صفحات العالم

الناشطات السوريات، دعامة خفية لا غنى عنها للثورة

 

مونيكا بريتو – كوارتو بودير

ترجمة: الحدرامي الأميني

آلاء، الشابة النحيفة والمتحفظة التي تتمتع بقوة هائلة في نظرتها، احتاجت إلى نصف عام للانضمام إلى الثورة السورية. “أردتُ القيام بذلك منذ البداية لكن زوجي رفض، بالنسبة إليه كان الخروج إلى الشوارع والاحتجاج علناً أمراً مخيفاً”، تشرح لنا بصوت هادئ في إحدى الكافتيريات بطرابلس الصاخبة، العاصمة السنية للبنان وملجأ سوريين كثيرين. “أقربائي وصديقاتي شاركوا، وأنا لم أستطع البقاء في البيت بينما يناضل الآخرون في سبيل مستقبلنا” تقول مسوِّغة. وهكذا قررت الشابة الجميلة، ذات التسعة عشر عاماً فقط، التخلي عن زواجها من أجل المشاركة في الثورة ضد الديكتاتورية. رغم أن ذلك كلفها الانفصال عن ولدين، عام ونصف وثلاثة أعوام، مجرد ذكرهما يجعلها على حافة البكاء. “يا لطفليَّ الصغيرين”، تتأسف عندما تتذكر أنهما موجودان مع والدهما.

في الوقت الحالي، أصبح لآلاء عائلة أخرى كبيرة تعتمد عليها. وتتألف من حوالى سبعمائة من عائلات النازحين من حمص الذين، بعد هروبهم من القصف، وجدوا ملجأً لهم في دمشق. إن مجرد ذكر حمص، المحافظة الثائرة، في بطاقات هوياتهم يجعلهم عرضة للاعتقال على أيدي أجهزة الاستخبارات السورية، وهكذا فإن الشابة السورية بحثت في عدد من الفنادق الخاصة حيث يمكن إيواؤهم: وافق مالكو هذه الفنادق على أن يُدفع لهم من أجل أن يغضوا طرفهم عندما يستقر المستأجرون الجدد غير المرغوب فيهم في غرفهم. المجلس الوطني السوري ورجال أعمال في المنفى يتولون تغطية نفقاتهم الكبيرة.

“في البداية، عنما انضممت إلى الثورة، انشغلت بنقل الإمدادات الطبية من دمشق وحلب إلى حمص. ولكوني امرأة، لم أكن مسجلة على نقاط التفتيش. لكن منذ شهرين أو ثلاثة، أعمل حصراً بمرافقة عائلات اللاجئين إلى دمشق والبحث عن مكان يؤويهم”. بعد سقوط حي بابا عمرو في أيدي جيش بشار الأسـد، ارتفع عدد النارحين بشكل كبير وزادت معه مسؤوليات هذه الناشطة. “لقد تعاملتُ مع ألف من الأُسَر في دمشق، لكن لا بد أن هناك عدداً أكبر من ذلك بكثير”. لايتضمن عملها الإيواء وحسب: إنها تحضر كل يوم، من غرفة إلى غرفة، لتوزيع الطعام والسؤال عن احتياجاتهم”. “لا يستطيعون الخروج من الفندق، كل حمصي هو شخص مطلوب، وإذا تعرض للإيقاف على أحد الحواجز، سيكون مصيره السجن” تضيف الناشطة.

مثل آلاء، كثيرات هنَّ النساء اللواتي اضطلعن بدور بارز في الثورة السورية، بتنظيم المسيرات، والمساعدة في أعمال الإسعاف بعد هجمات الجيش، وبشكل خاص، بجمع الأموال وكسر الحصار العسكري بالإمدادات اعتماداً على فساد الضباط أو على ذكائهن، مستغلات وضعهن كنساء، وهو الأمر الذي يضفي عليهن ضعفاً ظاهراً في أعين مجتمع تقليدي كالمجتمع السوري.

بعض النساء يلعبن دوراً صامتاً لكن لا يستغنى عنه، كنورا الجيزاوي، ذات الأربعة وعشرين ربيعاً التي اعتقلت في دمشق في بداية آذار| مارس. “نورا هي الثورة. إنها على  تواصل مع سوريين في جميع أنحاء البلد، وتعلم كل ما يحدث. أسست وكالة للأنباء على شبكة الانترنت توفر معلومات مفصلة عمّا يحدث في سـوريا كلها، كانت تحثّ على المظاهرات النسائية، كانت فاعلة جداً على الشبكات الاجتماعية، تطلب الأدوية والألبسة للأطفال في المناطق الأكثر تعرضاً للقصف”، كما تشرح واحدة من قريباتها، تفضل إبقاء هويتها مجهولة. “كانت على الشبكة دائماً، سواء أكانت الساعة السادسة صباحاً أو السادسة مساءً” يضيف عمر، واحد من الناشطين في المركز الإعلامي ببابا عمرو. “دائماً عندما كنتُ أقول لها إن عليها أن ترتاح، كانت تجيبني: في هذه اللحظات هناك مدينة أو قرية تتعرض للقصف. عليَّ أن أُخبرَ عن ذلك”.

في مقابل ذلك، اختارت نساء أخريات القيام بخطوة إلى الأمام، وتغلَّبن على مخاوفهن الخاصة. كحالة ريما دالي، ذات الثلاثة والثلاثين عاماً، المعروفة بذات الرداء الأحمر، والتي تحولت بادرتها البسيطة إلى شكل من أشكال الاحتجاج. في الثامن من نيسان| أبريل توجهت ريما إلى مقر البرلمان السوري، وأمام أبوابه وقفت، مرتدية رداء أحمر، وعرضت لافتة تقول: “أوقفوا القتل، نريد أن نبني وطناً لكل السوريين”.

اعتُقلت مباشرة، لكن ما جهلته السلطات هو أن بادرتها تحولت إلى تيار. فبعد يومين، رفع شابان لافتة حمراء مع الشعار نفسه أمام قصر العدل. واعتُقلا أيضاً. وبعد مرور يوم آخر، اعتُقلت ثلاث فتيات وشاب في العاصمة في حادثة مشابهة. في الخامس عشر من نيسان| أبريل عرضت مجموعة من الشباب لافتة “أوقفوا القتل” أمام وزارة الداخلية السورية.

النشاط النسائي السوري مؤثر جداً رغم كونه ملحوظاً بدرجة أقل كثيراً من النشاط الذكوري. المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان رزان زيتونة، واحدة من وجوهه الأكثر شهرة، اضطرت للتواري عن الأنظار إثر معرفتها بأنها أصبحت مطلوبة من قِيَل النظام بسبب إدانتها للجرائم ضد المدنيين. الممثلة فدوى سليمان، التي تحولت إلى رمز لحمص ولتعددية الثورة السورية -هي من الطائفة العلوية، واحدة من انشطارات التشيع التي تنتمي إليها عائلة الأسـد وأعوانه- انتهت إلى الهروب إلى أوروبا بعد أشهر من العيش متواريةً عن الأنظار لتفادي الاعتقال.

بعض النساء، مثل الممثلة مي سكاف أو المدونة رزان غزاوي، تم اعتقالهن وأُطلق سراحهن في وقت لاحق، لكن أخريات لم يكن لهن هذا القدر من الحظ. هذه حالة طل الملوحي، التي تُعَدُّ سجينة الضمير الأكثر شباباً في العالم العربي: تم اعتقالها عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها عندما لم يكن أحد في سوريا ليجرؤ حتى على التفكير في الثورة، في السابع والعشرين من كانون الأول| ديسمبر 2009. بعد تسعة أشهر من انقطاع أخبارها، أدانتها المحكمة وحكمت عليها بخمس سنوات من السجن بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة. حدث ذلك في الخامس عشر من شباط| فبراير 2011 عندما بدأ مَثَل الثورات العربية ينتشر في سـوريا. الحملات الدولية لإطلاق سراحها لم تلق آذاناً صاغية، وتحولت هذه الشابة الشاعرة، التي اعتادت الدفاع عن فلسطين في مدونتها وكانت تنتقد واشنطن بشكل قاسٍ، تحولت إلى رمز آخر لسـوريا.

