الكرد بين استبداد الأنظمة وتواطؤ أهل البيت
مسعود محمد
«المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المعتدي، فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس، يسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته. ما سبق هو قول لعبد الرحمن الكواكبي والصورة هذه تنطبق على حال الكرد في عراق صدام حسين، والكرد حالياً في سوريا، وإيران، وتركيا. قوانين البلاد المحكومة بالدكتاتوريات تحرم التفكير، فالمواطن ممنوع عن التفكير، ومحروم من الوقت اللازم للتفكير، فهو مشغول بملذاته إن كان من المقربين، وبالسعي لتأمين خبز يومه إن كان من عامة الشعب، وبالخوف إن كان من المعارضين. عندما انطلقت الثورة السورية حاول النظام السوري استغلال الخلافات التي زرعها بين الكرد والعرب في سوريا لإبعاد الكرد عن الثورة السورية، وحاول إقناعهم أن الشجاعة للنعام، الذي يضع رأسه بالتراب ليتجنب العاصفة، والحكمة للنيام، والعصمة للحكام، ووجد النظام في وسط بعض الأحزاب الكردية، أنصاف نيام يرددون أنصاف الكلام، ودعوا للحوار مع النظام.
الشباب الكرد المثقف الرافض للخضوع والمتأمل باستعادة إنسانيته والاعتراف به وبكينونته البشرية، رفض إغراءات النظام السوري، فأقسم اليمن على مناصرة المدن السورية درعا وحمص والرستن وحماه وتل كلخ وجسر الشغور… وبقية المدن السورية، خصوصاً وأن الأكراد مشهورون بإغاثة الملهوف، وهم يتخذون الذمة يميناً يقسمون بها ولا يحنثون بايمانهم أبداً. ليس سراً أن الشهيد مشعل تمو (هناك معلومات تقول إنه قتل على يد مجموعات كردية متعاملة مع النظام السوري) مع مجموعة من الشباب الكرد وقياداتهم الشبابية، لعبوا دوراً محورياً بجذب الكرد نحو الانتماء الوطني السوري العام. خاضت هذه المجموعة النقاش مع الأحزاب الكردية لجذبها الى الشارع، وخاضت نقاشاً عبر الحدود مع القيادات الكردية في العراق حتى لا تعطي شرعية لدكتاتور سوريا، ووقف الضغط على الشارع الكردي السوري، وذلك لأن الرئيس الطالباني كان تحت الضغط العاطفي، يوحي لكرد سوريا بعدم المشاركة بالانتفاضة على النظام السوري كنوع من رد الجميل للنظام الذي سمح له باستخدام دمشق قاعدة له لمقارعة دكتاتور بعث العراق صدام حسين. واعتبر انسجاماً مع حليفه التاريخي الثاني إيران، أن الانفجار السوري هو مؤامرة خارجية تستهدف سوريا لدورها الاقليمي.
أول الخارجين على إرادة الرئيس العراقي جلال الطالباني كان نائبه رئيس حكومة اقليم كردستان برهم صالح الذي قرأ الوضع بدقة أكثر من الرئيس الذي تربى في ظل الدكتاتوريات العربية فكان صديق سوريا الأسد وليبيا القذافي اللذين أوهماه بدعمهما للشعب الكردي وقضيته، وذلك طبعاً بدون أي التزام، وبحرمان الكرد من حقوقهم في سوريا واعتبارهم مواطنين درجة ثانية. برهم صالح رئيس الوزراء الشاب فهم أن المستقبل للشعوب وليس للدكتاتوريات، فالعصر عصر الثورات الشعبية، وطالب القيادات الكردية السورية المشاركة بالثورة حتى لا تبقى على هامش التاريخ. الشارع الكردي في مدينة الرئيس الطالباني السليمانية، لم يكتفِ بمساندة المعارضة الكردية الشعبية في الشارع، بل انتفض وطالب محافظ السليمانية تغيير اسم شارع معمر القذافي الذي أطلقه الرئيس الطالباني على الشارع تكريماً للعقيد، واضطر المحافظ للخضوع للشارع وأعلن عن نيته تغيير اسم الشارع.
يبدو أن العدوى قد انتقلت من الشارع الى رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني الذي رفض دعوة رسمية من الرئيس السوري بشار الأسد الى سوريا، كما أكد رئيس ديوان رئاسة اقليم كردستان الدكتور فؤاد حسين. وحسب الدكتور حسين الرئيس البرزاني يراقب عن كثب تطورات الأوضاع السياسية في سوريا، وأن هناك اتصالات مستمرة بين قيادة الإقليم والقيادات الكردية بكردستان سوريا.
حاول النظام السوري بكل ثقله العمل على الذاكرة السلبية لأكراد سوريا مرة عبر الوعد بإعادة أراضيهم المصادرة بمباركة النظام من قبل قبائل عربية، ومرة عبر مرسوم تجنس هو حق للأكراد المنزوعي الجنسية، مراهناً على ما تراكم عبر القراءة والسماع والتاريخ المظلم والتعميم في الظنون والاعتقادات، ظاناً أنه سيستطيع فصل الكرد عن محيطهم، إلا أنه لم ينجح بكل ذلك فلقد شكلت دماء مشعل تمو منارة للكرد نحو الحرية.
الأنظمة الدكتاتورية تعتقد أن شعبها يخافها، إلا أن الحقيقة هي أن تلك الأنظمة هي التي تخاف شعوبها ونهايتها تكون بواحدة من أربع حالات.
1 ـ الجنون أو الانهيار الصحي والموت المفاجئ كما حصل مع نيرون.
2 ـ الاعتداء على الجوار والدخول بحروب خارجية بقصد التغطية على عيوب الدكتاتور، الذي يوجه أنظار شعبه الى عدو خارجي، فتفضحه الحرب بدل من أن تستره وتقرب آخرته بدل من أن تؤجلها وهذا ما حصل مع خصمك صدام حسين.
3 ـ الاغتيال الفردي.
4 ـ ثورة شعبية لا تكتفي بالقضاء على المستبد، بل تقضي معه على جميع أعوانه وأنصاره ورموز حكمه، وهذا ما حصل مع صديقك القذافي وبن علي ومبارك ومتوقع حصوله مع أصدقائك بشار الأسد وعلي صالح.
الشعوب المنتفضة ستصل الى تلك النهايات الحتمية للمستبد، مهما تصرف المستبد بحقوق الناس. تغير الزمان وباتت كلمة الشعب هي العليا. انزل من قصرك الى شوارع السليمانية والقامشلي وعاموده والحسكه والدرباسية وعفرين استمع الى صوت الناس الذين خرجت منهم ثائراً ووصلت عبرهم الى قصر الرئاسة في بغداد.
المستقبل