسب، علينا ان نواصل العمل على الموضوع وننتظر’.

لم نكن نعرف عن فلسطين

هذه الرسالة ادت الى ضجة كبيرة خاصة في عالم اللوبيات اليهودية وبعد ان نشرتها صحيفة ‘هآرتس’ الاسبوع الماضي. وما زاد من حدة الجدل والهجوم عليها نشاطها في حركة الدفاع عن الحقوق الفلسطينية فقد انضمت العام الماضي لقوافل الحرية لغزة التي زارتها عام 2009 بعد عملية ‘الرصاص المسكوب’. وتحدثت عن انطباعتها عن الزيارة لمجلة ‘فورين بوليسي’ وكيف شاهدت دمار البيوت والمدارس والمؤسسات الحكومية. وولكر في ذلك اللقاء قالت انها مثل كل الامريكيين لم تكن تعرف شيئا عن اسرائيل وممارساتها، وفي عام 1967 كانت فرحة مع زوجها اليهودي الامريكي بالهجوم الاسرائيلي على مصر، ومع انها فرحت بالنصر الا انها قالت لزوجها في حينه انه ليس من حق اسرائيل احتلال هذه الاراضي ‘لكننا في امريكا كنا نعتقد ان الارض اعطاها الله لاسرائيل ومن حقها ان تفعل بها ما تريد، لم نكن نعرف ان على هذه الارض كان يعيش شعب اخر له بيوت وحقول’. على العموم فإن قرار الكاتبة لا يمكن فهمه الا من خلال ما بدأنا به وهو ‘الموقف’، والحقيقة ان الرواية محل الجدل مهمة وأحد عوامل شهرة وولكر لانها لم تؤثر على مسار الادب الامريكي نهاية القرن العشرين بل وغيرت حياتها، فوولكر على خلاف بقية الكتاب الافرو – امريكان لم تنشغل كثيرا في تحليل اشكالية العبد والسيد والعنصرية والرق، ولكنها انشغلت في قراءة وتحليل اليات الدمار النفسي داخل السود انفسهم، فالرواية تبدأ بكلمات لا مساومة فيها ‘ عليك ان لا تخبري احدا الا الله.. لان ذلك سيقتل امك’، ويتبع ذلك اربع فقرات قصيرة تصورالفتاة ‘سيلي’ التي كانت في الرابعة عشرة حيث اصبحت حاملا بعد ان اغتصبها والد زوجها، واخذت بكتابة رسائل لله تبث اليه ما جرى لها. في رسائلها لله تتحدث عن وحدتها والاغتصاب المتكرر الذي تتعرض له من زوج امها. وعن المها عندما تجبر على الزواج من ارمل بثلاثة اولاد، ومع ذلك فان عزاءها الوحيد للخروج من الوحدة هو الحب الذي تلقاه من نساء حيها الذي يخرجها من عزلتها ويشعرها بانسانيتها وانها جزء من العالم. وتجدل في الرواية تاريخ العبودية في القرن التاسع عشر وحيوات العبيد وسرد اعترافي. وقد نالت وولكر على هذه الرواية جائزة بوليتزر، كما بيع منها اكثر من خمسة ملايين نسخة، وحولت الى فيلم عام 1985 وحصد 100 مليون دولار، كما حولت الى مسرحية موسيقية عرضت على مسرح برودوي في نيويورك ومسارح اتلانتا وشيكاغو وحصدت 5 ملايين دولار. ومثل كل نجاح فلم يكن بثمن فقد عانت من ابناء جلدتها الافروامريكيين الذين لم تعجبهم الرواية وهاجموها بشدة بسبب ما رأوه هجموما عليهم وانها صورتهم بصورة قاسية وكشفت عن ملامح ضعفهم وقمعهم للمرأة. ومن التهم التي وجههوها اليها انها خانت عرقها وكراهيتها للرجل الاسود وان روايتها اثرت بشكل سلبي على علاقة السود بينهم اي الرجال والنساء.

