النازحون السوريون في لبنان اللاجئون السوريون…مكابدة في العيش وغضب على الأسد
أكثر من نصف مليون شخص فروا من الأوضاع المأساوية في سوريا باتجاه لبنان، حيث يقيمون الآن في ظل ظروف معيشية غير إنسانية: في أبنية لم يكتمل بناؤها وأماكن مهدمة وخيام صنعوها بأنفسهم وفي أماكن إقامة جماعية. سوزان شميلتر زارت المنطقة وتطلعنا على مشاهداتها.
الطريق من بيروت إلى الحدود السورية باتجاه دمشق تمر عبر سهل البقاع. وتصطف على جانبي الطريق محلات تجارية وبيوت سكنية ومفارق مؤدية إلى المدن والقرى. وهناك على حافة الطريق، بالقرب من أحد المتاجر المحلية تقف سهير مع حوالي 150 شخصا آخر من رجال ونساء وأطفال من سوريا ينتظرون في ذلك المكان توزيع مواد غذائية تم التبرع بها لهم.
يتم أولا تسجيل أسماء العائلات وعدد أفراد كل عائلة، وبعدها يُطلَب من العائلات المجيء الواحدة تلو الأخرى، لتُوزع عليها المواد الغذائية. بتبرعات مقدمة من الجمعية الألمانية-السورية ومن المبادرة اللبنانية-السورية “سوا لأجل سوريا”، اشترى شيخ البلدة الخبز وأربعة أغنام ذُبحت وجُهّزت للتوزيع. وبعد نحو ساعتين تنال سهير اللحم والخبز لها ولأطفالها الثلاثة. بالطبع هي سعيدة لإشارة التضامن هذه، ولكنها غاضبة بنفس الوقت، فتقول: “هذا جيد، ولكنه لا يكفي إلا ليومين اثنين فقط”.
انتظار طويل من أجل وجبة طعام
كل هذا الوقت الطويل وسط جمع من الناس وهي تنتظر توزيع المواد الغذائية، لا يجعلها تُدرك بأنها أصبحت الآن في حاجة إلى مساعدة الآخرين فقط، ولكنها تجد أن الأمر مخجل أيضا: “لماذا يُعامَل السوريون بهذا الشكل أمام اللبنانيين؟ وبدلاً من الانتظار هنا في الطريق، أليس من الأفضل الذهاب إلى مبنى المجلس المحلي”.
ولكن يبدو أن الشعور بالخجل يتلاشى ويطغى عليه الغضب على نظام الأسد. تريد سهير أن تُبين التغير في ظروفها وكيف بات عليها أن تعيش الآن: في الطابق الأول من مبنى متواضع غير مكتمل البناء استأجرت غرفتين مقابل 150 دولارا لتعيش فيهما مع عشرة أشخاص آخرين. ثم تخرج إلى الشرفة غير المجهزة بعد والمطلة على الشارع، ثم تشير إلى الشارع وتقول ساخرة: “هذا هو الكورنيش”.
الحياة في أدنى مستوياتها: وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تسود جزئيا ظروف كارثية في أماكن تواجد اللاجئين السوريين؛ هناك نقص في المياه والمواد الغذائية والأدوية. وعودة قريبة للاجئين إلى وطنهم تبدو أمرا بعيد المنال حاليا.
في الواقع هي محقة بطريقة أو بأخرى: هذه الشرفة البيتونية المتواضعة، وعلى عكس الأقسام الداخلية لهذا المسكن القاتم، تتميز بأن لها أبعادا محددة. في الداخل تتسرب الرياح من خلال اللبنات الخرسانية الخام، فيما يفتقد المكان لأنابيب المياه والتدفئة، بل ويفتقد حتى للأبواب. عدد قليل من الوسادات والفرش الإسفنجية تم اسنادها إلى الجدران الجرداء. سهير الحزينة تقول: “إنه لمن العار أن نعيش هكذا”.
إحدى جاراتها تشير إلى الحطام الموجود في الطابق الأرضي المفتوح وتقول: “انظروا ماذا فعل بشار بالشعب السوري! في البداية كنا نحبه، ولكن الطريقة التي تصرف بها، جعلتنا جميعا نكرهه”.
سياسة اللاجئين في لبنان
على الرغم من أنه يُسمح لللاجئين السوريين الدخول إلى لبنان دون تأشيرة دخول، ولكنهم لم يجدوا الحماية والأمن إلا بشكل محدود هناك. التوازن الأمني والسياسي في لبنان لا يزال هشا للغاية، ومسألة موالاة ومعارضة الأسد تزيد من انقسام المجتمع اللبناني.
هياكل الدولة لم تتطور بشكل مكتمل، وقدرة الحكومة اللبنانية على فرض سلطتها ضعيفة في كثير من الأحيان، بسبب نظام المحاصصة الطائفية الذي عفا عليه الزمن، وبسبب الفساد، وتوسع نفوذ حزب الله. وبالتالي فإن تعاملها مع مسألة اللاجئين السوريين لن يخرج عن هذا الإطار، فالحكومة ليس لديها استراتيجية واضحة تجاههم.
ولكنها تتيح حرية العمل لمساعدة اللاجئين للمنظمات غير الحكومية الدولية منها والمحلية، وللمبادرات الدينية والعلمانية، وكذلك للمنظمات الحكومية الدولية. وبينما تم تصميم السياسة الحكومية بخصوص اللاجئين على مبدأ “دعه يعمل”، إلا أنّ لدى الحكومة خطاً واضحاً تتّبعه بشكل صارم: لا مخيمات جديدة لللاجئين.
والسبب هو تجربة المخيمات الفلسطينية التي أُنشِئَت في عامي 1948 و 1967. إذ كان ينبغي أن تكون تلك المخيمات مؤقتة في البداية، ولكنها استمرت، لتنشأ هياكل مستقلة لعبت دورا رئيسيا في الحرب الأهلية اللبنانية.
ومع ذلك، هناك عدد قليل مما يسمى مخيمات العبور أو مخيمات الاستقبال. بلدة المرج، التي تقع على بعد حوالي خمسة كيلومترات من الحدود السورية، تبرعت بقطعة أرض لهذا الغرض. وبالتعاون بين مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والحكومة السعودية وجمعيات خيرية إسلامية أقيم هناك مخيم استقبال دخل في الخدمة منذ أواخر عام 2012.
رئيس المجلس البلدي في المرج يقول: “لدينا هنا حوالي 300 لاجئ يقيمون في 36 خيمة. هناك مرافق صرف صحي ومطابخ. وهناك أيضا إمدادات بالمياه والكهرباء. ولكن للأسف لم يحصل الأطفال حتى الآن على فرصة للذهاب إلى المدرسة”. الشيخ المحلي ومدير المخيم متفقان على أن “ظروف المعيشة هنا مازالت صعبة، ولكنها أفضل بكثير من العديد من الملاجئ الأخرى في سهل البقاع”.
“اللاجئون في سهل البقاع لا يعرفون ما الذي سيجلبه اليوم التالي. يفتقدون في كثير من الأحيان للخدمات الأساسية. وفي الوقت نفسه لا يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة فقط، ولكن أيضا من أجل الكرامة، من أجل أن يمنحوا أطفالهم وأنفسهم مغزى لما يحدث حاليا “، كما تكتب سوزان شميلتر.
صعوبة العيش
وهذا ما يمكن ملاحظته على بعد بضعة كيلومترات من المخيم. في قرية صغيرة، وبالتحديد في سجن سابق يقع على سفح جبل، يعيش 120 شخصا في مبنى ضيق. الساحة الداخلية غير مسقوفة، والجدران رطبة. أربع عائلات تتقاسم مطبخا جهزته في غرفة باردة بجدران متعفنة.
في إحدى الزوايا توجد كميات قليلة من الزيت وبعض الإمدادات الأساسية الأخرى. الرفوف والطاولات والكراسي غير موجودة هنا. فيما وزّعت وكالات الإغاثة الفرش والبطانيات. أما غرف الإقامة فهي عبارة عن زنازين جماعية سابقة، بينها زنزانتان اثنتان كانتا تستخدمان للسجن الانفرادي، والبطانيات المعلّقة على مدخل كل زنزانة صارت ستارا وحلّت محل الأبواب.
الأطفال يتقافزون في كل مكان، وحتى خارج السجن لا توجد مساحة كافية لكي يلعبوا. وعلى الرغم من أن المكان يفتقر إلى الضروريات في كل شيء، يقول رب إحدى الأسر الآتية من حلب: “نحن لا نريد أن نكون لاجئين. لا نريد صدقات. نريد المساعدة، كي نتخلص من بشار. وبعدها سنعود إلى بلدنا لنعيد بناءه”.
ولكن نهاية سريعة للصراع في سوريا لا تبدو في الأفق. والآمال بعودة سريعة تتلاشى يوما بعد يوم.
أغنية ساخرة عن بشار الأسد
عدم وجود مخيمات رسمية أمر له إيجابياته أيضا، فهذا يمنح اللاجئين حرية البحث عن مكان للإقامة في لبنان. الصحيفة اللبنانية “ديلي ستار” أشادت بعدم وجود مخيمات لجوء ونقلت عن مديرة “مركز أكسفورد لدراسات اللاجئين”، دون تشاتي، تصريحها أن اللاجئين يمكنهم أن يحافظوا على استقلاليتهم بشكل أفضل خارج المخيمات. إضافة إلى أن الكلفة تكون أقل على الدولة بأن تدعم الهياكل القائمة بدلا من بناء مخيمات جديدة وتشييد بنية تحتية لمدن بأكملها.
وعلى قطعة أرض على سفح التل المقابل، تجمّع عدد من العائلات، التي بنت بشكل مستقل مخيما بسيطا باستخدام بطانيات وقُضبان وكتل خرسانية. وفي إحدى الخيم يتحلق أفراد أسرة حول مدفأة تعمل بالوقود ولكن بتوفير شديد. ويروي الأب كيف كان عليهم أن يفروا من إحدى ضواحي مدينة دمشق، وأن ابنه انضم للقتال في صفوف الجيش السوري الحر.
الشمس أخذت بالغروب، وبدأ الليل يضرب أطنابه فوق الجبال في جو بارد. الأطفال يرفعون أيديهم بعلامة النصر، ويرددون في الوقت نفسه أغنية تسخر من بشار الأسد على أفضل نحو. في لبنان يشعرون بالأمان أكثر من سوريا، ولكن الحرب على الجانب الآخر من الحدود قريبة جدا. وباستمرار يعبر بعض المقاتلين الحدود في الليل. اللاجئون في سهل البقاع لا يعرفون ما الذي سيجلبه اليوم التالي. يفتقدون في كثير من الأحيان للخدمات الأساسية. وفي الوقت نفسه لا يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة فقط، ولكن أيضا من أجل الكرامة، من أجل أن يمنحوا أطفالهم وأنفسهم مغزى لما يحدث حاليا.
سوزان شميلتر
ترجمة: فلاح آل ياس
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013