المسرحية السورية أمل عمران.. نجمة بين زمنين/ أحمد باشا
دمشق – على عكس مرحلة الستينات والسبعينات، المرحلة التي عرف فيها المسرح السوري نجوما من أمثال “عبد اللطيف فتحي، أديب قدورة، خالد تاجا، مها الصالح.. إلخ”، وهم الممثلون الذين اكتسبوا شهرتهم من خلال عملهم في المسرح بالدرجة الأولى، كانت العقود الأخيرة من حال فن التمثيل في سوريا.
مع مطلع الألفية الجديدة، باتت الأسماء تندر يوما بعد آخر، فالذاكرة السورية مازالت تحتفظ ببعض الأسماء التي بدأت عملها في المسرح منذ العقود الأخيرة من القرن الماضي، ولا سيما تجربة رائد المسرح السوري فواز الساجر ومن عمل معه، الفترة التي تعدّ آخر المحطات التي قدمت ممثلين بارزين في عالم التمثيل المسرحي، لكن ذلك كان قبل أن يلتهمهم الإنتاج التلفزيوني ويضيعوا في متاهاته.
وفي فترة معاصرة لفترة نجومية معاصري الساجر ظهرت موهبة تمثيلية استطاعت أن تقدم موهبتها في وقت لاحق، أمل عمران (1968)، الفتاة التي طرقت باب التمثيل مصادفة، لم تخف منذ اللحظات الأولى طاقاتها الهائلة وعفويتها غير المحدودة، فمن حلم الطفولة -أن تجتاز بحر المانش سباحة-، إلى دراستها للقانون، ومن ثمّ بدء حكاية جديدة، حكاية تروي علاقة أمل بالمسرح، فعند كل شخصية تقدمها الممثلة السورية، يفضح صمتها الكثير من الحقائق، لعل أهمها هو الإيمان بأن المسرح هو مكان للأمل.
فرادة الأداء
عند دخولها المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1985، لم تكن عمران قد اطلعت على كلاسيكيات المسرح العالمي، لذلك واظبت خلال سنيّ دراستها على بذل جهود مضاعفة، لتجد مكانا لها في زمن شهد حراكا مسرحيا متميزا.
كما برزت أمل كموهبة استثنائية في مشروع تخرجها من المعهد العالي للفنون المسرحية (مسرحية الدب عام 1989)، ثم لتسافر خارج بلدها لمتابعة تحصيلها الأكاديمي في معهد للرقص التعبيري في الولايات المتحدة الأميركية.
لم تستكن أمل لشروط مهنة التمثيل المسرحي التي تبخس عمل الفنان وتجعل خياراته أقل نوعية، فعُرفت دائما برفضها للمنظومة السائدة التي تحط من قيمة الممثلين المسرحيين السوريين، فصوتها كان عاليا دائما لإعادة الاعتبار لهذه المهنة والتأكيد على أهمية ضمان حقوق المشتغلين في المسرح. الأمر ذاته كان في خياراتها الفنية، فكانت تختار أدوارها بعناية فائقة، فالاختلاف هو ما كان يجمع بينها، فمجمل الشخصيات التي تقمصتها كانت تشي بمضمون علاقة ندية بين أمل وبين الشخصية المكتوبة على الورق، لذلك كانت سيدة الخيارات الصعبة، حيث تتسم مجمل الأدوار التي لعبتها بالفرادة أولا وقبل كل شيء.
عرفها الجمهور المسرحي السوري كممثلة متميزة بعد تجربتها مع المخرج العراقي جواد الأسدي في مسرحية (تقاسيم على العنبر عام 1994)، ثم تتالت نجاحات عمران على الخشبة، ففي كل تجربة لاحقة أكدت على أنها جهد استثنائي لطاقة متجددة، وكأنها في كل مرة تدخل في تحدّ مع ذاتها ومع الشخصية المكتوبة. هكذا جاء عملها على نص جان جييه (الخادمات)، مع المخرج نادر قاسم، كذلك، في محطة هامة لعبت بطلة (تقاسيم على العنبر) شخصية “فيدر” (2004) مع المخرج الفرنسي فرانسوا بيزانتي.
مسرح وحياة
في السنوات الأخيرة، تركت عمران بصمة هامة في حركة المسرح السوري والعربي، عندما تميزت مع المخرج الكويتي سليمان البسام في أداء شخصية الملكة مارغريت في “ريتشارد الثالث” (عام 2008)، العمل الذي عرض على أهم خشبات المسرح في العالم. ولم تتوقف نجاحاتها بعدها، فقدمت “حدث ذلك غدا” (عام 2010) للمخرج السوري أسامة غنم، فسلبت أمل حينها أنظار المشاهدين وسحرتهم، في أداء صامت قارب الساعتين. بحركة جسدها وبنظراتها المتمردة داخل محمصة قديمة (مكان العرض)، أكدت عمران بأنها واحدة من عمالقة التمثيل المسرحي في عاصمة الأمويين.
ضمن جدلية المسرح- الحياة، كانت أمل عمران، ولا تزال، تتسم بالجرأة والحيوية في الحياة، كما على الخشبة، فكانت تقيم ورشات العمل والدورات التدريبية في مختلف المحافظات السورية، فالتصقت بالمسارح الفقيرة، ودافعت عن أحقية أحلام الهواة في المسرح، فكانت قريبة منهم دائما، تعطيهم الكثير من وقتها ومن جهدها. على عادتها، كانت ابنة السادسة والأربعين عاما بحجم اسمها، فعملت على دعم الثورة السورية بعيدا عن الشعارات والعناوين السياسية العريضة، هي طاقة خلاقة على الخشبة وخارجها في بيروت (مكان إقامتها)، فقدمت عمل “يوم للثورة السورية” (عام 2012). ومازالت مستمرة في عملها مع الأطفال بمخيمات اللاجئين السوريين في لبنان، علها تعيد لهم شيئا من الأمل السوري المهدور.
http://www.alarab.co.uk/?id=8254