الرواية كما قالت وولكر قبل خمسة اعوام في مقابلة مع جريدة ‘الغارديان’ لم تكن سوى محاولة لمعرفة الذات، فقد كانت تريد ان تعرف من هم اجدادها وتعيش معهم على الرغم من ان قصتهم لن تكون مختلفة عن قصتها فقد عاشت الفقر والجوع، وكانت الثامنة في عائلة كان معيلها يعمل مزارعا بالايجار في ايتنونتون- جورجيا، حيث نشأت في ظل فصل تام بين السود والبيض. وعندما كانت في عمر الثامنة اصابتها رصاصة طائشة من بندقية صيد اطلقها بالخطأ شقيقها فأصابت احدى عينيها، وعندما طلب شقيقها قرضا من صاحب العمل كي يأخذها للطبيب ويصلح العين المصابة قال له ‘لا اعرف لماذا تريد انفاق 250 دولارا لاصلاح عين اختك فستنتهي بالزواج من زنجي مثلك’، وقد اثر الحادث على مسار الفتاة حيث ظلت الندبة التي تركتها الرصاصة مثار سخرية من زميلاتها في المدرسة وهو ما دفعها من البداية للانعزال والقراءة وكتابة الشعر، وكان عليها ان تنتظر 6 اعوام اخرى حتى تمت ازالة اثار الرصاصة. المهم فقد ولدت الرواية في عام من التفرغ لها لكنها تقول انه من اجل كتابتها كان عليها ان تغير طريقة حياتها فقد تخلصت من اثاث بيتها وعاشت حياة صعبة ومتقشفة وانفصلت عن زوجها خاصة ان الزواج كان في مراحله الاخيرة. وقد عاشت في تلك الفترة تجربة من الحب ولهذا فالقصة فيها حب كثير وقسوة خاصة وحشية الرجل، وبعض هذه الوحشية استلهمتها من قصة واحد من اجدادها حيث كان مدمنا على الكحول وزير نساء ويضرب زوجته وبناته، وتقول ان هذا الجد لحق مرة جدتها عبر الحقول وهو يطلق النار عليهم ولم يصبها لانه كان مخمورا وهو يلاحقها.

حياة اولى

ولدت اليس ميلسينيور وولكر عام 1944 في ايتنتون في جورجيا وكانت اصغر اولاد ميني تالولا غرانتاند وويليام لي وولكر اللذين كانا يعملان كعاملين بالايجار في المزارع. وانطبعت طفولتها بطابع من العزلة والانغلاق على النفس بسبب ما اصاب عينها، وهو ما اثر علاقتها ببنات صفها وادى لعدم تفهم عائلاتها وهو الامر الذي جعلها خجولة وشابة منعزلة، ولم تعد الى حياتها الطبيعية الا بعد ان عالج طبيب الندبة على عينها، وعلى الرغم من نشاطها في المدرسة الثانوية الا انها ظلت تشعر بالغربة. في عام 1961 تركت وولكر بلدتها وذهبت الى كلية سيبلمان، وهي مدرسة معروفة للسود في ولاية اطلنطا، وخلال العامين اللذين قضتهما في المدرسة اصبحت ناشطة في حركة الحريات المدنية، وبعد ان انتقلت الى كلية سارة لورنس في نيويورك، واصلت دراستها الجامعية ونشاطها في حركة الحريات المدنية. في عام 1962 دعيت الى بيت زعيم حركة الحريات المدنية، مارتن لوثر كينيغ الابن بعد ان شاركت في مهرجان الشباب العالمي للسلام والذي انعقد في فنلندا، وفي تلك الفترة عملت في دائرة الرفاه الاجتماعي في نيويورك، بعد ان حصلت على شهادتها الجامعية الاولى بسنتين تزوجت من محام في الحقوق المدنية ميليفن روزمان ليفينتال (يهودي) وعاشا في جاكسون ميسيسبي. كتبت وولكر اولى روايتها ‘الحياة الثالثة لغراند كوبلاند’ (1969)، في العام الذي ولدت فيه ابنتها، وعندما انتهى زواجها من ليفنتيال انتقلت للعيش في نورث كاليفورنيا.

بدأت وولكر بكتابة الشعر في الايام الاخيرة من الحركة الفنية في نهاية الستينات من القرن الماضي، ومع ذلك فكتاباتها الى جانب توني موريسون وغلوريا نايلر عادة ما ترتبط بمرحلة صعود وانتشار كتابات المبدعات الافرو امريكيات. تدور اهتمامات وولكر حول المرأة وقضاياها، فقد القت محاضرات عن النساء الافرو امريكيات في كلية ويزلي وجامعات ماسشوتيس في بوسطن وييل وبراندز وجامعة نورث كاليفورنيا في بيركلي، كما تدعم حملات مواجهة انتشار السلاح النووي وقضايا البيئة وتدعم حقوق الانسان في العالم. عملت وولكر في تحرير مجلة ‘ميس’ كما انها مساهمة في دار للنشر اسمها ‘وايلد تري برس’. ويبدو اهتمام وولكر في الكتابة النسوية والعلاقة النسبية بينها واضحا في الكثير من المقالات والمجموعات الشعرية التي حررتها للتعريف بأعمال كاتبات فقد القارىء الاهتمام بكتابتهن خاصة الكاتبة زورا هيرستون التي لم تخف وولكر الاعجاب بها، واضافة الى هيرستون فقد تأثرت وولكر بالكاتب جين تومير من حركة الاحياء الادبي في هارلم، والشاعرة غيوندولين بروكس من شيكاغو، والكاتبة الجنوب افريقية بيسي هيدن اضافة للكاتبة الامريكية فلانري اوكونور.

