“المبادرة العربية” فرصة ثانية فهل يفوّتها الأسد؟
سركيس نعوم
اكد رسمياً قبل يومين وزير الخارجية السوري الرفض الرسمي لبلاده، بل للنظام الحاكمها منذ نيف واربعة عقود، للحل الذي توصلت اليه جامعة الدول العربية قبل ايام للصراع السياسي والدموي القائم بينه وبين غالبية شعبه. وأُرفق قرار الرفض بقرار آخر، قال ان الشعب اتخذه، هو ان جماهير هذا الشعب تريد الحل الأمني للصراع الدائر. والقرار الأخير هذا يثير تساؤلين بديهيين. الاول، هل يُعقل أن يعطي شعب، أو على الاقل غالبيته، الضوء الاخضر للنظام الذي يريد اسقاطه كي يقمع ثورته بقوة الأسلحة الفتاكة والمتطورة التي يمتلكها جيشه، وبواسطة هذا الجيش الذي لا يزال، وقد يبقى، مدة طويلة على ولائه له؟ اما الثاني فهو ألم يطبّق النظام السوري الحل الامني منذ بداية الاحتجاجات الشعبية عليه التي تحولت ثورة لاحقاً بسبب رفضه مطالبها الاصلاحية المحقة أو الحد الادنى منها؟ وهل نجح هذا الحل منذ بدء تطبيقه قبل عشرة اشهر في القضاء على التحركات الشعبية؟ وأليس انتشار الثورة في معظم مناطق سوريا ثم أليست سيطرة الثوار على احياء معينة في مدن كبيرة او على مدن وقرى عدة في معظم المحافظات السورية، أليس ذلك كله دليلاً على فشل الحل الأمني؟ واذا قال مؤيد للنظام الأسدي، سورياً كان او لبنانياً، ان قادته لم يذهبوا الى الحد الأقصى في اثناء تطبيقهم الحل الأمني، لأن المجتمع الدولي فضلاً عن العربي والاسلامي لن يستطيع السكوت على سقوط آلاف بل عشرات آلاف الضحايا، ألا يعني هذا القول أن الحل الأخير ممنوع أو متعذّر وتالياً أن التلويح به غير مفيد؟ وألا يعني أيضاً أن اللجوء اليه في النهاية “انتحار” بكل معنى الكلمة؟
في اختصار، تفيد المتابعة الدقيقة ومن قرب لسوريا وتطور الأوضاع فيها منذ 15 آذار الماضي، ان نظام الاسد فوّت فرصة الحل المشرّف و”العادل” يوم امتنع عن معالجة الأسباب التي جعلت اهل درعا ينزلون الى الشارع، بل “يطلعون من جلدهم” ويكفرون بحياتهم، لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمّل ما عانوه على يد انصاره وأدواته ومنفّذي أوامره. يومها كان في امكانه جلب المذنبين والمتورطين، وهم كثر، الى القضاء العسكري، وربما اقامة محاكم ميدانية لهم. كما كان في امكانه، بل كان واجباً عليه، اطلاق ورشة اصلاح جدية تحسّن النظام وتضعه على طريق الديموقراطية التدريجية بعد ان تلغي احتكار “حزب البعث” او مستعملوه السيطرة على البلاد. وبذلك كان “نفّس” احتقان الغالبية ضده (نظام الاسد والبعث)، وكان بدأ عملية حوار اصلاحي، وكان جنّب البلاد الفتنة المذهبية بل الحرب التي هي منزلقة اليها، والتي تهدد “الشعب” الذي معه كما “الشعب” الذي ضدّه وتدمّر في المحصلة سوريا. فهل يفوّت نظام الأسد فرصة جديدة، وفرتها له المبادرة الثانية لجامعة الدول العربية قبل ايام، يمكن ان توقف انزلاق شعبه، الذي صار مثل شعبنا اللبناني في انقساماته، نحو الحرب الاهلية؟ وهل المبادرة المذكورة فرصة جدية؟ هي فرصة جدية حتماً. لأن انتصار النظام لم يعد ممكنا رغم اقتناع اركانه بذلك، ولأن قبول العناصر الاساسية للمبادرة يعني في صورة او اخرى اقامة نظام جديد هو مزيج من القديم ومن الذي تريد غالبية الشعب السوري الوصول اليه، ولأن المزيج هذا يُفترض فيه أن يفتح الطريق بتطوره التدريجي امام النظام الديموقراطي الفعلي. وبذلك لا يكون نظام الأسد خسر بخسارة رأسه ومحيطه كل شيء، ولا يكون الثوار، اي غالبية الشعب، ربحوا كل شيء.
اما تفويت الفرصة الحالية فبدا امس وأول من امس ان القرار به قد اتُّخذ، وذلك عندما أعلنته مصادر رسمية ثم عندما أكده الوزير وليد المعلم. ويعني ذلك ان سوريا صارت على باب النفق الدموي والمظلم. ويذكّر ذلك بتجربة لبنان عندما ظن احد شعوبه انه يستطيع الاستمرار في حكم لبنان الى الأبد، وعندما اقتنع بأن تعذُّر ذلك عليه في مرحلة معينة لن يلغيه لأنه يستطيع الانكفاء الى منطقته وحكمها. فهل هذا ما يفعله النظام السوري او قادته؟ لا احد يعرف. لكن تجربة لبنان يجب ان تقنعهم ان الاقتناع المذكور قد لا يتحقق. ونتائج ذلك يلمسها هذا الشعب اللبناني كل يوم ومعه كل العرب، إلا طبعاً اذا ظهرت هناك ضمانات اقليمية ودولية تجعل الرهان المشار اليه ممكنا. علماً أن التجربة المشار اليها لأحد الشعوب اللبنانية لم تأخذ منها شعوبه الاخرى العبر اللازمة والضرورية. وفي مقدمها ان التقسيم أو الكنتنة أو الفدرلة ليست قراراً تأخذه “الشعوب” الصغيرة في دول صغيرة وضعيفة. بل هو قرار الدول الكبرى النابع من مصالحها أولاً. وما يشهده لبنان حاليا من تكرار غير معلن او ربما غير مقصود للتجربة نفسها يؤكد ان “لا أحد يتعلم إلا من كيسه”.
النهار