صفحات العالم

المعضلة السورية


محمد بزيان

الثورة السورية أكثر ثورات الربيع العربي دواما ومأساوية. وقد أظهرت هذه الثورة أن هنـاك أنظمة سياسية يمكنها أن ترتكب جرائم أكثر فظاعة من تلك التي ارتكبتها النازية ، كما كشفت هذه الثورة عن أن النظام الدولي عاجز عن ردع المجرمين الذين يرتكبون جرائم في حـق الإنسانية. وأن حق الاعتراض في مجلس الأمن يمكن أن يكون أداة لحماية المجرمين. هذه أمور نعتقد أنها أمست معروفة لدى عامة الناس وخاصتهم. ومع ذلك قد يكون من المفــــيد التنبيه إلى ما يمكن أن نسميه بالعقــد التي حالت حتى الآن دون إيجاد حل لما يجري في سورية من مآس على مرأى ومسمع من العالم كله ، وكأن البشرية رجعت إلى أزمنة الهمجية.

العقدة الأولى وجود نظام في دمشق قائم أساسا على هياكل أمنية وظيفتها خدمة هذا النظام وليس خدمة المجتمع والمحافظة على استمراره. ولعل وصفه بالعصابة هو التعبير الأكثر دقة. هذا النظام يستمد معتقده السياسي ـ كما هو معروف ـ من حزب البعث الذي لا يختلف كثيرا عن الستالينية تصورا وممارسة. وإذا كان ستالين قضى على نحو ثلاثة ملايين شخص في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي فإن بشار الأسد مستعد لأن يزهق أرواح مئات الآلاف من النساء والاطفال وبالتالي فعقد الأمل على إمكانية قبوله بالتنحي عن السلطة لا يعدو إلا أن يكون سرابا. إن معتقــد التمسك الجنوني بالسلطة متأصل في النظام منذ عهد الأب حافظ الأسد.

العقدة الثانية وجود تناقض بين ما تريده الثورة وهو إسقاط النظام وبين ما تريده الطغمة الحاكمة وهو بقاء النظام واستمراره والقضاء على الثورة. وفي هذا السياق ، وكما سبق لنا أن أشرنا ، فإن الإصرار على بقاء النظام يتجاوز بشار الأسد نفسه. ولعل ما صرح به وزير خارجية روسيا أخيرا بأن بلاده قد تقبــل برحيل بشار إن رغب في ذلك الشعب السوري دليل على أن النظام في هذا البلد لا يستند إلى وجود الرئيس بالذات. وبالتالي فليس هناك حل وسط بين ما تريده المعارضة وبين ما يريده النظام. وما زاد هذا التناقض رسوخا أن كل طرف قد وصل إلى نقطة صار معها من الصعب جدا عليه أن يتنازل عن تحقيق هدفه كاملا. وبالمناسبة نعتقـد أن فكرة اللجوء إلى الحل على الطريقة اليمنية هي فكرة غير مجدية وفاشلة مسبقا باعتبار أن أركان النظام يرفضون مطلب المعارضة جملة وتفصيلا. وتنحي الأسـد لن يقدم أو يؤخر في الأمر شيئا. ودوره لا يتعدى تبعة ما يقترف من مجازر.

العقدة الثالثة موقف إيران وحزب الله الداعم للنظام ليس منتظرا تغييره لسبب جد بسيط وهــو أن كلا منهما يعتبر الوقوف إلى جانب النظام السوري هو دفاع عن وجوده. إلا إذا أعطيت إيران ضمانات بعدم الهجوم عليها، وهذا أمر غير وارد حتى في حالة الامتناع عن مهاجمتها..

العقدة الرابعة تمسك روسيا الاتحادية بالدفاع عن نظام دمشق في الأمم المتحدة وفي ما تقوم بـــه من نشاط دبلوماسي لصالحه. على الرغم من الأضرار الأدبية الهائلة التي لحقت بها جراء موقفهـا المدافع عن نظام يرتكب المجازر. مما يجعل كل شعوب الأرض التي تؤمن بالقيم الإنسانية السامية تشعر بالاشمئزاز من هذا الموقف الروسي الذي سوف يلحق بدون شك أضرارا بليغة بمصالح روسيا المادية أيضا.

العقدة الرابعة الخوف من تحول الصراع المسلح إلى حرب أهلية قد تمتد تداعياتها لتشمل المنطقة كلها. لكن الذي ربما لم يؤخذ في الحسبان بما فيه الكفاية هو أن استمرار هذا النظام الذي يشبه إلى حد كبير مسمار ملوث انغرز في الجسد. والإبقاء عليه قد تكون آثاره أسوأ من مضاعفات انتزاعه.

إن هذا النظام أثبت بما لا يدعو مجالا للشك في أنه لا ينتمي إلى هذا الزمان الذي أمسى فيه احترام حقوق الإنسان يحظى بالأولوية..

مبادرات هزيلـــة

بالإضافة إلى العقد المشار إليها والتي صعبت إلى حد كبير من إيجاد مخرج مما يحدث من مجازر سوف تبقى وصمة عار في جبين الإنسانية. هو فقدان إرادة دولية جادة في البحث عن حل يضع حدا لشلال الدم المتدفق في سوريا. ومما شك فيه أن شعوب المعمورة اليوم لا تلقي باللائمة على روسيا والصين فقط وإنما تلقي باللائمة على المجموعة الدولية كلها، ولاسيما القوى الكبرى التي لم تتحرك جديا وبما فيه الكفاية لوضع حد لوجود نظام ليس قابلا أن يوقف قتل الأطفال والنساء وذبحهم وحتى حرقهم أحياء. والغريب في الأمر أن المبادرات التي قدمت حتى الآن خاوية ولا تحتوي على أي عنصر فعال. ويمكن القول إن النظام السوري استطاع أن يستفيد من هذه المبادرات العرجاء التي أهم ما تأتي به إعطاؤها مهلا للنظام ليصعد أكثر فأكثر من وتيرة القتـل.

ومن الخواء وفقدان الجدية اللتين تطبعان تلك المبادرات أو المخططات ما تضمنته على سبيل المثال خطة المبعوث الاممي كوفي عنان التي ظهر فيها المراقبون الامميـون كالكرة تتقاذفهم قوات نظام الأسد وشبيحته من مكان إلى مكان وهم لا يدرون ما يفعلون بالضبط وهم في حالة مثيرة للشفقة. فهل ذهب هؤلاء المراقبون ليمنعوا مدفعية الجيش السوري ودباباته من قصف المدن وتهديم البيوت على رؤوس ساكنيها؟ أم لمشاهدة ذلك القصف والقول إنه وقع فعلا؟ ومن الجهة التي تطلق النار؟ مع العلم أن قوات امن النظام لا يهمها أن يقال عنها إنها تدك الأحياء السكنية. الإجابة عن هذه الأسئلة غير ذات أهمية معتبرة. لآن المهم مضمون الجواب عن السؤال الجوهري وهو ماذا بعد؟

وعلى هذا الأساس فليس هناك فرق بين عدد المراقبين الحالي وبين زيادته إلى عشرة أضعاف إلا من حيث كون رفع عددهم ربما يمكنهم من أن ينقسموا إلى أفواج يستطيعون من خلالها اعتماد نظام العمل بالتناوب حتى يتمكنوا من أخذ قسط من الراحة.. أما الطريق الذي يقود إلى نجاح الثورة في سوريا فبدون شك هو الطريق الذي سلكه أولئك الذين رفضوا أن يوجهوا فوهات بنادقهم وحرابهم إلى صدور إخوانهم المتظاهريـن وأجساد الأطفال. ونعتقد أن أهم عمل يمكن للجيش الحر القيام به هو ضرورة خضوعه لتنظيم محكم حتى يتمكن من فرض الانضباط والسيطرة على السلاح وفي هذا وقاية للثورة من الوقوع في التناحر أو ما يسمى بالحرب الأهلية التي تحولت إلى أكبر هاجس يقف في وجه التقدم بسرعة نحو النصر.

‘ كاتب مغربي

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى