المعارضة السورية والمجالس الانتقالية والثورة
غسان المفلح
أقل من ستة أشهر عمر الثورة السورية، ولايزال الجدل قائما حول دور المعارضة السورية، رغم أنه لا يمضي اسبوعان إلا وهنالك مؤتمر ما للمعارضة، أو الاعلان عن تأسيس هيئة ما، سواء في الداخل أو في الخارج، لقد كتبت تقريبا عن كل هذه المؤتمرات والنشاطات سواء تلك التي شاركت بها أو التي لم أشارك بها، وسواء كنت مدعوا أم لا، في الواقع هنالك إشكالية يعيشها الكاتب المعارض، وهي أنه في موقع منحاز سلفا، للمعارضة وقضيتها، فمن الصعب عليه أن يكون حياديا في الكتابة عن المعارضة، لأنه يشعر وكأنه ينشر غسيل بيته غير النظيف. وهنا أعيد التأكيد على جملة مقولات حاولت منذ بدء الثورة أن أؤكد عليها، والتي تتعلق بوضعية المعارضة وأثر ذلك على تثقيل موازين قوى النظام الحاكم، حيث أنه كلما كان وضع المعارضة سيئا كلما انعكس سلبا على قضيتها، كنت اتعامل مع الموضوع بشكل عفوي تقريبا قبل الثورة، أقصد بشكل لم يكن هذا الأمر يشغل بالي كثيرا، لأن ميزان القوى أصلا كاسح لصالح الطغمة الحاكمة في دمشق، لكن بعد الثورة اختلف الأمر اختلافا جوهريا فرضته دماء شهداء الثورة وشعبنا الذي يدفع الآن الغالي والرخيص من أجل حريته، فأصبحت أية قضية تثقل وزن الطغمة الحاكمة وبفعل ذاتي، هي في أي وجه تناولناها هي خيانة لهذه الدماء الطاهرة.
طفت على سطح قضية المعارضة مجموعة من المعطيات الجديدة، منها ماهو نصرا لقضيتها في الحرية ومنها ما هو تشويها لهذه القضية ويساهم في تثقيل وزن النظام الحاكم.
أقول بصريح العبارة وهذه قضية ليست شتيمة وليست ميزة ايجابية أقولها بحيادية، لديك مال، أو لديك علاقات قوة مع دولة ما، أو لديك قوة حزبية أو لديك قدرة على ما يسمى العلاقات العامة تستطيع أن تعقد مؤتمرا وتفرض شروطك عليه! أو لنقل أجندتك، هذا الأمر لا يتعلق فقط بالمعارضة السورية بل هو أمر عام تقريبا في كل هذا العالم، الخاص سوريا هنا، أنه حتى اللحظة لا توجد قوة دولية واحدة حريصة على وحدة المعارضة أقصد حريصة على أن تنتج المعارضة السورية، هيئة تمثيلية واحدة، وهذا أسبابه معروفة جدا، ولكن المركزي فيها أن الجو الدولي لايزال حتى اللحظة، ميال للرغبة الاسرائيلية- التركية- الإيرانية والتي تتمحور حول عنوان بسيط” بقاء آل الأسد في السلطة لكن مع اصلاحات ذات معنى تختلف من طرف لآخر” وهذا ما يضعف قضية المعارضة. طبعا لكل هذه الأطراف اسبابها وامتدادها الدولي. شعبنا يدرك هذه المعادلة بحسه العملي وبوجود نخبة من المناضلين على الأرض، أيضا هؤلاء يساعدون في توضيح مثل هذه القضايا، وشعبنا يدرك أيضا أن الموقف الدولي سيتغير مع استمرار الانتفاضة لسبب بسيط أيضا هو أن هذا النظام لايريد الاصلاح الجدي، ما معنى الاصلاح وبقاء آل الأسد برغم كل ما فعلوا وقتلوا ونهبوا في جمهورية وراثية؟ الشعب السوري لن يقبل هذه المعادلة مطلقا، خاصة بعد ما مرت به البلاد خلال هذه الفترة من عمر الثورة”بلغ عدد الشهداء حوالي 3642 شهيد، إضافة إلى عشرات الألوف من المعتقلين ومحاصرة المدن ونهبها”.
والخاص سوريا أيضا، أن المعارضة التقليدية التي لم تساهم في الثورة، ومعارضة الخارج كذلك، كلها بأمراضها المزمنة، تصدرت واجهة الثورة، ودخل عليها مجموعات وأفراد جدد منهم من هو يريد أن يتصدر ومنهم من يريد دعم الثورة حقا ومنهم من يحاول الجمع بين الأمرين.
