المؤامرة الحقيقية في سوريا
حسين شبكشي
يظل الموضوع السوري هو الأهم عربيا، وتظل الثورة السورية العظيمة ضد النظام الطاغي هي الأطول والأهم، وتظل مأساة الشعب السوري هي الأطول والأهم أيضا. شعب أراد أن يتحرر من قيود العبودية والذل والاستعباد والكراهية والطغيان، يطلب حقه في العيش بكرامة وعزة وحرية، خرج رافضا للفساد والتوريث وللقمع والطائفية، وهي جميعا باتت ملامح واضحة وصريحة، وبصمات معلنة، لأسلوب حكم نظام الأسد الأب والابن. الأسد نظامه «يخشى» و«يحذر» من التدخل الخارجي وهو الذي سمح لبلاده بأن تكون مرتعا للأنصار والمرتزقة من العراق وإيران ولبنان وأخيرا من روسيا.
المشهد السوري يتجه للتحرير بمعناه الحرفي الفعلي، مع بدء سقوط مدن وأحياء بأكملها في قبضة الثوار تارة، وفي قبضة المنشقين من الجيش السوري النظامي والذين بات اسمهم ينطوي تحت مسمى الجيش السوري الحر، تارة أخرى. الحل العربي كان مقدما من قبل جامعة الدول العربية، من خلال مبادرة تشمل بروتوكولا لإرسال مراقبين من الجامعة ليقرروا ما يحدث من تجاوزات وقمع وقتل واعتقال بحق الشعب الثائر المسالم، وهي المبادرة التي كانت كفيلة في حال قبول النظام السوري الموتور بها بأن تجعله يجد لنفسه مخرجا محترما وآمنا، قبل أن يلقى مصيرا أشد بطشا وسوءا لكنه حتما مستحق. واتضحت مجاملة الجامعة العربية للنظام السوري حينما وافقت على اختيار شخصية عسكرية من السودان مثل «الدابي»، وهو – كما يشاع – الملوثة يداه بدماء الآلاف من الضحايا في ولاية دارفور بالسودان، وهو الرجل الذي كان مسؤولا عن ذلك ويتحمل وزر الأمر، وهو مطلوب من المحكمة الدولية بسبب هذا، وبالتالي لم يكن غريبا أن يتحدث رجل بهذا الخلفية بمثل ما تحدث به عما شاهده واطلع عليه خلال رحلته لسوريا.
وكان «مذهلا» حجم الأكذوبة التي يحاول أن يروج لها «الدابي» وهو ربيب الأنظمة القمعية والمتعاطف بصدق وحقيقة معها، فهو في حديثه خلال المؤتمر الصحافي الكبير الذي عقده حمل مسؤولية العنف والدم الذي يحصل في سوريا للمتظاهرين «المسلحين»، ولم يذكر العتاد والسلاح والدبابات والصواريخ التي بحوزة الجيش والأمن السوري وهم يطوقون المدن ويطلقون الرصاص على المارة والمتظاهرين بشكل عشوائي قاتل، لكن ذلك استمرار ممنهج للشهادة غير الدقيقة التي قدمها «الدابي» كطوق نجاة مفضوح وغير أخلاقي لصالح النظام السوري المنتهي، شرعية ومكانة وتقديرا.
لا يمكن وصف موقف الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، ورئيس بعثة المراقبين العرب لسوريا الدابي، بالموقف الأخلاقي ولا الموضوعي، ولا كذلك مواقف العراق ولا السودان ولا اليمن ولا الجزائر، وإنما هي جميعا أنظمة تدعم القمع والأذى والهوان، وهي ستحصد ما زرعته في هذه الأيام عما قريب جدا، فالحال دوار، والأيام تدور. ولعل الموقف السعودي الجمعي مع دول الخليج، والذي كان يقضي بسحب كل مراقبيها من بعثة المراقبين العرب، جاء لأنها رأت أن ما يحدث مخالف للمبادرة، وعدم التزام من قبل النظام السوري بها وبشروطها، وبالتالي فإنها باتت لا معنى لها.
التنازل عن الحكم، وتنحي بشار الأسد ومن معه عن الحكم، وخروجه من سوريا، هو الحل الوحيد الذي سيوقف حمام الدم المستمر، ويحافظ على وحدة سوريا الجغرافية على أقل تقدير، وإذا لم يحصل ذلك فسوف يكون النظام السوري مشاركا بشكل عملي في المؤامرة الحقيقية لتقسيم سوريا وتغيير وضعها لصالح إسرائيل في المقام الأول، ولعل ذلك يكون هو الهدف المطلوب.
الشرق الأوسط