المعالم السياحية السورية: قصف ونهب
مروان أبو خالد
لم يكن أحد يعتقد أن الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه منذ أكثر من عامين ستستمر بالزخم التدميري نفسه حتى اليوم. ولم يكن أحد يظن ان النظام سيذهب حد تدمير البلاد وقطاعات الإقتصاد كافة، خصوصاً تلك التي كان رموز النظام أهم المستفيدين منها.
لعلّ قطاع السياحة أحد أهم تلك القطاعات المدمّرة. علماً أنه صار أكثرها محورية، لاسيما بعد لبرلة الإقتصاد السوري في السنوات العشر الأخيرة. فقد احتلت سورية المرتبة الثالثة في نسبة النمو السياحي حسب تقرير منظمة السياحة العالمية للعام 2009. وشكّلت السياحة ما يقارب 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وحوّلت الى خزينة الدولة حوالي ربع عائدات سورية من العملات الصعبة. كما استقطب قطاع السياحة أعداداً كبيرة من اليد العاملة حيث يعمل به ما يقارب 13% من إجمالي القوة العاملة السورية. وخلال العام 2010 أشارت الإحصاءات إلى أن عدد السياح الذين زاروا سوريا قد بلغ 8.456 ملايين سائح، وساهمت السياحة بخلق 11.5%من إجمالي فرص العمل، ووفرت ما يزيد عن 23.1% من القطع الأجنبي، أي ما يقارب 7.7 مليارات دولار خلال العام ذاته.
ومع اندلاع الانتفاضة السورية وما تبعها من انهيار اقتصادي واجتماعي كنتيجة حتمية للحل العسكري الذي اعتمده النظام لمواجهتها، إنهار قطاع السياحة تماماً، وانعدمت مداخيله في ظل انخفاض عدد السياح إلى حدود متدنية جداً، نظراً لظروف فقدان الأمن والمقاطعة الاقتصادية من قبل الدول العربية والغربية. ما أدى لانخفاض نسبة الإشغال في الفنادق الفخمة من 99 إلى 0%. ودفع عدد كبير من الفنادق والمطاعم للإغلاق وتسريح العمال حيث تجاوز عدد العمال المسرحين 80 ألف عامل، وفقاً لبعض التقديرات. في حين لجأت بعض الفنادق، لاسيما في دمشق إلى الاعتماد على موجات النزوح من المحافظات الأخرى، وخصصت غرفها لاستقبال النازحين بإيجار للغرفة بلغ نصف سعرها المعتاد. كما أدى انعدام توافد السياح إلى إغلاق ما يزيد عن 65% من المكاتب السياحية. أمّا المكاتب التي بقيت قيد العمل فقد اضطرت من أجل تقليل التكاليف إلى تقليص أيام العمل وخفض رواتب من تبقى من الموظفين الى حدود وصلت إلى 30-50% من الراتب الأصلي.
وبرغم غياب أرقام دقيقة حول حجم الخسائر في قطاع السياحة، نظراً لأن استنزافه يكاد يكون يومياً في ظل استمرار الحرب، فقد أشارت الإحصاءات الأولية إلى أن خسائر السياحة في محافظة ريف دمشق قد تجاوزت 4 مليارات ليرة سورية، حيث توقف ما يزيد عن 100 منشأة سياحية وتحول بعضها إلى ركام، نظراً للمعارك العنيفة التي شهدتها المحافظة. وتجاوزت حصيلة الخسائر الاقتصادية في قطاع السياحة في مدينة حلب عتبة الـ6 مليارات ليرة سورية، بعد التوقف التام الذي أصاب كل منشآتها السياحية بسبب الوضع الكارثي الذي تعيشه المدينة، حيث أصيبت قلعتها وجامعها الأموي وسوقها القديم بأضرار فادحة، نتيجة تحولها الى ميدان قتال عنيف.
وفي ظل عدم اكتراث الحكومة بحماية الآثار، بل وتحول بعض القلاع والمتاحف الى نقاط تمركز عسكرية، أشارت بعض التقارير إلى دمار هائل طال الآثار والمتاحف التاريخية. وحسب جمعية حماية الآثار السورية تعرض 12 متحفاً للسرقة والنهب والتكسير، كمتحف حمص التي شهدت دماراً هائلاً في أسواقها التاريخية القديمة، حيث تحولت قلعة حمص وقلعة ابن معن التي تطل على مدينة تدمر إلى مركزين عسكريين لقوات النظام. وتعرض متحف قلعة جعبر في الرقة لسرقة 17 قطعة أثرية، تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وغيرها من الأماكن الأثرية والمتاحف التي تعرضت للدمار والنهب في دير الزور وحماة وإدلب.
ومن جهة أخرى، بلغت قيمة الآثار المسروقة والمهربة خارج سورية حوالي 2 مليار دولار، أمّا قيمة الآثار التي تدمرت تماماً فلا يمكن أن تقدر بثمن مادي. وقد قارن الصحافي البريطاني روبرت فيسك ما يجري من نهب منظم لآثار سورية، مع ما جرى بآثار ومتاحف العراق إبان الغزو الأميركي له العام 2003، واصفاً ما يجري بالمشهد المرعب الذي يهدد بتبخر آثار سورية. وكشفت الخبيرة الأثرية جوان فارتشاك أن الأسواق الأردنية والتركية ممتلئة بالقطع الأثرية السورية التي تباع في السوق السوداء بشكل غير شرعي.
ولمواجهة هذا الخراب التام لقطاع السياحة، أعلنت وزارة السياحة على لسان وزيرتها بأنها قادرة على إعادة أفواج السياح إلى سورية خلال 48 ساعة من انتهاء الأزمة ليس أكثر. لكن هذا الكلام ليس سوى وهم كبير، يتعامى عن كل هذا الخراب في البنى التحتية والآثار التاريخية التي لايمكن ترميمها أو إعادة بنائها من جديد. فقطاع السياحة كما هو معروف يعتبر أول القطاعات الاقتصادية تضرراً من الحرب، وآخرها تعافياً منها. بمعنى آخر حتى لو توقفت الحرب المستمرة منذ عامين، فإن إعادة ترميم ما خلفته الحرب واستعادة ثقة السائح العربي والأجنبي مسألة تحتاج إلى وقت كبير.
المدن