ياسمين، في الأربعين، رغم أنها ترفض الكشف عن عمرها بخليط من الخجل والغضب، تعتبر أن تحولَّها إلى ناشطة أمر طبيعي. فمنذ بداية المظاهرات، انضمت هي وابنها الوحيد، عابد، الشاب الجامعي، إلى الاحتجاجات. لكن بعد مرور أسابيع لم يعد ذلك وحده كافياً.

“تفرغتُ لتنظيم مظاهرات نسائية ولمساعدة ذوي الإصابات الخفيفة في الاحتجاجات. تعلمنا أن نتصرف بسرعة. خلال أيام الأسبوع، كنت أرسل ابني للبحث عن أكياس بلاستيكية وتجهيزها لجمع عبوات غاز الأعصاب بطريقة آمنة وإلقائها بعيداً عن الحشد”. كل ذلك، في انتظار احتجاجات يوم الجمعة. الخطوة التالية، تواصل ياسمين، كانت تنظيم فريق من النساء “اللاتي يقمن بدور كمحطة التوقف في سباق الفورمولا واحد. نُجمِّع المشروبات الغازية والغِراء والبصل، وكذلك كمَّامات مرتجلة ضد الغازات، في الكراجات وممرات البيوت القريبة من المظاهرات. كان الناس يأتون لأخذ الأشياء الخاصة بمكافحة الغازات وكانوا يحضرون لنا المصابين، أما الحالات الأكثر خطورة بينهم، فكان فريق آخر يحملهم إلى المستشفى الميداني. الجزء الأخير من عملنا كانت تنظيف الكراجات من الدماء ومخلَّفات الإصابات البشرية”.

ياسمين، التي كانت تدير قبل الثورة محلاً للألبسة في الإنشاءات، بحمص، والذي نهبه الشبيحة، حسب شهادتها، انتهت إلى تنظيم المظاهرات النسائية في عدة أحياء من حمص. عندما حاصر الجيش حي بابا عمرو، في بداية العام، اهتمت بتأمين المسكن لخمسين نازحاً، أسكنتهم في بيوت أقربائها. في بعض المرات كانت تحضر معهم إلى نقاط التفتيش لمساعدتهم على العبور. “في بعض المناسبات، كنت أتكلم مع الجنود. كنت أطلب منهم أن لا يطلقوا النار علينا، وأن يطلبوا منا ما يحتاجون إليه، فنحن أخوة. كنت أطلب منهم الانشقاق. لكنهم تربوا على أنهم عبيد الأسـد، وليس كأبناء سـوريا، ومن يعارض منهم يهددونه بالقتل”.

خلال حصار حمص في شباط| فبراير تحولت ياسمين إلى عنصر أساسي في حي الإنشاءات: كان بيتها قريباً جداً من مستشفى الأمين وكانت واحدة من الأشخاص القليلين الذين يستطيعون الوصول إلى المركز الطبي بدون التعرض لرصاص القناصة. كانت تحمل الطعام إلى الجرحى، وفي بعض الحالات، كانت تؤويهم في بيتها أمام خطر تعرضهم للاعتقال أثناء دخول العسكريين إلى المركز الطبي. بعد أن قصفوا بيتها، قررت الخروج من الحي، وبعد ذلك من البلد كله. اليوم، ومن الجار لبنان، تبدو ياسمين مستعدة لاستئناف عملها. “الرجال يتظاهرون من أجل حريتنا، ونحن أيضاً، لا يوجد أي فرق بيننا”.

http://www.cuartopoder.es/elfarodeoriente/las-activistas-sirias-pilar-invisible-e-imprescindible-de-la-revolucion/2805

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى