صفحات العالم

سوريا… هل من دور للقوات الدولية؟


محمد السماك

هل يتحول دور الأمم المتحدة في سوريا من مراقب إلى متدخل؟ وهل تستبدل قوات حفظ السلام بقوات المراقبين الحاليين؟

مع استمرار الأزمة في سوريا وتصاعد حدة العمليات العسكرية، تتصاعد المطالب الدولية بمزيد من التحرك لوقف سفك الدماء، كما حدث قبل ذلك في العديد من الدول الأفريقية.

لقد انتظرت الأمم المتحدة طويلاً قبل أن تتدخل في الكونغو مثلاً، حيث قضت الحرب الأهلية فيها في عام 1997 على أرواح خمسة ملايين إنسان. ولذلك توجد في الكونغو اليوم قوة دولية هي الأكبر عدداً. وتؤكد تقارير المنظمة الدولية أنه لولا هذا التدخل لكان عدد الضحايا أكثر من ذلك بكثير.

غير أن تدخل القوات الدولية قد لا ينجح في وقف الحرب الأهلية في دولة ما من دون تمزيقها إلى دولتين على الأقل، كما حدث في السودان. فالحرب الأهلية بين الشمال والجنوب قضت بدورها على أكثر من مليوني إنسان. وانتهت (هل انتهت فعلاً؟) بتقسيم الدولة إلى دولتين.

ولا يعني ذلك بالضرورة أن القوات الدولية ما تدخلت في دولة إلا زادت الوضع فيها سوءاً. لقد حققت هذه القوات نجاحاً ملحوظاً في العديد من الدول الأفريقية الأخرى، مثل ليبيريا، حيث تمكنت هذه القوات ليس فقط من وقف الحرب وإشاعة السلام والاستقرار، ولكنها تمكنت أيضاً من اعتقال زعيم الحرب واللااستقرار فيها وتسليمه إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي حيث حكم عليه بالسجن. ولكن ما كان لهذه القوات أن تنجح في ذلك من دون أن تلجأ إلى استخدام القوة العسكرية.

وقد استخدمتها بنجاح أيضاً في عام 2000، في سيراليون التي انخفضت فيها نسبة الجريمة بشكل ملحوظ. وأصبحت هذه الدولة واحدة من أكثر الدول الأفريقية أمناً بعد أن كانت من أكثرها إرهاباً.. إن مفهوم الأمن بالنسبة إلى القوات الدولية لم يعد ينحصر في الجانب السياسي- العسكري، ولكنه أصبح يتناول جوانب عديدة أخرى، منها مطاردة عصابات التهريب حتى أعماق الأدغال، كما حدث في ساحل العاج مثلاً. ومنها حماية الرؤساء الشرعيين ومطاردة الانقلابيين العسكريين على الحكومات الشرعية، كما حدث في ساحل العاج وربما كذلك في مالي مؤخراً. لقد انتهى الوقت الذي كان رئيس الجمهورية يُقتل فيه على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي كما حدث في عام 1961 للرئيس الكونغولي الأسبق بياتريس لومومبا. ففي الوقت الحالي تقوم قوات دولية من الهند بحراسة مقر الرئيس الكونغولي، ومعظم هذه القوات من النساء أيضاً. وتعمل اليوم القوات الدولية في ثماني دول أفريقية..

أما في الشرق الأوسط فإن المهمات التي تقوم بها هذه القوات تنحصر في مناطق الحدود بين الدول العربية مع إسرائيل، بما فيها حدود الدولة السورية طبعاً.

وبالمجموع العام تبلغ نفقات القوات الدولية حوالي ستة مليارات دولار سنوياً تتحمل الولايات المتحدة 27 في المئة منها. ويعود هذا الرقم إلى أن الأمم المتحدة تسدد مبلغ ألف دولار في الشهر إلى كل جندي يعتمر القبعة الزرقاء. ولذلك يلاحظ أن الأكثرية الساحقة من القوات الدولية هي من دول العالم الثالث وخاصة من باكستان وبنجلاديش والهند حيث يشكل هذا المبلغ بالنسبة لمعدلات الدخل القومي في هذه الدول، دخلاً مغرياً.

ومع تحسن الأوضاع الاقتصادية في بعض هذه الدول مثل الهند، فان الدولة بدأت تتحمل نفقات جنودها. ولكن ذلك لا يكفي لرفع أعباء النفقات عن كاهل المنظمة الدولية. ولذلك فإن الولايات المتحدة طرحت معادلة جديدة تقول إن على الدول التي تطرح نفسها لعضوية مجلس الأمن الدولي مثل اليابان والبرازيل والهند وسواها، أن تتحمل المزيد من المسؤوليات الدولية المالية. ثم إن الدول الأوروبية تعاني من صعوبات مالية واقتصادية. وتنعكس هذه الأوضاع على إمكانات تمويل عمليات الأمم المتحدة التي تواجه ضغط الحاجات الأمنية والسياسية، وخطر توسّعها على النحو الذي يمثله الوضع في سوريا. وإذا كانت الولايات المتحدة تشكو من ارتفاع نسبة مساهمتها في تمويل القوات الدولية، فإنها نادراً ما تثير موضوع تمويلها للحروب التي تشنها في الخارج. فالحرب الأميركية على العراق وأفغانستان كلفت دافع الضرائب الأميركي ألف مليار دولار، من دون أن تحقق الولايات المتحدة أي مكسب سياسي، بل لعل المكسب الوحيد الذي حققته هو الانسحاب من هاتين الدولتين بأسلوب يحفظ ماء الوجه على عكس الأسلوب الذي اضطرت إليه في فيتنام!

وقد تعتمد الأمم المتحدة إذا ما قرر مجلس الأمن الدولي توسيع وتغيير هوية العناصر الدولية من مراقبين إلى قوات لحفظ السلام، على تمويل استثنائي من الدول العربية وخاصة من دول مجلس التعاون؛ بما يتجاوز نسبة مساهماتها الحالية في تمويل القوات الدولية.

وهناك سابقة تعاون ناجحة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. فدول الاتحاد تساهم بشكل أساسي في توفير عناصر قوات القبعات الزرقاء من أوغندا وبوروندي مثلاً، وعلى توفير تمويل لها من دول أخرى مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا والسنغال.

وتأمل الأمم المتحدة في اعتماد مثل هذه السابقة مع دول المجموعة العربية إذا ما اضطرت إلى إرسال قوات إلى سوريا. ففي الأساس فإن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا كوفي عنان هو مبعوث جامعة الدولة العربية في الوقت ذاته. ولذلك لن يكون مستغرباً أن تساهم دول المجلس بتمويل مهمة القوات الدولية إلى سوريا التي قد تشكل من عناصر من دول آسيوية وإفريقية وأميركية لاتينية. ومن كل المهمات التي تقوم بها قوات الأمم المتحدة في مناطق مختلفة من العالم، فإن الأردن هي الدولة العربية الأكثر مشاركة، يليها المغرب.

طبعاً ليست كل مهمات القوات الدولية سلمية وبناءة. فبعض العناصر من هذه القوات من دول إفريقية قام بعمليات اغتصاب واسعة النطاق. وشارك بعضها أيضاً في عمليات السلب وخاصة في الكونغو ورواندا؛ وقد أساء هذا السلوك الشائن إلى القوات الدولية وإلى سمعتها وحتى إلى دورها، إلا أن ذلك كان سلوكاً استثنائياً ومحدوداً.

ولعل من المهمات الأمنية المزدوجة، تلك التي تقوم بها القوات الهندية والباكستانية. إذ أن هذه القوات تتولى الدور الأمني العسكري والبوليسي معاً تحت القبعة الزرقاء. ونظراً لخبراتها القتالية (خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب بينهما) فإنها تبلي بلاء حسناً في مواجهة الخارجين عن الشرعية في العديد من الدول الأفريقية.

وهكذا، بدلاً من التقاتل فيما بينها، فإن هذه القوات تقوم معاً بمهمة من أجل السلام الدولي في مناطق من إفريقيا التي تشكل الحروب الأهلية فيها خطراً على هذا السلام العالمي! فالحاجة إلى قوات متمرسة وحسنة التدريب تزداد يوماً بعد يوم. ومثل هذه القوات (وكانت من بريطانيا) لعبت دوراً أساسياً في صد هجوم على مدينة فريتاون عاصمة سيراليون في عام 2000.

وهناك صيغ أخرى للتدخل. منها صيغة التحالف الدولي الذي حرر الكويت من الاجتياح العراقي في عهد صدام حسين، ومنها كذلك عملية تحرير ليبيا من معمر القذافي ونظامه. ولكن بعض هذه الصيغ جرى خارج إطار الأمم المتحدة قراراً وإدارة ومسؤولية. وهي صيغة تطرحها بعض الدول الغربية للعمل بموجبها في سوريا أيضاً، إلا أنها لا تلقى تجاوباً. كما أن صيغة الأمم المتحدة بإرسال قوات دولية تواجه صعوبات وتعقيدات سياسية دولية كثيرة أيضاً لأن تنفيذها لا يمكن أن يتحقق وفق نظام مجلس الأمن الدولي، لأنه يرجح أن يتصدى له الاتحاد الروسي والصين بالنقض -الفيتو.

ويبين ذلك كله سبب ارتفاع صوت الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” الذي يعبر ليس فقط عن الألم مما يحدث في سوريا، وإنما عن العجز الواضح عملياً عن القيام بأي عمل فعال لوضع حد لما يحدث.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى