المعارضة السورية وحكاية دق الطبال
محمد أحمد الزعبي
1.
شكا أحد معارفي ، ذات يوم ، لرفاقه في قرية ( …) بمحافظة درعا ، من أن أفكاراً عبقرية تراوده وهو نائم في الفراش ، بيد أن هذه الأفكار تغيب خلال إشعاله النور وبحثه عن الورقة والقلم لتسجيلها .
نصحه رفاقه بأن يقوم بتحضير الورقة والقلم ، وأن يضعهما مباشرة إلى جانبه ، وألاّ يطفئ السراج بصوركاملة عند نومه ، وهكذا سيتمكن من إلقاء القبض على تلك الأفكار العبقرية فور ورودها إلى جمجمة رأسه . قام صاحبنا بتنفيذ وصية الرفاق ، وفي اليوم التالي ، سألوه عن النتيجة ، فأجابهم لقد نجحت الخطة ، وها اسمعوا ماكتبت : ” دق الطبال ، وأذّن الحاج فلان … ” . وبعد استماعهم لأفكاره العبقرية انفجروا ضاحكين القهقهة ، مشيرين ، إلى أن صاحبنا قد أفاق فعليّاً على صوت الطبال ، ذلك أن الشهر كان شهر رمضان ، وأن الطبال ( الدومري ) كان يوقظ الناس في وقت ” السحور ” ، وبالتالي فإن أفكاره العبقرية لم تزد عن قيامه بتسجيل ماسمعته أذناه ( الطبّال والمؤذّن )وهو نائم ، فيالها من عبقرية!!.
2.
خطرت لي هذه الحكاية وأنا أستعرض بعض بيانات وأدبيات ” معارضة ماقبل انتفاضة شباب15.3.11 السورية ” بكل مكوناتها وتسمياتها ودكاكينها ومؤتمراتها ، حيث وجدت أن معظمها ( أي ليس كلها ) ، إنما يدخل تحت باب واقعية ” دق الطبال ” من حيث كونها كانت من جهة ، ترداداً للشعارات الوطنية الثورية التي أطلقتها حناجر وبيانات وأدبيات شباب الإنتفاضة ، بداية من درعا ، ونهاية في كافة محافظات الجمهورية العربية السورية ( وهذا أمر إيجابي ) ، ولكنهها من جهة أخرى ( هذا إذامااستثنينا الصياغة اللغوية المتباينة ) لاتعدو أن تكون من حيث الشكل المعلن والمطروح أمام القارئ والسامع ، نسخة طبق الأصل عن بعضها بعضا .
وقد وقعنا في بيان لأحد مكونات هذه المعارضة ، على خلاصة جامعة مانعة ، بعيدة عن التكرار وعن التفاصيل المملة ، وأحياناً غير الضرورية ، تجسد مضمون هذا التناسخ ألا هي ( كما جاء على لسان موقعي هذا البيان ) التالية :
ـــ دعم الحراك الثوري المتواصل في سورية منذ 15.3.2011 والمطالب بالحرية والكرامة اللتين بات تحقيقهما مرتبطاً بشعار ( الشعب يريد إسقاط النظام ) ،
ـــ ضرورة أن تستند مرحلة مابعد عائلة الأسد ، إلى عقد اجتماعي جديد ، يرتكز على القواسم الوطنية المشتركة التالية :
أ. المواطنة المتساوية لكافة مكونات الشعب السوري ، تلك المكونات التي تشبه أصابع اليد الواحدة ، من حيث اختلافها في الشكل ، وتوحدها في الوظيفة والمضمون .
ب. نظام سياسي مدني ديموقراطي تعددي وتداولي يتجسد في مثلث متساوي الأضلاع ، قاعدته ، المواطنة المتساوية للجميع ،وضلعاه الآخران : الدستور الموضوع من قبل هيئة منتخبة وممثلة لكافة مكونات الشعب السوري ، وصندوق الاقتراع النزيه والشفاف .
3.
إن عملية التناسخ التي أشرنا إليها أعلاه ، إنما هي واقع الحال مسألة شكلية وظاهرية في المقام الأول ، وإلاّ : ما سبب عدم توحد هذه المعارضة ، وتشكيلها بالتالي مرجعية وطنية لكل من الداخل والخارج ؟!.
إن مانراه من جهتنا أن بعضاً من مكونات هذه المعارضة ، وبالتالي أدبياتها وبياناتها ، إنما تنطوي على بعدين ، بعد تكتيكي معلن ، تغازل فيه شعارات الثورة والثوار ، وبعد استراتيجي غير معلن تغازل فيه نظام بشارالأسد ، ولكنها ــ وفي إطارهذه المغازلة ــ تطلب منه ( والحق يقال ) أن يقوم هو ذاته (بشار) بإصلاحات جادة وجوهرية ، تؤدي من جهة إلى إرضاء المطالب المشروعة للشعب السوري ، ومن جهة أخرى إلى بقاء هذا النظام التقدمي ، العلماني ، الممانع ، حامي الأقليات ( بنظرها ) في السلطة !! .
نعم إن جزءاً أساسيا من المعارضة السورية ، إنما هوسجين هذا التناقض المنطقي والعملي بل والباطني ، والذي يرى أصحابه أنفسهم من خلاله على حق ، وغيرهم على باطل ،وهومايحول دون وحدة المعارضة.