الشعر

تنوع انتاج وولكرفي عدد من المجالات الادبية – رواية وشعروكتابة مقالات والتدريس الاكاديمي. ففي مجال الشعر اصدرت اول مجموعة شعرية لها عام 1968 ‘مرة’ والتي صورت فيها تجربتها في حركة الحريات المدنية ورحلاتها لافريقيا، حيث ترى ان جذورها العائلية ممتدة في تاريخ العبودية في الجنوب الامريكي ولها جدود في افريقيا. وتحمل المجموعة الشعرية مؤثرات من شعر الهايكو الياباني والبير كامو. كما تحتوي المجموعة على تأملات في ماهية الحب والانتحار، وكتبت على خلفية تجربتها في افريقيا عام 1964 حيث كانت تعيش صراعا داخليا بين الاحتفاظ بجنين لم تكن تريده او اجهاضه. وينظر النقاد الى هذه المجموعة انها جاءت نتاجا لصراعها النفسي وفي وجه اخر انتصارها واستعادتها للحياة مرة اخرى. في المجموعة الثانية التي اصدرتها عام 1973 كانت تصويرا للعودة الى جذورها وحملت المجموعة عنوان القصيدة فيها ‘ الزهرات (بيتنويا) الثوريات وقصائد اخرى’ وهي عن المرأة المضطهدة من الرجل والاضطهاد في المجتمع الامريكي بشكل عام ونالت عليها جائزة ليليان سميث للكتب، فيما احتوت مجموعتها الثالثة عام 1979 ‘تصبح على خير ويلي ليلي، اراك في الصباح’ وتحتوي على قصائد تحيي فيها قادة ومبدعين من السود الامريكيين. وتتميز مجموعات وولكر بطول عناوينها فمجموعتها الرابعة التي اصدرتها عام 1984 تحمل عنوان ‘الخيول تجعل الفضاء اكثر جمالا’. كما اصدرت عددا من المجموعات النثرية ‘كل شيء نعرف عن جسدها الازرق: قصائد ارضية’. تحمل قصائد وولكر اهتمامات متعددة من التاريخ الشخصي- للعائلة وابناء جنسها الى الحب والصداقة والحديث عن العلاقة الحميمية مع العادي، والاهم من ذلك الاعجاب بالمرأة القوية، وهذا واضح في قصتها القصيرة الاولى ‘ الى الجحبم ليذهب الموت’ التي ضمها الشاعر لانغيست هيوز للمجموعة القصصية التي نشرها لنساء مبدعات سوداوات ‘اجمل القصص القصيرة لكاتبات زنجيات’.

قصص ومقالات

والقصة والتي تقوم على احداث حقيقية، هي عن اطفال يحاولون انقاذ عازف غيتار اسمه سويت من هاوية الموت وبدون نجاح. وبعد فترة تعود البنت وهي رواية القصة الى بلدها شابة من اجل تشجيع الموسيقي وبدون نجاح، حيث يموت بعد عام، وبعد وفاته تحاول احياء تراث عازف الغيار وارثه الموسيقي بدون نجاح ثم تقرر ان ترث غيتاره واغانيه وتغنيها بنفسها. وعندما اصدرت مجموعتها القصصية الاولى ‘الحب والمشاكل: قصص نساء سوداوات'(1973)، واصدرت اكثر من اربع مجموعات قصصية منها ‘الطريق للامام هو قلب محطم’ (2000) واسهمت بكتابة قصص للاطفال، واصدرت عددا من المجموعات التي تحتوي على مقالاتها وفي عدد منها تتحدث عن حياتها منها ‘ البحث عن حدائقنا الام: نثر نسوي’.

مثل تجربتها القصصية تدخل وولكر في عالم المرأة الامريكية الداخلي اكثر من العلاقة بين السود والبيض. وكما اشرنا اعلاه فإن من اهم رواياتها الست رواية ‘اللون القرمزي’. وتجدل في الرواية تاريخ العبودية في القرن التاسع عشر وحيوات العبيد وسرد اعترافي. وفي النهاية فوولكر عندما تتحدث عن انتاجها الادبي المتعدد الاتجاهات تقول ‘الشيء الوحيد الذي اردت ان احصل عليه في حياتي واعمالي الروائية هو الوعي والانفتاح على الغموض الذي يمثل لي مكانا غامضا اكثر من السياسة او العرق او الجغرافي’.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى