اللغة الإنكليزية لإنقاذ أدب العالم/ حسن داوود
في مقابل ذلك العنوان الذي وضعته صوفيا كوبولا (Lost in translation) إقترح الكاتب الأميركي بنيامين موسر عنوانا معاكسا لمقالته هو (Found in translation). المقال يبدو أقرب إلى مرثية للأدب المكتوب بغير الإنكليزية، أو الذي لم يحظ بأن ينقل إلى تلك اللغة. وهو يعطي مثالاً شخصياً على ذلك هو اكتشافه للكاتبة البرازيلية كلاريس ليسباكتر في أثناء ما كان يدرس اللغة البرازيلية، بعد انصرافه عن البدء بتعلم الصينية التي قيل له إنه يحتاج معها إلى عشر سنين على الأقل حتى يتمكن من فكّ طلاسم ما تكتبه صحفها. كتاب ليسباكتر (ساعة النجم) أعجبه إلى حدّ أنه غيّر حياته كما يقول، وهو عمل في وقت لاحق على ترجمته إلى لغته الإنكليزية. “لولا ذلك لبقيت تلك الكاتبة الرائعة مجهولة لقرّاء العالم”، ذاك انه، وكما بات معلوما ومؤكّدا، لا طاقة لأي من اللغات (غير الإنكليزية) على نقل كاتبها إلى مصاف عصر العولمة.
فقط الإنكليزية يمكنها أن توصل الأدب إلى عالميته، إذ عبرها تنفتح الأبواب إلى جميع لغات العالم. الفرنسية لم تعد كذلك، ولا الإسبانية. فقط الإنكليزية هي اللغة الأم، إن شئنا أن نعطي معنى آخر مختلفا لذلك الإصطلاح. أما الجهد الذي بذل لمساعدة آداب العالم على القيام من عثرتها اللغوية أو القومية فقليل جدا. ذاك أن حصيلته بائسة طالما أن قراء الإنكليزية في الولايات المتحدة وبريطانيا أتيح لهم أن يقرأوا الأدب الأوّل بلغتهم التي هي اللغة الأولى. بين الكتب المعروضة للأسواق في كل من الولايات هذين البلدين فقط ثلاثة بالمئة منها مترجم عن لغات أخرى، وهذه هي النسبة الأدنى في العالم حيث، بالمقارنة مع روسيا، ترتفع النسبة إلى عشرة فاصل ثلاثة بالمئة. أما في الصين فالنسبة هي سبعة في المئة.
وحدها هولندا، بحسب ذلك الإحصاء الذي اختصّ بالعام 2013، ترتفع نسبة الكتب المترجمة فيها إلى 75 بالمئة. لم يذكر بنيامين موسر في مقالته ما الذي يجعل من هولندا البلد الأكثر انفتاحا على لغات العالم المختلفة، حيث الأرجح أن تلك الترجمات ليست في معظمها عن اللغة الإنكليزية. الزائر لذلك البلد يكاد يوقن أنّ أهله والمقيمين فيه أحلوا لغتهم الهولندية، في تخاطبهم، في المرتبة الثانية بعد الإنكليزية، أو على الأقل، إرتفعت الإنكليزية إلى مصاف لغتهم الأصلية.
آداب العالم تعيش إذن في حلقة مقفلة ولا سبيل لها إلا المبادرات من الأدب الإنكليزي. لكن، بحسب ما يقترح موسر في مقالته في صحيفة “نيويورك تايمز”، نستنتج أن شيئا لم يحصل بعد في ما خصّ هذه المهمة. ذاك أنه، بمقابل ما بلغه التدخل الأميركي والإنكليزي في شؤون العالم الكثيرة، صغيرها وكبيرها، ها هو موسر يقترح بأن نبدأ الآن بمد يد المساعدة لأدباء العالم لإنقاذهم من الإختناق، لكن بديناميكية بائسة على طريقة ما كان يمكن أن يفعل أدباء ما قبل القرون الوسطى ومفكّروه. يقول إنّ على الكتّاب بالإنكليزية، الملمّين بلغة ثانية، أن يتبنوا، بالترجمة، كاتبا يعجبهم في أي من لغات العالم يعمدون إلى ترجمته وتقديمه. وهو يقدم أمثلة على ذلك منها ترجمة جوناثان فرانزن عن الألمانية لـ”يقظة الربيع” كتاب فرانك ويديكيند وكذلك ترجمته لكارل كراوس. أما أليزابيت كوستوفا، الروائية الأميركية، فأنقذت، بمفردها، أدب بلغاريا حيث أنشأت مؤسسة خاصة لتعريف قرّاء الإنكليزية به.
ربما يكون ذلك مفيدا لمهنة الكتابة في بلدان تتضاءل فيها الحاجة إلى التثقّف، لكن بالمقابل هناك ثمن ينبغي أن يُدفع. ذاك أن كل ما تحتاجه الثقافات الأولى هو أن تضمّ إلى تيارها الجارف العريض فروعا ضئيلة لن تكون مؤثّرة بحال. ثم، من ناحية ثانية، أن يكتب أدباء العالم مدركين الطابع الهامشي، أو الفولكلوري ربما، أو الإكزوتيكي الذي سيسم كتابتهم. وقد تبيّن في العقود الأخيرة نوع الكتب التي اختارها المترجمون، المتبنون، لتنقل من العربية مثلا، ولهذا تفاصيل يضيق المجال عن تعدادها.
المدن