«اللون القرمزي»!
إبراهيم حاج عبدي
مر الخبر مرور الكرام، وغاب سريعاً عن الشاشات، وبدا، حتى في حضوره القصير، خجولاً مرتبكاً؛ كما لو كان «ضيفاً على غجري يتأهب للرحيل» بتعبير محمود درويش. يقول الخبر إن الكاتبة الأميركية أليس ووكر، المتحدّرة من أصول أفريقية، رفضت ترجمة روايتها «اللون القرمزي» إلى العبرية، وعللت الأمر بـ«همجية الدولة العبرية، وأن إسرائيل كيان يمارس الفصل العنصري والتمييز العرقي، أسوأ بكثير مما كان يمارس في أميركا أو جنوب أفريقيا».
الخبر ينطوي على دلالات ومعطيات تغري بالمتابعة الإعلامية، فالرواية التي صدرت في ثمانينات القرن العشرين، ونالت جائزة بوليتزر الرفيعة، تدور أحداثها حول فتاة من أصول أفريقية، تعيش في مجتمع يسوده الفقر والتمييز بين البيض والسود وبين أبناء المجتمع الواحد من رجال ونساء. وفقاً لذلك، فإن الرواية تحارب التمييز، فكيف للكاتبة أن تسمح بنقل روايتها إلى لغة يمارس ناطقوها هذه الآفة؟ وكان المخرج ستيفن سبيلبرغ حوّل «اللون القرمزي» إلى فيلم بالعنوان ذاته، رشح لجوائز أوسكار، واعتبر من الأفلام القليلة التي عالجت بعمق مسألة التمييز العنصري في الولايات المتحدة.
نحن، إذاً، إزاء مادة إعلامية خصبة تستحق أن يخصص لها مساحات واسعة من البث الفضائي العربي، وتوظيفها لإظهار عدالة القضية الفلسطينية، وفصولها المأسوية التي طالت كثيراً. الإعلام الإسرائيلي لا يترك أي فرصة كي يستثمرها، وهو، يتاجر بمذابح «الهولوكوست»، في حين أن خبراً من هذا النوع لم يلقَ اهتماماً من الفضائيات العربية التي كان يمكن أن تجري حوارات مع ووكر، وتعيد عرض فيلم سبيلبرغ، وتستضيف كتّاباً وفنانين للحديث عن معاني هذا الموقف ومدى تأثيره.
لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، فجلّ ما رأيناه هو مجرد خبر عابر ضمن الشريط الإخباري أسفل الشاشة، وحتى الفضائيات التي ترفع شعار «المقاومة والممانعة»، وهي المعنية، كما يفترض، بهذا الخبر أكثر من غيرها، بدت مطمئنة إلى أدائها التقليدي في تكرار صور المفاتيح الصدئة بيد فلسطينيي المخيمات والشتات في انتظار العودة.
ثمة سؤال يطرح، هنا، حول كيفية تحديد الأولويات في الفضائيات العربية. الملاحظ أن لا ضوابط متبعة في هذا المجال، بل يبدو أن الأمر خاضع للأمزجة وللتقليد الأعمى، فحين تهتم الفضائيات الغربية بخبر ما، نجد الفضائيات العربية تحذو حذوها. ومن المفيد، هنا، أن نتذكر حادثة واحدة، هي وفاة المغني مايكل جاكسون، مثلاً، وكيف أن الفضائيات العربية تابعت تفاصيل الموضوع بصورة مملة، أما الموقف المشرّف للروائية الأميركية، فلم يحظ بأي اهتمام فضائي، على رغم القول الذي أصبح ممجوجاً: قضية فلسطين، هي القضية المركزية للعرب. لكن الحقيقة أنها كذلك في وجدان الشعوب فحسب، أما بالنسبة إلى الشاشات فهي من «القضايا الخاسرة»، ولا مكان لـ «اللون القرمزي» بين ألوانها التي لا تحصى!
الحياة