المعارض السوري لؤي حسين لـ”النهار”: أسابيع ويتداعى الحل الأمني
في زيارته البيروتية الخاطفة، اختبر منسق لقاء سميراميس المعارض في العاصمة السورية أجواء العاصمة اللبنانية. يقول الكاتب لؤي حسين أن بيروت لم تشعره بالأمان هذه المرة دون أن يكون مهدداً. وفي حديثه إلى “النهار”، توقع ألا يتمكن النظام من الاستمرار بمحاصرة المدن سوى لأسابيع قليلة مراهناً على تآكل من داخله بدأت تظهر معالمه.
خدم لؤي حسين “عسكريته” كمعارض سوري. بهذا المعنى هو قضى سبع سنوات في المعتقل السياسي (1984-1991) بتهمة الانتماء الى “حزب العمل الشيوعي”. قراره اليوم بانشاء تيار ليبرالي علماني لا يفيد بالضرورة ان اسوار المعتقل بدلت من اقتناعاته الماركسية بقدر ما تمكنت السنون من ارساء تحولات فكرية قد تتاح لها في الزمن السوري الجديد الترجمة العملية عبر الممارسة العلنية للعمل السياسي. فبين لغة البارود ولعبة الدم اللتين تحكمان المشهد السوري، ثمة فئة من المعارضين السوريين في الداخل أتيحت لهم إمكانية العمل السياسي والاجتماع والتعبير عن الرأي والتنقل منذ ان اصبح الحرص على الحوار مع المعارضين “غير المتآمرين” محط تبنٍ اعلامي من النظام الباحث عن تحسين صورته.
هذه الفئة التي ينتمي اليها الكاتب لؤي حسين يُفترض أنها، في نظر النظام، لا تلعب “أدواراً مشبوهة مع الخارج ولا تقوم بالتحريض على التظاهر والعنف”.
يتحدث حسين عن سقف جديد من حرية التعبير السياسي الذي انتزع بفضل الشارع “لكنه لم يكرس بعد” مضيفا ان “السلطة تسعى في مواجهة الضغوطات الى تحسين صورتها فتقدم الاثمان الرخيصة بالنسبة لها، كأن تسمح لنشطاء مثلي بالخروج من البلاد بعد قرار رفع منع السفر والتحدث بحرية”.
ولدى الحديث عن تعريف معارضي الداخل، يشدد حسين على أن المفهوم التقليدي لهذا التعريف الذي كان يعني “بقايا” الاحزاب اليسارية والقومية والناصرية اضافة الى الشخصيات المستقلة اتسع ليشمل كل من يتظاهر ويعبر عن رأي معارض للسلطة على الارض السورية.
قبل أن “يُنتزع الحق في العمل السياسي”، نال حسين نصيبه من الاعتقال في آذار الماضي لأربعة ايام على خلفية بيان تضامني مع درعا وزعه عبر الانترنت. يقول أنه خرج بضغط الشارع. وحدث ان تتقاطع تلك اللحظة مع قرار السلطة بالبحث عن معارضين في الداخل يقبلون بفكرة التواصل معها. وهي الفكرة التي يدافع عنها حسين حتى اليوم رغم انقطاع هذا التواصل “برغبة غير مفهومة الاسباب من النظام”. يدافع عنها لا “لأن لا طهرانية في العمل السياسي فحسب” بل “لاتصالها بمنطق تعقّله للامور، فاذا كان بامكاني من خلال الحديث مع احد المسؤولين المساهمة في الافراج عن 40 ناشطا معتقلا من المتظاهرين او تكريس حق الاجتماع العلني كما حدث لمَ لا افعل؟”. ويشير في هذا السياق الى الخبر الذي تولّى نقله عن السلطات والمتصل بإعلان رفع قرار منع السفر عن عدد كبير من المعارضين في الداخل.
لكن هل هذا التواصل هو جزء من تسوية مع النظام؟ “ابدا والدليل أننا اعتقلنا انا وفايز سارة وجورج صبرا وآخرون، وخرجنا بضغط الشارع”.
وألا يعبر عدم رفع شعار إسقاط النظام واستبداله بمعارضة السلطة عن سقف منخفض حيال حراك الشارع؟ يقول “هدفي البراغماتي تحقيق الديموقراطية والحريات السياسية وتكريس حقوق الانسان في سوريا وسأناهض أي سلطة تعرقل الوصول الى هذا الهدف واتفق مع اخرى تحققها”.
ويميّز الرجل بين التواصل الذي قد يؤدي الى مكتسبات جزئية ملموسة، وبين الحوار الذي هو محط رفض كونه يختزل الازمة بصراع على السلطة بين الحكم والمعارضة.
في حزيران الماضي، أطلق حسين مبادرة اللقاء التشاوري الذي عقد في دمشق بحضور قرابة 200 شخصية مستقلة في ما سيعرف بعد ذلك بلقاء سميراميس. خطوة ستثير الكثير من الجدل في اوساط المعارضة لاعتبارها اللقاء مكسبا اعلاميا للنظام امام الرأي العام العالمي وتشكيكها به خصوصا لوقوعه في الزمن الذي كان التواصل فيه بين شخصيات مستقلة معارضة شاركت في اللقاء والقيادة السورية قائما.
اليوم وبعد قرابة الشهرين على انعقاد اللقاء، ما زال حسين مصراً على رأيه بنجاحه في انتزاع السماح بالتعبير عن الرأي والاجتماع في الداخل لمعارضي النظام “يكفي اننا عبرنا عن رأينا في وسط العاصمة وهذا نضال استغرقنا سنوات”. معادلته بسيطة: “اذا نجح النظام بتظهير صورة عدم كبته للحريات فانا ايضا نجحت في ممارسة حريتي”.
لكن ماذا حصل بعد سميراميس؟ يجيب: “استمرت اللقاءات والحلقات بين الشخصيات المعارضة في الداخل بالانعقاد بشكل دائم بهدف التفكر والحوار حول المستقبل وهي تتقصد الابتعاد عن الاعلام”.
اما الحديث عن خلق اطار تنظيمي يجمع معارضي الداخل “فهو مستبعد لان لا طائل منه رغم المحاولات التي جرت في السياق”. والسبب يعود الى “اننا نأتي الى العمل السياسي من ارض جدباء. نحتاج الى الوقت لاكتشاف بعضنا. اضف الى ان اي وحدة بين مكونات معارضة الداخل لهدف مرحلي يتمثل باسقاط النظام لا فائدة منها لتحويلها الصراع الى صراع على السلطة”.
على المنوال نفسه، عارض حسين ما طرح في “مؤتمر الانقاذ” من تشكيل لحكومة ظل تماما كما اكد معارضته لاعلان معارضين أول من امس تشكيل “مجلس وطني” رأى فيه تلقفا لاشارة غربية تريد تحديد ملامح اللوحة الصراعية عبر فرز مكوناتها في هذه المرحلة. ويشرح: “لا بد من رفض تشكيل أي هيئة معارضة تنظيمية خصوصا في الخارج تدعي لنفسها امكانية ان تكون معبرنا بعد هذا النظام لأن المجتمع السوري قادر في تلك اللحظة ان يفرز قياداته، كما ان خلق اطر مماثلة يفيد منطق رغبة النظام الساعي الى اختزال ما يجري بنزاع على السلطة”. ويذكر بتشجيع النظام قبل شهرين لبعثات دبلوماسية للقاء معارضين.
وفي الموازاة، “لا يجوز ادعاء اي جهة تمثيل الشارع. لاننا في مرحلة لا يمكن خلالها معرفة من هو الاكثر تمثيلاً. فلماذا يكون الاخوان مثلا؟ فالشارع لم يعبر عن حزبية معينة بل رفع لافتات وهتف في مرات عديدة “لا سلفية ولا اخوان”. ومن المستبعد ان يكون الشارع “يشتغل بالتقية” في ظل صراع محموم”. ولا يتنكر حسين “لوجود عمق اسلام شعبي من الممكن مع الافلات الامني ان تستفيد منه قوى سياسية خارجية”. كما لم يستبعد “وجود تنظيمات أولية اسلامية في الشارع”.
ورقة العنف
يرى حسين ان النظام لم يعد يملك سوى ورقة العنف “بعد أن حصن نفسه بالغام الطائفية والشبيحة وافساد روح الجيش بزجه في المدن”.
وقد قرأ الناشط السياسي في حديث الرئيس الاسد الاخير استبطانا لنصر يستند الى الاعتقاد بأن النظام نجح في قمع التظاهرات الكبرى في حماة ودير الزور بعد العمليات العسكرية الكبيرة في رمضان. وهنا يشدد على ان “النظام يغفل عن حقيقة ان الناس مجبرة أن تبقى في بيوتها لأن رجال الأمن في الشارع، كما علينا ان نعرف ان مئات الآلاف الذين تظاهروا في حماة هم في بيوتهم اليوم محتجون وينتظرون إشارة للنزول الى الشارع متى اتتهم فرصة”. وفي هذا السياق يتوقع أن يكون نفس الشارع اطول من نفس النظام الذي “لا يستطيع أن يبقى واضعا يده بهذا الشكل على المدن والقرى بالمطلق الى الابد، لحاجة الامر الى عزيمة عالية وتعبئة هائلة ومال كثير”، مضيفا ان “الشارع ينتصر بفواتير الدم التي يدفعها وبنجاحه الاكيد في تفريغ السيناريو الامني من فحواه عبر التدحرج في ثقل الاحتجاج من منطقة منهكة امنيا الى اخرى يمكن التحرك فيها”. ووفق حسين، فان حسم الامور لن يستغرق وقتا طويلا لعجز النظام عن “احكام قبضته العسكرية على المدن بالشكل القائم حاليا لاسابيع اضافية”. وما هو الحدث الدراماتيكي المتوقع في مجرى الصراع؟ يجيب: “سيتفكك النظام امام الضغط فهو ليس لديه سوى البنيان القمعي. وثمة شخصيات سياسية من داخله لا تستطيع ان تحمل وزر الدم المسفوك على يد المخابرات. هناك مؤشرات وعوامل واشكال من الانهيار تتآكله”. ويشير الى “مظاهر انهاك وتململ في صفوف شرائح في حزب البعث وبداية يأس من تمكن النظام من حسم الامور ميدانيا بعد وعود متصلة تلقتها منذ اشهر” والى ان “تفكير البعثي اليوم هو غيره قبل خمسة اشهر”.
وفي تعليقه على المواقف الغربية الداعية الى تنحي الأسد، يرى حسين ان الضغط الغربي وصل في هذه المرحلة الى ذروته معتبرا ان طلب التنحي غير ذي قيمة مادية “اعتقد ان بعض الغرب اراح نفسه امام الرأي العام العالمي بهذا الموقف” متوقعا “عدم قيام الدول الغربية بحملات ضغط على موقفي روسيا والصين داخل مجلس الامن في هذه المرحلة” منوها بوجود فرصة بعد سقوط القذافي لتحصيل مكاسب من السلطة عبر الضغط الدولي من اجل ردع الهجوم الامني المتمثل بجعل اقتحام المدن كما حصل في حماة ودير الزور خطا احمر.
من جهة اخرى، يستبعد حسين صحة التقارير التي تحدثت عن قرار لدى اطراف في المعارضة بحمل السلاح “لانه براغماتياً خيار ساقط. فمهما تسلحت ميليشيات لن تقدر على مقاتلة الجيش السوري ومخابراته، المدججين بترسانة عسكرية هائلة”. ويبقى التدخل العسكري الغربي مستبعداً من دون وجود إرادة شعبية، “قلة قد تستدعي هذا التدخل وربما النظام يستدرجه لكن غالبية الشعب سترفضه”، مشيراً إلى أن “الغرب وإسرائيل وإيران وتركيا يحرصون الا يحصل الانهيار التام كل لمصلحته”.
أما عن الدور التركي في الأزمة السورية، فيقول حسين إن أنقرة تسعى الى “لعب دور الوصي نظرا للمصالح الكبيرة والمهمة لها في سوريا والتي تجعلها ترغب في جعلها حديقة خلفية”. ويستدرك: “لكن تركيا لن تغامر من اجل هذا الهدف ولن ترتكب كبائر مثل التدخل العسكري” معيدا قوة النفوذ التركي واستدراجه الى الساحة السورية الى ضعف النظام والمعارضة في آن واحد.
على خط الموقف العربي، يدافع حسين عن تلقف بعض الشارع المتظاهر للمواقف العربية الأخيرة ولا سيما الخليجية المنددة بقمع النظام قائلا “حين تقتل وتموت يوميا فلن تتوانى عن طلب حريتك من مستبد، ووفق القاعدة نفسها انا اطلب المساعدة من البعثي”.
وعما اذا كان احراق صور السيد حسن نصرالله على يد بعض الشارع المتظاهر يعبر عن موقف نهائي من المعارضة السورية، يعتبر حسين ان موقف ايران و”حزب الله” تميّز بقصر النظر في الازمة السورية “فمن يريد شراء المستقبل يراهن على الشارع لا السلطة” متوقعا “في حال سقوط السلطة الا تتم المصالحة في وقت قصير مع الدولة الايرانية التي ستتعرض مصالحها الاقتصادية لضرر كبير”. وإذ يؤكد حسين على “عجز النظام عن وقف اطلاق النار بسبب تركيبته”، يعبر عن “خشية شديدة” من “حصول اقتتال طائفي” يستدعيه العنف الممارس على الارض.
ديانا سكيني
النهار