الملفت للانتباه في هذه الثورة، أن اكثر المتصدرين لهذه الأمور، لم يقدموا أية تضحية سابقة أو حالية من أجل قضية الحرية في سورية، والسبب في ذلك يعود لما ذكرناه أعلاه، مع ذلك الثورة وقضيتها تستوعب الجميع لكن هل الجميع يريدون أن يستوعبوا الثورة ومعانيها؟
هنالك من كان قبل الثورة مثلا ينادي بفك العظلة عن النظام، وهنالك من كان يدعو للمصالحة معه، وهنالك من كان موجودا في مجالس تدعم النظام، فجأة اصبحوا يحاولون التحكم بالمستوى التمثيلي للثورة السورية، في ظل تشرذم المعارضة التقليدية في الداخل، وتشظي كل القوى التي دفعت من حياتها معتقلات وسجون، وهذا ما جعل الأصدقاء في الإخوان المسلمين يتصدرون المشهد المقرر أو يحاولون تصدره لأنهم كما قلت سابقا هم المؤسسة الوحيدة في الخارج التي تتحرك كمؤسسة، وهم يعملون للأسف أحيانا بطريقة تدعو للتساؤل” كانوا من أشد المعارضين للنظام ويجب أن تكون معهم، علقوا معارضتهم للنظام وحاولوا المصالحة، وأيضا يجب أن تكون معهم، وعادوا والتحقوا بالثورة بعد أكثر من شهر من بدايتها ويجب أن تكون معهم!! وهذا ما جعل شراذمنا كبقايا معارضة تقليدية وغير اسلامية، أو من دخل جديدا على خط المعارضة أن يحاول دوما أن يقف مع تحالفاتهم، وأغلب من رفضها إنما رفضها لأسباب تتعلق عموما بشخصانية بعض الأسماء في المعارضة سواء في الداخل أو في الخارج. وهذا ما خلق وضعا مربكا للمعارضة السورية، زاده أن الإسلاميين استقوا بالموقف التركي الذي لايزال منحازا لاستمرار آل الأسد بغض النظر عن لغة خطابهم أحيانا، ثمة امر آخر، إن هتك النسيج الوطني السوري على يد النظام على مدار أربعة عقود قد انعكس على تهتك نسيج المعارضة. وجعل إمكانية توحدها أمرا شبه مستحيل، وكما قلنا ساعد ويساعد على استمرار هذا الأمر هو الفضاء الدولي.
أعلن آل سنقر منذ أيام مجلسا انتقاليا، النكتة ليست أن ذلك ليس من حقهم أن يعلنوا كما هو حق أي إنسان، ولا يتعلق الأمر بأننا نشكك بنوايا أحد الوطنية، بل النكتة أن هنالك من خرج علينا من معارضة الخارج، ليشكر شباب الثورة على ثقتهم به…!! وليعذرني الجميع أزعم أن شباب الثورة ليس لهم علاقة بهذا المجلس لا من قريب ولا من بعيد، ولم يسمعوا به إلا عبر وسائل الإعلام!! ولهذه الخفة في التعامل مع تشكيل هيئة يفترض أن لها بعدا تمثيليا للثورة أعلنت استقالتي من الهيئة الاستشارية لمؤتمر انطاليا.
بعد هذه اللوحة الناقصة، ما هو البديل لكل هذا الذي يثقل كفة ميزان القوى لصالح النظام الحاكم؟
أعتقد أن البديل، يكون بأن تعترف المجالس التي تشكلت ببعضها بعضا وتدير الخلافات بينها بطريقة حضارية ومنافسة شريفة لخدمة الثورة وأهدافها، ومحاولة ان يكون المطلب واحد للجميع، وهو حرية سورية والانتقال بسورية إلى دولة قانون ومؤسسات وحقوق إنسان لا تمييز فيها لا على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو السياسة. أن تطلب من المعارضة أن تكف عن مهاجمة بعضها كمؤسسات، أنا هنا لا اتحدث عن نميمة أفراد المعارضة على بعضهم أو عن خلافات شخصية بين هذا الشخص المعارض أو ذاك، بل اتحدث عن إدارة الفعل المعارض من قبل عدة مؤسسات ولكن بطريقة حضارية تؤكد على أن ما يجمعنا هو وحدة المطلب الديمقراطي، فهل هذا كثير؟
وهنالك نقطة اخيرة، إن المجالس الانتقالية المراد تشكيلها، وكما قلت في مقال سابق، إذا لم يكون لديها تصورا واضحا عن مستقبل سورية، وخطة عملية لاسقاط النظام، ولم يكن لديها قدرة على المطالبة بتدخل دولي مثلا من أجل حماية المدنيين، فلماذا تتشكل إذا؟ رغم كل هذه اللوحة أنا لست خائفا على الثورة ولست يائسا من المعارضة، وهذا سيكون موضوع مقال آخر.
– كاتب سوري
ايلاف