صفحات العالم

المشهد من الأشرفية

حـازم الأميـن

الصحافي الفرنسي الذي زار عائلة في جنوب لبنان فقدت شاباً منها وهو يُقاتل في بلدة القصير السورية سمع طفلة الشاب القتيل تقول إن والدها استشهد وهو يدافع عن “الست زينب”، وإن السلفيين كانوا في طريقهم اليها لسبيها من جديد. الطفلة التي راحت تُضاعف جهدها الدراسي عندما أخبرتها أمها ان والدها يراقب من هناك في الجنة إداءها الدراسي، قالت ان الله انتقم لوالدها من أحمد الأسير في صيدا.

الصحافي نفسه زار بعد ذلك عائلة صيداوية قُتل ابنها الذي كان يُقاتل مع الشيخ أحمد الأسير. الطفل، نجل القتيل، قال إن من قتل والده هو “حزب الشيطان”، وقالت والدة الطفل أثناء سماعها خبر التفجير الذي استهدف موكباً لـ”حزب الله” في البقاع: “الله وحده سينتقم لي”.

نعيش في لبنان بين حدي “شهادتين”، وفي رعاية إلهين. وثمة أيضاً من هم في غير رعاية آلهة القتل، لكنهم يعيشون تحت رحمة جنود الله.

المسافة قصيرة جداً بين إلهَي الحرب في لبنان. لم تعد القصير بعيدة من بيروت. جولة صغيرة في صيدا تنبئك عن حجم الاحتقان، وأخرى في بعلبك ستؤشر لك بأن السكان هناك مقتنعون بأن من ذهب للقتال في القصير، انما فعل ذلك ليحميهم من القدوم الحتمي للسلفيين السنّة.

ثمة قتيلان وشهيدان، ولكل منهما إله، فيما الطفلان سيكبران على وقع الحرب بين صيدا وحارتها.

صار من الواجب قول الأشياء كما هي. لقد استنفدنا السؤال. لماذا ذهب “حزب الله” الى القصير؟ ومن هي الدولة التي موّلت أحمد الأسير. هل أرسلت ايران الحزب الى هناك؟ لا نملك أدلة على ذلك! الاجتماع الذي عُقد بين السيد حسن والسيد الخامنئي كان سرياً. والطلب الى “حزب الله” لا يحتاج اجتماعاً. من مول الأسير؟ فقد عثر على سبائك ذهب في مقره، وعلى سلاح كثير! هل قطر هي من فعل ذلك؟

ثم ان مقارنة الأسير بـ”حزب الله” تنطوي على تجنيين، الأول سيشعر به “حزب الله”، ذاك انه حزب عملاق أسقطه مقارنته بالأسير بفخ ضئيل، والثاني سيشعر به الأسير، ذاك ان الحزب قرر التوجه الى القصير للقتال في غير أرضه، فيما الأسير قاتل في صيدا، أي في مدينته وبين أهله! لكن البعد الرمزي للمقارنة لن يسقط، ذاك ان المقارنة تستعين بالأسير لتصوير مستوى الضغينة المتفشي، فيما تستحضر “حزب الله” لتشير الى ان مغامرة الخروج من لبنان لن تؤدي الى ضم مزيد من المناطق الى نفوذ الحزب، بل الى إلغاء الحدود، وها نحن في غمرة النتائج.

الصحافي الفرنسي عاد في المساء الى فندقه في بيروت. تناول عشاءه مع صديق لبناني قديم من الأشرفية. سأله عن المسيحيين وعن موقعهم من هذا الانقسام، فأجابه ان نصف أحزابهم مع الشيعة ونصفها الثاني مع السنّة، فيما الناس قلقون من قرقعة سيوف آلهة الآخرين بقربهم.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى