‘المندسون’ يصعدون إلى السماء
أحمد عمر
أخيرا، ضبطت الإخبارية السورية مجموعة من ‘المندسين’ الملثمين بالجرم المشهود والمرصود، وقد اجتمعت لي فيهم الآراء التالية، وسأحيلها للقراء لاختيار الأنسب وحسب الأصول غير المرعية، أما كاتب السطور فيعتذر عن إبداء رأيه حتى تحقق ‘التوازن الاستراتيجي’:.
1 – أخيرا ظهر الحق والتلفزيون السوري البطل يستحق جائزة نوبل للصورة الجريئة واللمسة البريئة!
2 – المندسون يظهرون مرتاحين في الفيلم وكأنهم في نزهة وتنقصهم النرجيلة والموالح والطبلة، أما الكاميرا التي تصورهم فهي كاميرا لأخذ الصور التذكارية؟
3- هذه أول صورة ينقلها التلفزيون الرسمي من درعا ومن الغريب أن تكون للمندسين؟ وأن تتم مصادفة؟ ومن الغريب أن تكون بكاميرا ثابتة، وأن يكون طاقم التصوير غير محروس بخفر يفترض بهم أن يقنصوا واحدا من المندسين على الأقل؟
4- الصورة تظهر مشهدا من جانب واحد، والمشهد الذي بثه التلفزيون الرسمي تاليا للمظاهرة وربطه بمشهد المندسين رتقا، زاد الطين ‘بولة’، فثمت قطع بين الصورتين وهذا يعني أنّ الصورة مغشوشة؟ وان المندسين كومبارس يؤدون دورا في مسلسل ‘فانتازيا بوليسية’.
5- يظهر رأي آخر يفضل القول انّ صورة ‘المندسين’ ناقصة وصعبة الهضم، والأفضل لو أنها صورت بكاميرا جوال ونشرت على اليوتيوب وليس على فضائيات التلفزيون السوري الثلاث حتى تكون مقنعة.
6 ـ يقال انّ مشهد المندسين التذكاري أطاح برئيسة تحرير جريدة ‘تشرين’ الدرعاوية، ويبرز هنا رأيان في ‘الإطاحة’ بها: الأول يقول ان تشكيكها بالصورة وسؤالها عنها هو الذي أطاح بها. والثاني يقول ان دمعتها هي التي أطاحت بها. الدموع محرمة في المعركة الاعلامية ولها آثار عاطفية خطيرة ووبيلة. الرأي الثالث يقول ان دمعتها ارحم لها وأكرم. سؤال: إذا أعيدت إلى منصبها هل ستنتهي الاحتجاجات؟
الفاصلة السحرية
بعد شهادة السيد ناصر قنديل، وهو شاهد من أهلها، وطلبه في حوار تلفزيوني على الفضائية الرسمية بضرورة تطوير أداء الإعلام السوري، سارعت الإخبارية السورية، إلى إيراد خبر عن مظاهرة في جامع الرفاعي، وفق شاهد عيان أو شاهد سماع، وليس بالصورة كما يفترض بها وجامع الرفاعي تحت انفها، ثم كذبت الخبر بعد ساعة معتذرة. الإعلام السوري عمل غالبا وفق الطريقة التالية: على الخبر أن يأتي إلى الاستوديو، إما بسبب ارتفاع أجور النقل البري أو لأن الهوى غلاّب. ثمت رأي آخر يقول انه ليس على الخبر أن يأتي إليها بل هي قادرة على صناعة الخبر من العدم على عكس قوانين نيوتين في الكيمياء!
تبقى الإشارة إلى مسألة هامشية مهمة: الإخبارية السورية في شريط الأنباء تعتمد فاصلة الأرقام بدلا من فاصلة لترقيم والله الموفق والمستعان على إعلام هذا الزمان!
الاولة في الغرام
تحرص كل الاقنية ‘الدساسة’ على إشراك طرفين في الحوار لإجلاء الصورة واغنائها بالتحليل والتفسير. والموالاة، أي الترتيب، أمر مهم في المباريات الإعلامية، فالجزيرة تعمل بنظام الدور، فهي احيانا تمنح ‘الاولية’ للمعارضين ثم تعطي الدور للموالين، فالذي يظهر أخيرا له فضيلة الرد على التهم والذرائع، والفوز بجملة ‘مسك الختام’ القاضية. وقد كسب نقيب الصحافيين نقطة ضد صوت ميشيل كيلو الذي يجمع الموالون والمعارضون على انه صوت معتدل، عندما استشهد به كمعارض وطني، ودلل على حسن سير خطوات الإصلاح ، بإشراكه في لجان وطنية قبل خمس سنوات، واغفل ذكر أمر في غاية الأهمية وهو أنّ ميشيل اعتقل بعد تلك الشراكة جزاء نكالا؟ كان الاعتقال هو أجره قبل أن يجف عرقه، وكيلت له اتهامات ليس هنا مجالها، أشهرها اتهامات إعلامية معروفة اسمها ماريا معلوف بأنه أتصل مع كوكب فيغا المجرم من قبرص؟
الشيخ البوطي ودريد لحام
يقول دريد لحام للتلفزيون الرسمي الوطني انه معارض، منذ مسرح الشوك، وهو ينوي مع زملاء له الحداد على الشهداء في يوم لم يحدد بعد، لكن الحداد لم يتم حتى الآن. دقائق صمت على أرواح الشهداء قد لا تكفي، خاصة أنهم يزدادون. ثمة من يطالب بثلاثة أيام حداد وطني عام. كما تفضل جمال سليمان في إحدى الفضائيات، وكما تفضل الأستاذ احمد فجوة ( إعلامي رسمي يكرر كلمة ‘فجوة’ بين النظام والشعب عمرها من عمر الإنسان النيانتدردالي) لكن هذا لم يحدث حتى الآن، ويبدو أنهم سيحتاجون إلى سنوات من الحداد؟ البوطي نفسه دعا الله أن يحتسبهم شهداء؟ كاتب هذه السطور لم يكن يخطر له على بال أن الشهداء سيحتاجون إلى وساطة الوسطاء وشفاعة الشفعاء، ويقينه أن رحمة الله لا تحتاج إلى إلغاء بنود في الدستور؟
معارضون خمس نجوم
يسأل متسائل: المعارضون دائما يذهبون إلى السجون في العالم العربي فكيف نجا المعارض دريد لحام والمعارض عادل إمام من السجن والملاحقة؟ هنا أيضا تحضر عدة أجوبة يمكن للقارئ أن يختار ما يناسبه:
– انّ الفنان يعارض في العمل الفني ثم يوافق بالظهور في الصورة التذكارية مع المسؤول المنقود، يعني: كنا نمزح ، كنا نمثل، كنا ‘بنهزر’، سامحونا ..
