صفحات سورية

المسيحيون السوريون في ميزان المصير و التطرف الإسلامي


بيتروس بيتروسيان

في ظل الصراع الجاري في سوريا، والتي قادت البلاد إلى تداعيات الحرب الأهلية، ارتفعت مرة ثانية الأصوات التي تشهر بالمسيحيين السوريين، وعن مخاوفهم من سقوط الرئيس السوري، بشار الأسد، وعن ولائهم للنظام، وعن مستقبلهم في سوريا الوطن، والذي ينتظرهم بعد سقوط النظام، وما إذا كانت سوريا تتحول إلى عراق ثانية، في ما يخص تهجير المسيحيين…أو مصر، حيث لا يُعرف مصيرهم بعد، لقد أشرت في مقالات سابقة عن الوضع السوري، وأن سوريا لا تشبه أي دولة أخرى، وعن انتماء الشعب السوري لوطنه، قبل انتماءه لدينه، الحالة السورية فريدة بنوعيتها، هناك عدة عوامل متداخلة، فمن الناحية الاجتماعية: إن المزيج الاجتماعي السوري عبر مئات السنين، فرض على الشعب السوري التعايش والاندماج، واستطيع ان اقول، لم يكن فرضاً، بل، من طبيعة هذا الشعب الطيب، الذي عاش على أرض كان مهداً للحضارات، هذا الشعب الذي ساهم في نقل هذه الحضارات إلى كل بقاع العالم، وكان حاضراً في كتابة أول ابجدية في تاريخ الانسانية، من طبيعته، التسامح، التعايش وقبول الآخر، ففي تاريخ سوريا القديم والحديث، لم يشهد التاريخ يوماً بأزمة داخلية سورية سورية… اثناء الحملات الفرنجية، الاحتلال العثماني، الاستعمار الفرنسي وبعد الاستقلال ليومنا هذا، لم تشهد سوريا حرباً اهلية، طائفية، مذهبية، دينية أو حتى عشائرية، أما من الناحية الاقتصادية: لعب المسيحيون السوريون، دوراً بارزاً في تطوير الصناعة والتجارة في سوريا، وكانوا جزءاً اساسياً في زيادة نمو اقتصاد الوطن، وساهموا في انتشار الصناعة السورية في جميع انحاء العالم، وغيرها من الروابط، كارتباطهم بعاداتهم وتقاليدهم، وهذا مهم جداً بالنسبة للسوريين، إذاً، هم جزء لا يتجزأ من هذا النسيج، وحق بقاءهم مشروع، على الأرض الذي ولد فيه اجدادهم.

وقف المسيحيون والمسلمون والطوائف السورية الأخرى في الخط الامامي، للدفاع عن الارض السورية وعن الشرف السوري وكرامته، وقدموا الشهداء، على جميع الجبهات، ولم يكونوا يوماً، (مسيحيين أو مسلمين)، أو غير ذلك، كانوا “سوريين”.

ماذا حصل اليوم؟

لماذا هذا التشهير كله، بأن المسيحيين موالون، وأنهم يخونون الوطن، وإلى ما هنالك من شعارات، يعجز لساني عن ذكرها، إن تخوف المسيحيين، ليس من “الإسلام”، ولم يكن يوماً هكذا، إنما هناك تخوف، من قبل جميع السوريين، من “أسلمة” الحراك، أو بشكل أوضح “أفغنته”، والتي حصلت فعلاً، نعم هناك مطالب مشروعة يطالب بها الشعب السوري، ولكن ما هي الطرق للمطالبة بهذه الحقوق، بحمل السلاح، بإدخال مجموعات متطرفة مسلحة، تقّتل بالناس، وتسفك دمائهم، (من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً )، آخر ما يمكن ان يفكر فيه المتطرفون، الحرية والديمقراطية، (وآخر همهم)، إن تقسمت سوريا أم لا، هذه الجماعات المتطرفة، الجماعات التي تحرض على القتل، على التكفير، هذه المجموعات المسلحة، الذين اصبحنا نرى اعلامهم الجهادية بكثرة في الفترة الأخيرة، والتي تسعى إلى تقسيم البلاد، وقلبها إلى امارات، ” إمارة حلب “، “إمارة دمشق “، واسماء امارات لم نسمع بها بتاتاً، ستشكل في ما بعد، هذه المجموعات تجتهد في اصدار الفتاوي، في التكفير، واباحة دماء طوائف ومذاهب مسلمة، ما عليك إذاً بالمسيحيين!

