“المرصد السوري” والإدارة الأميركية: عداوة بعد محبة؟
حملة انتقادات تشنّها وكالات أنباء ووسائل إعلام أميركية، ضد “المرصد السوري لحقوق الانسان”. فالمرصد، الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، يعدّ المصدر المثالي للنقاد الغربيين، في خصوص الرئيس السوري بشار الأسد، وتوثيق ارتكابات نظامه. لكن منذ أن أخذت الولايات المتحدة على عاتقها التدخل العسكري المباشر في سوريا، أصبح المرصد السوري وشبكة المصادر المحلية التي تراقب وتوثق أعداد الضحايا، سلاحاً ذا حدين على إدارة الرئيس باراك أوباما. إذ بدأ “المرصد السوري لحقوق الانسان” نشر إحصاءاته لأعداد القتلى المدنيين على أيدي القوات الاميركية، مع تأكيد مؤسس المرصد، رامي عبد الرحمن، بأنه “لن يتوقف أبداً عن هذا العمل”.
الوقائع هذه جاءت في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” مؤخراً تحت عنوان “النشطاء المكروهين من قبل الأسد هم الآن مشكلة أوباما”، وسلطت الضوء من خلاله على “المرصد السوري لحقوق الإنسان” لناحية مواكبته الحدثية لكل ما يجري على الأراضي السورية، وكونه يعدّ المصدر الأبرز لتوثيق الانتهاكات بحق المدنيين السوريين، وتلك التي تطاول حرية الرأي والتعبير والإعلام. وفيما تمحور التقرير حول السياسة التحريرية التي يتبعها المرصد بشأن تغطية أحداث وتطورات الضربات التي يشنها التحالف الدولي على مقرات تنظيم “داعش”، ركّز في جزء منه على “مزاعم” المرصد السوري الأخيرة ضد واشنطن، والتي قال إنها “جاءت في 29 أيلول/سبتمبر الماضي، عندما قام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد جماعة الدولة الاسلامية، بثماني غارات جوية على قرى في شمال وشرق سوريا. فوفقاً لما جاء في المرصد السوري، فإن إحدى هذه الغارات ضربت صوامع الحبوب في بلدة منبج، وأدت الى مقتل اثنين من المدنيين. وصرح مدير المرصد حينها، لوكالة “أسوشيتد برس”، قائلاً: “لم يكن في داخل الصوامع أي من مقاتلي داعش”. وبسقوط هاتين الضحيتين، يكون عدد القتلى من المدنيين بسبب ضربات التحالف، قد ارتفع الى 19، وفقاً للمرصد السوري للحقوق الانسان. وهو الأمر الذي رأت “فورين بوليسي” بأنه “قد يشوه النظرة الاقليمية إلى الدور الاميركي في هذا الصراع”.
في المقابل، نقلت المجلة الأميركية تصريح القيادة المركزية الأميركية في هذا السياق، والتي قالت حينها إن “صوامع الحبوب كانت تستخدم من قبل المتشددين كمركز للخدمات اللوجستية ونقطة انطلاق لعربات وسيارات التنظيم”. لكن وزارة الخارجية الأميركية صرحت في ما بعد بأنها “تحقق في تقارير تتحدث عن موت مدنيين أثناء الضربة”. ووفقاً لـ”فورين بوليسي”، فإن “إدعاءات المرصد السوري عن موت مدنيين في بلدة منبج وفي مناطق أخرى في سوريا، لا يدحضها البنتاغون ولا يثبت أياً من هذه الادعاءات”.
بموازاة ذلك، يعرّف تقرير “فورين بوليسي” بـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان”، الذي تأسس العام 2006 في منزل قرميدي أحمر في مدينة كوفينتري في انكلترا. ويشير إلى أنه يضم عدداً قليلاً من الموظفين، تحت إشراف المؤسس رامي عبد الرحمن، وشبكة مراسلين مؤلفة من مئات الناشطين داخل الاراضي السورية. إضافة إلى أنّ عبد الرحمن يمضي ساعات طويلة يومياً في الحديث مع محامين متخصصين في الدفاع عن حقوق الانسان وهيئات متخصصة في إحصاء عدد الضحايا، علاوة على نشر آخر التطورات عن الخسائر البشرية التي تخلفها الحرب الاهلية في سوريا”.
وفي حديث لـ”فورين بوليسي”، يشرح عبد الرحمن إنّ “مهمة المرصد هي مراقبة وتوثيق ونشر انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام السوري. ثم توسعت هذه المهام لتشمل إحصاءات لعدد القتلى والاصابات التي تتسبب فيها مجموعات من الثوار أيضاً، مثل جبهة النصرة والدولة الاسلامية ومتشددين آخرين”.
“الاسم الحقيقي لعبد الرحمن هو أسامة سليمان، لكنه اتخذ هذا الاسم المستعار خلال السنوات التي قضاها في النشاط المعارض للنظام في سوريا”، كما تشير “فورين بوليسي”، وتسترجع ما ورد سابقاً في صحيفة “نيويورك تايمز” التي قالت إنّ “المعارضة المبكرة لدى عبد الرحمن اتجاه الحكومة السورية جاءت بسبب تعرضه للمعاملة الطائفية من قبل العلويين على حساب الغالبية السنية في سوريا. ففي العام 2000 فرّ عبد الرحمن الى بريطانيا بعد اعتقال اثنين من زملائه”.
ومع مواكبته السبّاقة للتطورات الميدانية، “اتُّهم المرصد السوري من قبل كافة أطراف الصراع في سوريا بالانحياز والمحاباة، بما في ذلك الجماعات المقاتلة، الذين يقولون بأنّ عملية التحقق الصارمة التي ينتهجها المرصد تقلل من شأن ووحشية نظام الاسد”. غير أن “اللاعب الرئيسي الوحيد الذي لم ينتقد المرصد السوري هي حكومة الولايات المتحدة، التي دائماً ما تستشهد بالمعلومات التي يتشرها المرصد”، بحسب “فورين بوليسي” التي تضيف في تقريرها بأنه “في آخر تقرير عن حقوق الانسان في سوريا، والصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، اعتمد المسؤولون عن مراقبة وإحصاء أعداد الضحايا، على المعلومات الصادرة عن المرصد، في ما يخص مسلسل الانتهاكات التي يمارسها النظام”.
وإذ تعتبر “فورين بوليسي” بأنّ “جزءاً من نجاح المرصد السوري هو سمعة عبد الرحمن، ودقته في نشر الأخبار”، تنقل عن مدير “مركز دراسات الشرق الأوسط” في جامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديس، قوله إنّ “المرصد السوري لحقوق الانسان يلعب دوراً رئيسياً في كل ما يتعلق بوسائط المعلومات التي تتحدث عن الثورة السورية والمعارك وإحصاءات عدد القتلى”. كذلك “يتفق الخبراء على أنّ المرصد السوري يعتبر مصدراً أساسياً لتتبع الخسائر البشرية التي يتسبب بها كل من النظام السوري والقوات المعارضة له. فهم يسعون جاهدين من أجل التحقق من كل حالات الوفاة، ليس قتلى الثوار فقط، بل قتلى النظام ايضاً”.
من جهته، يقول رامي عبد الرحمن لـ”فورين بوليسي” إنّ “منظمته لن تتوقف أبداً عن رصد وتوثيق الانتهاكات. إذ كان هدفنا ولا يزال، هو الوصول الى دولة الحرية والديموقراطية والعدالة والمساواة، ورصد وتوثيق ونشر انتهاكات حقوق الانسان في سوريا، من أجل محاسبة مرتكبيها والدفاع عن الشعب السوري ومنتهكي حقوقه. فإذا لاحظتم في يوم من الأيام أننا توقفنا عن نشر المعلومات والأخبار، فهذا لا يعني أننا سكتنا بل تم إخراسنا”.
المدن