الكتاب المجّاني مع المجلات الثقافية… من يروِّج لمن؟
بيروت – محمد الحجيري
مشروع «الكتاب – الهدية» في العالم العربي ليس وليد اللحظة، فبعض المجلات الثقافية مثل «أدب ونقد» المصرية كانت تقدم ما يشبه الكتاب تسميه «الديوان»، لكنه لم يكن منفصلاً عن المجلة ويتصدر صفحاتها الملونة في الداخل. كذلك كانت مجلة «القاهرة» (كان يرأس تحريرها غالي شكري) تختار بعض الكتب السجالية لتنشرها مثل كتاب «في الشعر الجاهلي» لطه حسين باعتباره وثيقة ثقافية عن مرحلة دقيقة.
سرعان ما بدأ مشروع «كتاب في جريدة» الذي أداره الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير بدعم وتغطية من «اليونسكو»، وأتاح لعموم الناس الوصول إلى أهم الأعمال الأدبية والفنية لكبار الأدباء والفنانين العرب، كما يهدف في إطار جهود المنظمة لترويج الحوار بين الحضارات عبر توزيع المعرفة ونشرها على أوسع فئة من الناس في المنطقة العربية شهرياً في الصحف من دون أي تكلفة مالية. وُزعت عشرات الكتب بمعدل مليونين ونصف مليون نسخة من كلّ إصدار في جميع الدول العربية، واستفاد الكثير من الأدباء والشعراء والفنانين التشكيليين من هذا المشروع الذي كان يصدر بدعم الصحف العربية النافذة وبعض المتمولين.
في موازاة «كتاب في جريدة» الذي يصدر كملحق داخل الجريدة، قدمت دار «المدى» العراقية لصاحبها فخري كريم الكتاب المجاني مع الجريدة بتقديم كتب بطبعات شعبية مع بعض الصحف في لبنان والعراق وغيرهما من البلدان. عرَّف مثل هذا المشروع القراء الجدد على أسماء ثقافية كلاسيكية وأدبية وشعرية، روائية وفلسفية، عربية وأجنبية، تراثية ومعاصرة، من «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسي إلى مذكرات نجيب الريحاني وأديب طه حسين وسيرة الثائر غاندي…
في سياق المجلات الثقافية، تقدم «دبي الثقافية» هدية مع كل عدد عبارة عن كتاب (أو كتابين) يكون صاحبه غالباً من كتابها الدائمين، أو يحل ضيفاً عليها. تتراوح كتب هذه المجلة بين الدراسات والروايات والشعر والمقالات. تكون أحياناً إدارة التحرير موفقة في اختيارها مثل رواية «أصابع لوليتا» للجزائري واسيني الأعرج و{سونيتات» وليم شكسبير… وفي مرات أخرى يكون الكتاب – الهدية مجرد تجميع مقالات أو قصائد نشرت سابقاً ولا تشجع القارئ على اقتنائها ضمن كتاب. في مجمل الأحوال، يشجع الكتاب المجاني القارئ على متابعة المجلات الثقافية، باعتبار أن الثقافة هي تواصل ومعرفة قبل كل شيء.
قضايا نقاشية
مجلة «الدوحة» القطرية، التي يبدو أنها تنافس «دبي الثقافية» أيضاً، انضمت إلى لائحة المجلات التي تقدم الكتاب المجاني، وفي انطلاقتها الأولى كان يدير تحريرها القاص اللبناني عماد العبدالله ويختار مواضيع تلامس قضايا نقاشية سجالية في العالم العربي مثل الأصوليات والتطرف وغيرهما. في مرحلة ثانية، تولى إدارة تحريرها الروائي المصري عزت القمحاوي وكانت له تجربته الخاصة فيها، هو الآتي من مجلة «أخبار الأدب»، يبدو أنه أكثر ميلاً نحو الأدب من الفكر. واللافت أن هذه المجلة لا تقدم كتباً جديدة، بل تختار الكتب المنشورة سابقاً والتي كان لها صداها النهضوي والثقافي في العقود الغابرة مثل: «الفصول الأربعة» لعمر فاخوري، «شروط النهضة» للمفكر مالك بن نبي، «الإسلام وأصول الحكم» لعلي عبد الرازق، «الشيخان» لعميد الأدب طه حسين، «نداء الحياة» لأبي القاسم لشابي، «طبائع الاستبداد» لعبد الرحمن الكواكبي، و{حرية الفكر» لسلامة موسى.
يميز الكتاب المجاني في مجلتي «دبي» و{الدوحة» طبعته الأنيقة، على عكس الكتاب الشعبي الذي تصدره دار «المدى» وفيه من رداءة الورق ما يكفي لإزعاج القارئ.
التحقت مجلة «الرافد» التي تصدر عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة بقائمة المجلات التي تهدي قراءها كتاباً ثقافياً جديداً مع عددها الشهري، هو «كتاب الرافد». كذلك تهدي «الثقافة الجديدة» المصرية و{العربي الصغير» الكويتية قراءهما كتاباً صغيراً، ولا ننسى «المجلة العربية» السعودية، و{تراث» وهي ثقافية منوعة تصدر عن نادي تراث الإمارات في أبوظبي، كذلك «نزوى» التي يرأس تحريرها الشاعر سيف الرحبي في عمان، و{فصول» في القاهرة. وبات يمكن للقراء تكوين مكتبة من الكتب المجانية التي ترافق هذه المجلات في زمن تشهد الكتب ارتفاعاً في الأسعار مع تقلص عدد القراء بسبب الأحداث في العالم العربي.
أمام مشهد الكتاب المجاني مع المجلات الثقافية، يطرح السؤال التالي: هل المجلات الثقافية في أزمة أم الكتب في أزمة؟ ثمة من يقول إن المجلات تراجع دورها في زمن الإنترنت، لكن هذا لا يعني أنها ماتت، فثمة فئة كبيرة من القراءة والمثقفين تجد فيها وسيلة للتعبير أو لنشر كتابات لا يمكن نشرها في الصحف أو مواقع الإنترنت. بناء على هذا، صدرت في لبنان، وفي فترة وجيزة، مجموعة من المجلات المتنوعة (كلمن، بدايات، الطريق…)، واللافت أن إصدارها يأتي بمبادرات فردية أو من جميعات، وتمويلها مصدره بعض الأشخاص أيضاً عدا عن الاشتراكات. وهي وإن كانت غنية بالمواضيع، لكنها في المقابل فقيرة مادياً على عكس المجلات الخليجية التي تصدر في دبي وقطر والكويت والشارقة والتي تمولها جهات رسمية، وعلى هذا يصبح من السهل عليها أن تختار كتاباً مجانياً ليغيث القارئ من الجفاء.
الجريدة