لقد كان المسيحيون وما يزالون، وطنيين و قوميين سوريين، انتمائهم للوطن قبل الدين، ولم يكونوا في يوم من الأيام منحازين مع جماعة على أخرى، لم يحملوا السلاح، لقتل السوريين، في الماضي، ولن يفعلوها اليوم، سلاحهم رفع وسيرفع فقط في وجه العدو، هم جزء من هذا الشعب، ومصلحة سوريا بالنسبة لهم، هي فوق أية مصلحة أخرى، سيبقون على العهد كما يعرفونهم إخوانهم السوريون من الطوائف والأديان الأخرى، فهم من أبرز دعائم الوحدة السورية.

إذا رجعت للتاريخ السوري، سترى أنهم من المقومات الاساسية في حصول سوريا، على الاستقلال، وبناء الدولة المدنية الحديثة، مقارنة مع دول المنطقة الأخرى، هناك من سيقول، عن اية دولة مدنية أو حديثة تتكلم… هنا أنا لا أتكلم عن الفساد، الحرمان والظلم فهذا موجود في كل دول العالم، على كل حال موضوعنا ليس هذا، موضوعنا اكبر بكثير، وأهم، لماذا تدمر سوريا، ويقتل شعبها؟ هذا اكبر من كل الاعتبارات، ألا تسئلون أنفسكم هذا السؤال؟…

وهناك من سيقول ايضاً، لماذا هذا الخوف؟ عزيزي القارئ، ما حصل في العراق بعد سقوط الديكتاتور صدام حسين، يطرح الكثير من التساؤلات عند المسيحيين السوريين، فأكثر من مليون مسيحي هُجّر من العراق، تهجيراً قسرياً، دون غيرهم، تهجيراً متعمداً، تصفية وترحيل على يد جماعات مسلحة متطرفة، على غرار ما يحصل اليوم في سوريا، السيناريو لم يتغير، بالنسبة لهذه الجماعات، المحور هو ذاته، بينما أرض المعركة قد تغيرت، وفي نظرهم، أنهم يطهرون الارض من الكفرة، وسيدخلون الجنة على اعمالهم، لن أطول عليكم، لأن النقاش في هذا الملف العراقي المسيحي يتطلب، مقالات وكتب، فالسبل كثيرة ومتاحة اليوم للبحث، إن كان يهمكم الامر… بينما لما حدث، ويحدث في مصر من تفجيرات، لدور العبادة والكنائس المسيحية، وقتل المسيحيين من قبل المتطرفين ايضاً، لن نذهب بعيداً، منذ فترة ليست بطويلة، قاموا بتهجير عائلات مسيحية من منازلهم، بوجود المجلس العسكري ورجال من الدولة، فلم يتحرك احد ساكناً، (يعني على عينك يا تاجر)، وحتى اليوم، بعد وصول الإخوان للحكم، لم يعرف حتى الآن، مصير المسيحيين في مصر، مع الوعود الكثيرة، التي وعدوا بها الإخوان، عن نائب لرئيس الجمهورية مسيحي، وإلى ما هنالك… اليوم وبعد تصفية المجلس العسكري، تصفية على طريقتهم، المدهش في هذه اللعبة السياسية، التي جرت بين الإخوان والمجلس العسكري، أنه عينهم في مناصب حساسة، بعد أقالتهم، هذا الدليل القاطع، أن الإخوان يتّبعون كل وسيلة تبرر غايتهم إلى الوصول للحكم، ويتعارض مع ادعائهم انهم معارضين لأسلوب النظام السابق في الحكم، فهذه الصفقة التي جرت فيما بينهم كانت الضمانة لبقاء الإخوان في الحكم، ومن طرف آخر، عدم امتثال أعضاء المجلس العسكري أمام القضاء المصري، لارتكابهم جرائم بحق الشعب المصري، ( كما يطالب بعض المصريين )، وفي نفس الوقت توجيه رسالة وضربة قوية، لفئة كبيرة من الشعب المصري، من العلمانيين، الليبراليين والأقباط، المعارضين للإخوان، لنرى إذاً ماذا ينتظر المسيحيون.

