اللاجئون كشأن أوروبي داخلي/ سامي حسن
خلال السنوات الأخيرة، استقبلت أوروبا أعداداً كبيرة من اللاجئين. وبينما يرى البعض أن الدوافع الإنسانية هي التي جعلت الدول الأوروبية تفتح حدودها أمام اللاجئين، وأن دساتير هذه البلاد تفرض عليها قبول لجوء القادمين إليها من مناطق النزاعات والحروب، يرى البعض الآخر أن ثمة دوافع اقتصادية واجتماعية وراء ذلك، كالحاجة إلى اليد العاملة وتجديد شباب تلك المجتمعات الهرمة.
بغض النظر عن الأسباب والتفسيرات الآنفة الذكر، فإن التدفق الكبير للاجئين على بعض الدول، كألمانيا والسويد وهولندا، وضعها أمام استحقاقات ثقافية واجتماعية واقتصادية إلخ… وأصبح اللاجئون، فعلياً، شأناً داخلياً في هذه الدول. فهم حاضرون في النقاشات بين المواطنين وعلى وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية. ويُستحضرون بقوة خلال الحملات الانتخابية، لا سيما من جانب الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية، التي رأت فيهم مادة خصبة للتعبئة حول برامجها العنصرية، وكسب المزيد من الأصوات الانتخابية.
في هذا الاطار، كثيراً ما يلجأ اليمين المتطرف إلى إثارة المخاوف من الخطر الذي يتهدد الهوية القومية والثقافية بفعل ازدياد أعداد اللاجئين القادمين من ثقافات متعددة مختلفة. وفي سياق الرد عليه، وكتفنيد لمزاعمه، لا تخلو خطابات الأحزاب الأخرى، يمينية كانت أم يسارية، من مقاربات سطحية لقضايا اللجوء وتداعياتها. على سبيل المثل، اندماج اللاجئين في المجتمع الجديد هو من المواضيع التي تأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام الحكومات والأحزاب. وهو بالفعل موضوع مهم وحيوي واستراتيجي، لكن طرق التعاطي معه تفتقد، كما أظن، الموضوعية والعمق. حيث يطرح الاندماج كمهمة تخص اللاجئين حصراً دون سواهم. بينما يجب النظر إليه كاستحقاق معني به وبنجاحه كل أفراد المجتمع.
فإذا كان مطلوباً من اللاجئين التعرف على المجتمع الجديد والتفاعل الإيجابي معه واحترام قوانينه وثقافته وعاداته وتقاليده، فإن المطلوب من المواطنين الأصليين القيام بالأمر نفسه تجاه القادمين الجدد وثقافتهم. أي أن الاندماج يجب أن يكون تفاعلياً وفي اتجاهين.
من جانب آحر، ومن أجل إعطاء صورة إيجابية عن اللاجئين، تقوم الجهات المعنية ووسائل الإعلام، بتسليط الضوء على حالات النجاح وإبراز المواقف التي تلقى استحساناً من المجتمع. لكن، عندما يقوم اليمين المتطرف باستغلال حادث إرهابي ما، للتحريض على اللاجئين، أو عندما تثار مسألة المخالفات التي يقوم بها بعض المهاجرين، يكون رد الجهات الحكومية المختصة هو الحديث عن تشديد إجراءات قبول اللاجئين والتهديد بترحيل من يرتكب المخالفات، بينما الأجدى مكاشفة المجتمع المعني بأن اللاجئين مثل كل البشر، لديهم إيجابيات وسلبيات، وبينهم أخيار وأشرار. ويجب أن يتم التعامل مع تداعيات وجودهم الإيجابية منها والسلبية كما لو أنها تصدر عن مواطني هذه الدولة، أي باستبعاد أي تفكير له علاقة بالترحيل أو غيره من التهديدات. فاالقانون يجب أن يطبق على الجميع من دون تمييز بين مواطن ومهاجر.
وتجدر الإشارة إلى أن تدفق اللاجئين لم يؤد إلى زيادة غير طبيعية في نسبة المخالفات، التي يُلحظ أن أسبابها ترتبط بعدم الاستقرار الذي يشعر به بعض المهاجرين، كحال أولئك الذين لا يسمح لهم أساساً بتقديم طلبات اللجوء، أو الذين رفضت طلباتهم وينتظرون الترحيل، أو ممن لم يُبت أمرهم بعد. من هنا، فإن سرعة إجراءات قبول اللجوء ولمّ الشمل ومنح الإقامات الدائمة والجنسية تعكس نفسها إيجاباً على اللاجئ والمجتمع معاً.
يبقى القول إن خطاب اليمين الشعبوي المتطرف حول الآثار الاقتصادية السلبية لتدفق اللاجئين يلاقي صدى لدى أصحاب الدخل المحدود، الذين يدفعون ثمن الأزمات الاقتصادية، ويرون أنهم أولى بالأموال التي تصرف على اللاجئين، وأن أوضاعهم ستكون أفضل في حال خلت بلادهم من هؤلاء وأغلقت حكوماتهم أبوابها في وجه المهاجرين. كما يلقى الخطاب اليميني الداعي الى الانغلاق على الذات القومية صداه أيضاً لدى بعض أصحاب الشركات الصغيرة، الذين تدفع بهم شروط التنافس مع الشركات الكبرى، والتجارة الحرة بين البلدان، إلى حافة الإفلاس.
إن الحديث عن الأبعاد الاقتصادية لموضوع تدفق اللاجئين يحتاج إلى مساحة أكبر مما هو متاح هنا. لكن باختصار يمكن القول: صحيح أن هناك مبالغ كبيرة تصرف على اللاجئين (معونات اجتماعية، تكاليف دورات تعلم اللغة، إلخ…) لكن ذلك لم يؤثر سلباً في أوضاع المواطنين. فعلى سبيل المثل، لم تنخفض الأجور ولم ترفع الضرائب. ثم إن هذا الوضع للاجئين لن يستمر على حاله. فمن المفترض أن يغادر قسم كبير منهم فئة العاطلين من العمل وينضم إلى صفوف المنتجين دافعي الضرائب. أما بالنسبة الى الأزمات الاقتصادية والمالية وتداعياتها على المواطنين، وما تتسبب به من إفلاس للشركات وتخفيض للأجور وارتفاع في معدلات البطالة وغير ذلك، فهي ظواهر ترتبط عضوياً بالنظام الرأسمالي وعمرها من عمر هذا النظام. وإذا كان معظم الأحزاب، وضمناً الحاكمة منها، يمينية أم يسارية، لا مصلحة لها بأن تقول هذه الحقائق لشعوبها، فالأجدى أن يقوم بذلك من يدّعي انحيازه الى البدائل الأرقى سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً.
* كاتب فلسطيني/ سوري
الحياة