– انّ دريد وإمام نجمان معارضان هصوران ومجاهدان ولا تجرؤ السلطات على اعتقالهما بسبب الحصانة الشعبية، أو مشاهد الفياغرا..
– ان الفنان لا يصلح أن يكون معارضا في بلاد لا تزال شعوبها تعتبر الفنان مشخصاتيا، فهو ليس شخصية واحدة، وإنما هو آخر شخصية أو أهم شخصية مثلها…
– انّ الفنان يعارض لينفس عن الأنظمة ويحول دون ظهور معارضة حقيقية. الدراما والكوميديا ألطف معارضة وأنعمها. اغنيتها ‘معارض قصادي وبحبو’.
القرضاوي والبوطي
بثت الفضائيات السورية حديث البوطي في يوم الخميس وكررته على مدار الساعة، وفي اليوم التالي للحديث. وكثر ظهور الشيوخ على الفضائيات السورية الثلاث، وزاد الطلب على الدين وأرقام السماء الهاتفية. مهما يكن الرأي في حديث البوطي الذي يحظى باحترام إسلامي شعبي، فانّ ثمت نظرات في رأيه في خطبة القرضاوي هذه أهمها:
انّ القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورائد مذهب الوسطية متآمر، وساهم في ثورتين ليصل إلى قلب المقاومة في سورية خدمة لإسرائيل والصهيونية؟
انّ القرضاوي ‘غوغائي’ ويؤثر الحزبية الخاصة على المصلحة العامة كما قال البوطي – بعد انّ اقرّ بفضله وعلمه – وفي الدين سعة للاختلاف في الرأي.
ان القرضاوي والبوطي متآمران على النظم العلمانية وكلاهما أصوليان، لكن الأول ثوري والثاني اصلاحي.
ان القرضاوي شيخ وفاضل ولكنه اخطأ في قراءة الحساسيات السورية، بسبب هامش الحرية المصري والقطري الذي لا تتسع له كوريا الشمالية.
مازوشية
حرصت الفضائيات السورية على استفتاء الناس حول حالة الطوارئ وإظهار الاحتجاجات على أنها مطالب خدمية، وأنها احتجاجات حاجات لا حريات، وقضت وقتا أمام مطالب ظهر أنّ بطلها الأوحد هو مشفى كفر بطنه!
الاستفتاءات المختارة بعناية تظهر الناس وكأنهم ضد حالة الطوارئ، وسعداء بها، و’مازوشيون’ ، أو أنهم لا يعرفون معنى الطوارئ حتى أن احدهم ظنّ أنّ المقصود بها ‘طوارئ الكهرباء’ التي تقوم بصيانة الأعطال؟ هل هنالك شعب يطلب إلغاء فرق صيانة الأعطال الكهربائية؟ تريدون أن نبقى في العتمة يا مندسين يا ظلمة؟ سلام الله على الأغنام.
الصلاة في المظاهرة اليمنية
ظهر إعلامي رسمي يمني يشكك في صلاة المتظاهرين اليمنيين في تعز، كان الرصاص ينهمر والدخان ‘المسيل للأرواح’ يمضغهم بين فكيه. الإعلامي الرسمي اليمني السعيد زعم أنهم يمثلون ويصلون من غير وضوء؟ الجدع لا يعرف كيمياء الثورات وفيزياء الموت والحياة وبيولوجيا الحرية؟ هكذا كان يحدث في الثورة المصرية، عندما يحزب المتظاهرين أمر، يفزعون إلى الصلاة؛ لأمرين: الأول هو الإحساس بخطر اقتراب الموت والرغبة في الاستشهاد وهم اقرب ما يكونون إلى ربهم. الثاني بغرض إمالة قلوب الجند، وردعهم عن التعرض لمصلين يتضرعون الى الله؟ لكن يظهر أنّ البلطجية يعتبرون الاتصال بالله تآمرا على الوحدة الوطنية، باعتباره ‘جهة خارجية’؟
متظاهرو الثورات شهداء تحت الطلب… حتى الآن تحققت بفضلهم ثورتان، في تونس وفي مصر، ومن دونهما جنتان، مدهامتان؛ جنة الحرية في الأرض، وجنة الفردوس الأعلى في السماء..
‘ كاتب من كوكب الأرض
القدس العربي