 إذاً، هذه هي المخاوف لدى المسيحيين السوريين، لم تأت من فراغ، فهناك أكثر من ظرف، يقلق هذه الفئة من الشعب، وطوائف اخرى في سوريا، بل يقلق كل الشعب السوري، يقول سوري ( بعد، ما استلموا هدول، وهيك، كيف إذا استلموا )، حالات عاشها ولمسها ويراها الشعب يومياً، ما يحدث اليوم في سوريا، قد قلب الموازين، والشعب السوري، خائف على مستقبله، لقد ذهب الحراك السلمي إلى طريق آخر، عسكرة الحراك، خلق مجموعات متطرفة انتهازية، أخذت سوريا إلى طريق ليس له نهاية، هناك من استعمل هذا الحراك، للاستفادة الشخصية، لتغذية غرائزه، لجمع المال والارتزاق السياسي، لتحقيق اجندات هذه المنظمات والمجموعات المتطرفة في سوريا، وغيرها من الأجندات الداخلية، الخارجية، عربية كانت، اقليمية أم دولية…

يعتبر المسيحيون من الاقليات الموجودة في سوريا، مع اقليات أخرى، والاقليات مهددة أكثر من غيرها، باعتبارها الحلقة الأضعف، خاصة في وجود المجموعات المتطرفة المسلحة، وضع المسيحيين في سوريا يختلف عن وضع المسيحيين في لبنان، فهم ليسوا منظمين حزبياً، وليسوا مسلحين ومدربين، ولا توجد لديهم أي تنظيمات سياسية ترشدهم، ولم يكن لديهم في يوم من الأيام تطلعات سياسية، ( وكان هذا خطأهم الكبير )، معظمهم يعمل في التجارة والصناعة، كل هذا، يشكل تهديداً اكبر لهم، في حال تعرضهم لأي هجوم من قبل المتطرفين، فلا يملكون حتى سلاحاً خفيفاً للدفاع عن أنفسهم، لم تكن سوريا مقسمة طائفياً، والسياسة لم تكن يوماً مبنية على الطائفية، مسلم، مسيحي، سني، علوي، شيعي، كردي أو درزي، مثل ما هو في لبنان، ولكنهم فعلوها، قسموها…ولم يكن ” الإسلام ” يوماً متطرفاً، كان اغلب المسلمين في سوريا معروفين باعتدالهم، انفتاحهم وتأقلمهم مع الطوائف الأخرى، لقد فعلوها، خلقوا مجموعات متطرفة، جهادية، مسلحة، منذ عقود يعملون على هذا المشروع، لفتح الممرات والثغرات، لإثارة النعرات الطائفية، لأي سبب يعطيهم الحق بالتدخل في الشرق الاوسط، تحت اسم الحرية والديمقراطية، ” تحت شعار حفظ أمن بلادهم، يدمرون بلادنا “، وأقصد هنا الغرب، الذي صنع التطرف الإسلامي، بأيدي عربية، تاجروا بعقول الناس، غسلوا ادمغتهم، باسم الدين فعلوا الويلات، والدين بريء منهم، ونجحوا أيضاً بزرع ( فوبيا الإسلام ) بعقل كل مواطن أوربي وأمريكي، كلنا يعرف هذا، فلماذا يسكت الإسلام المعتدل؟ سيكون هو من أكبر الخاسرين، من هذه المعمعة.

كما قلت سابقاً إن مخاوف المسيحيين ليس من ” الإسلام “، بل من الجماعات المتطرفة المسلحة، إن ما يحصل اليوم في مدينة حلب، التي يسكنها نسبة ليست بقليلة من المسيحيين، شهدت، عمليات قتل، تخريب، سرقة وخطف داخل المناطق المسيحية، من قبل المجموعات المتطرفة المسلحة، أثناء القتال الجاري ما بين الجيش النظامي، و ( الجيش الحر )، مما أدى إلى نزوح الكثير منهم إلى لبنان، الأردن ودول أخرى، يسأل سوري آخر، ( لماذا هذه المناطق بالذات، هل حمل المسيحيون، السلاح في وجه ( الجيش الحر)، هل كانوا من ” الشبيحة “، هل شاركوا في قتل الشعب السوري )؟ أنا كسوري، أقولها بصوت عالٍ، لم يقتل المسيحي السوري، سورياً واحداً، وهذا يعرفه، كل افراد الشعب السوري، بكل مكوناته، فهو شعب مسالم وسيبقى هكذا، انا لا ادافع عن هذه الطائفة، فهم ليسوا بحاجة لاحد، يدافع عنهم، ولست من المتشددين،المتعصبين، المتمسكين بالدين، اصدقائي من المسلمين أكثر بعشرة أضعاف من اصدقائي، من المسيحيين، فالدين معاملة واخلاق، وافعال الانسان هي التي ترفع بقدره وشأنه، بين الناس والمجتمع، وليس الدين.

 سؤال يطرح نفسه، أين المعارضة من كل هذا، المعارضة التي تتكلم عن حقوق الانسان وحقوق الأقليات، وعن الجرائم التي ترتكب في سوريا، من طرف النظام، لم تتطرق بتاتاً لما يحصل في حلب، بحق المسيحيين، من قتل، تهجير، خطف وطلب الفدية، حتى هذه المحطات الفضائية، لم تضع خبراً عاجلاً، أم خبراً يمر، مرور الكرام، على شاشتها القيمة، موضحة ما يحصل في الاحياء المسيحية، في مدينة حلب، أو ما حصل في باقي المناطق الذي يقطنها المسيحيون، تعتيم إعلامي مقصود، ولا أعرف لماذا، هل هم مشتركين ايضاً في مشروع عمليات، القتل والتهجير القسري؟ هناك أخبار تأتينا من حلب، بشكل يومي من الاقارب والاصدقاء، عن الفظائع التي تحصل في حلب، أين الشخصيات المسيحية التي تمثل جزءاً من هذه المعارضة، أم هم فقط صور شكلية، لدينا مثل بالعامية السورية يقول ( تكويشة ).

آلات مبرمجة للكلام على شاشات التلفاز، من تكلم أكثر يأخذ أكثر، يملؤون جيابهم فقط، كنت أحترم بعض هذه الشخصيات، وكنت مثلي مثل باقي السوريين، نظن أنهم شرفاء ووطنيون، ولكن مع الأسف، سكوتهم على ما يحصل اليوم في حلب، وحصل في مناطق أخرى، هو اشتراكهم في هذه المجازر وعمليات القتل والتهجير المتعمد، فهم لا يقدمون ولا يؤخرون، إن استمر الوضع على هذا المنوال، فمصير المسيحيين في سوريا، كمصير المسيحيين في العراق، إن لم يكن أسوأ، إن المنطقة تنجر إلى حرب أهلية لا نهاية لها، إلى تصفية شعب كامل، وأقصد هنا الشعب السوري، فمن المستفيد من كل هذا؟

اين المثقفين السوريين، أين هي النخبة السورية؟ والله أني مستغرب على هذا الصمت، إلى متى سنترك هؤلاء يسفكون في الدم السوري، اين هم نخبة العرب، ونخبة المصريين منهم بشكل خاص، الجامعة العربية، أصبحت مهزلة، لا استغرب لهذا، منذ تأسيسها كانت كذلك، ( لا بتحل ولا بتربط )، اجتماعات ومؤتمرات استعراضية، أخيراً قررت تغيير سياستها، بالتآمر على الدول العربية، على الاقل تكون قد فعلت شيئا للتاريخ، يا حسافة عليك يا ” سوريا “…. مصير شعب كامل يضيع… بقيت على المسيحيين!؟

 كفاكم تخويناً، وكفاكم قتلاً، المنطقة بكاملها مهددة بالتقسيم. إذاً، مصير المسيحيين في سوريا، أو من الأفضل القول، مصيرهم في الشرق الاوسط، ” هذا أوضح “، بات في ” المجهول “….

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى