المعارضة السورية عند مفترق طرق/ رضوان زيادة
تعرضت الهيئة العليا للمفاوضات المشكلة في عام 2015 لانتقادات كثيرة من الناشطين السوريين، بسبب عدم فاعليتها وعدم قدرتها على التأثير في الأحداث السورية بخاصة على صعيد وقف تدهور المعارضة منذ هزيمة حلب الشرقية في العام 2016، وبسبب غياب الآلية الضرورية للمحاسبة من ضمن الهيئة. غالباً ما كان مصير هذه الأصوات التجاهل أو الصمت على أحسن الأحوال، وتتالت خسائر المعارضة السورية في داريا وحمص والغوطة الشرقية والتي أعقبتها انسحابات متتالية للمعارضة المسلحة من المناطق التي سيطرت عليها على مدى سنوات إلى الشمال السوري، طبعاً التقدم العسكري للنظام لم يكن ليتحقق لولا وجود القدرة النارية الهائلة للسلاح الجوي الروسي بالإضافة إلى التخلي تماماً عن قانون الحرب من القوات الروسية والنظامية السورية لجهة استخدام الأسلحة المحرمة دولياً من مثل القنابل العنقودية واستهداف المدنيين بكثافة والبراميل المتفجرة بشكل عشوائي، ما جعل المعارضة تفضل خيار الانسحاب لحفاظ أرواح المدنيين بدل التمسك بالأرض.
بموازاة ذلك، كانت مفاوضات جنيف وآستانة تعقد من دون نتائج تذكر. فريق الهيئة العليا للمفاوضات هو الذي كان يشرف على المفاوضات في جنيف، وقد تعرض هذا الوفد لانتقادات من جانب روسيا بسبب رفضه المشاركة في محادثات آستانة وتمسكه برحيل الأسد والتفاوض حول المرحلة الانتقالية كأساس لقرار مجلس الأمن 2254، لكن روسيا وجهت انتقادات علنية لرئيس الهيئة واعتبرت أنه من «المتشددين» وأنه يضع شروطاً مسبقة للتفاوض.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن الهيئة مُشكّلة من مكونات سياسية كالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي يعمل من إسطنبول وهيئة التنسيق التي مقرها القاهرة؛ وعليه، فتوسيع الهيئة العليا للمفاوضات يجب أن يتم بالاستشارة مع هذه المكونات.
لم يكن النظام السوري في يوم من الأيام جاداً في الدخول في عملية المفاوضات أو الوصول إلى مخرجات تبنى على المفاوضات السياسية في جنيف. بالنسبة إليه، لم تكن تعني المفاوضات سوى فرصة لتلميع وإعادة تأهيل النظام دولياً وفي الوقت ذاته كسب الوقت بهدف تغيير الوقائع على الأرض وهو ما حدث تماماً.
ففي كل جولة من المفاوضات يتحجج النظام بحجج واهية من أجل تجنب أو رفض الدخول في مفاوضات جادة بشأن تنفيذ القرار 2254، ففي الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف تحجج النظام ببيان مؤتمر الرياض2 الذي طالب «مواربة» برحيل بشار الأسد برفض القبول بمفاوضات مباشرة مع وفد المعارضة السورية الذي انبثق عن مؤتمر الرياض2.
الجولة السابعة استمرت على مدى جولتين، تأخر وفد النظام السوري حتى وصل إلى جنيف وقطع الجولة الأولى عائداً إلى دمشق بحجة إجراء مشاورات وكلها تظهر مناورات صغيرة، بهدف إفراغ المفاوضات من معناها وإنهاء الثقة نهائياً بقدرة المفاوضات في جنيف في الوصول إلى حل للأزمة في سورية؛ فما زال النظام السوري يحتفظ بتصور بقدرته على إنهاء الحرب والعودة إلى حكم سورية كما كانت قبل بداية الثورة السورية، من دون حد أدنى بالاكتراث بمصير مئات الألوف من المعتقلين السياسيين أو الملايين من المهجرين واللاجئين الذين فروا من أتون الحرب السورية ويعيشون أوضاعاً صعبة للغاية لاسيما في لبنان والأردن وغيرها من بلدان اللجوء.
أعتقد اليوم، مع سيطرة النظام السوري بشكل كامل على الغوطة الشرقية أن فكرة المفاوضات انتهت عملياً، فالنظام الذي لم يكن مستعداً للمفاوضات خلال لحظات ضعفه، لن يقبل بالمفاوضات الآن وهو يشعر بالنصر الفارغ بعد الغوطة، لا سيما أن روسيا ستمثل حماية دائمة له في مجلس الأمن وفي كل المحافل الدولية، تحميه من أية محاسبة دولية ممكنة، وهو ما يضع المعارضة السورية أمام مفترق صعب يقوم أولاً على تحدي بناء قدراتها الذاتية وتدعيم وحدة صفوفها وبناء خطها السياسي وتدعيم علاقاتها مع حلفائها الإقليميين والدوليين، تبدو هذه الأجندة مكثفة للغاية لكنها في الوقت نفسه تبدو الأجندة الوحيدة التي ربما تمكن السوريين من امتلاك مستقبلهم، فبناء وحدة المعارضة سياسياً بعد الهزائم العسكرية يعد من أهم الأولويات التي تمنع الأسد من تحقيق «النصر الوهمي»؛ فهو لن يتمكن من إعادة سيادة أراضيها ولن يتمكن من إعادة إعمارها، وأمام هذه الشروط يجب أن تكون المعارضة قادرة على تقديم بدائل للشعب السوري، وتقديم بدائل سياسية تخدم مصالحها وتعيد توحيد صفوفها.
الأبشع من الهزيمة هو قبولها والقبول النفسي بنتائجها، ولذلك أمام الذين هزموا نفسياً من المعارضة السورية أن ينسحبوا فطريق النضال طويل، وربما تكون الهزيمة العسكرية أقساها لكنها لم ولن تكون نهاية الطريق، فالثورة السورية ولدت في أظرف الصعوب وستبقى الطريق الوحيد لتغيير نظام حكم يعتقد أنه يمكنه من استمرار حكم السوريين بالقسوة والعنف والقتل والتدمير، يستحق السوريون نظاماً أفضل، وهو لن يتحقق من دون أن تقدم المعارضة خيارات أفضل وعلى رأس هذه الخيارات أن تقنع السوريين والعالم بأنها تستطيع توحيد صفوفها من دون أجندات خارجية، وأنها تستطيع العمل معاً لإخراج السوريين من أصعب اللحظات في تاريخهم الحديث، فلا أقسى من أن يفقد الإنسان الأمل بالحياة ، ويصبح له الموت أكثر راحة وأماناً من العيش على سطح الأرض، ليست هذه سورية التي نحلم بها، وليست هذه سورية التي ننتسب إليها.
* كاتب سوري
الحياة