النزاعات العربية واللاجئون وأزمة الرغيف/ فيتو إنتيني
للنزاعات آثار هدّامة على الأمن الغذائي، بل إن انعدام الأمن الغذائي هو مصدر للنزاع ونتيجة له. وقد حدد الباحثون محركات متنوعة للنزاع، منها الفقر، بطالة الشباب، التفاوت في الدخل، الوصول إلى الأراضي والموارد الطبيعية، الضغوط السكانية، الخصائص الجغرافية، توافر الموارد الطبيعية والحوكمة الضعيفة. ويعني ضعف نظم الحوكمة أن هناك آليات قليلة للحدّ من عواقب النزاعات وإدارتها، وتكاليف أعلى ترتبط بإجراءات جماعية، ما يزيد خطر حدوث نتائج عنيفة.
تم اعتبار انعدام الأمن الغذائي أخيراً مصدراً للنزاع، خصوصاً في وجود عوامل اقتصادية واجتماعية متزامنة معينة، مثل توقف النمو الاقتصادي، والتفاوت الأفقي المرتفع بين الجماعات، ووجود انتفاخ «شبابي». وتبين أن ارتفاع أسعار الغذاء يزيد كثيراً خطر حدوث اضطرابات سياسية ونزاعات. فغالباً ما تحدث أعمال الشغب المتعلقة بالغذاء كرد فعل لارتفاع أسعاره.
لكن عملياً، خصوصاً في المنطقة العربية، يعمل انعدام الأمن الغذائي كـ «مضاعف للخطر»، من خلال إضافة ضغط على السكان الذين يعانون أصلاً من بطالة وتهميش وكبت وتاريخ من النزاعات. ومع أن انعدام الأمن الغذائي لم يكن تاريخياً المصدر الرئيسي للنزاعات في المنطقة، فإن توفير أمن غذائي أكبر، كجزء من برنامج فعال لتخفيض وطأة الفقر، يمكن أن يكون وسيلة لتخفيف حدة النزاعات.
ثلاثية النزاع والفقر وانعدام الأمن الغذائي
في السنوات الأخيرة، واجهت ستة بلدان عربية سلسلة من النزاعات المسلحة والعنف السياسي أثرت مباشرة في الأمن الغذائي، وهي العراق وسورية ولبنان وفلسطين والسودان واليمن. وثبت أن الوضع خطير، خصوصاً في أماكن مختلفة من فلسطين والسودان واليمن، حيث انعدام الأمن الغذائي شائع ومعتاد أحياناً. ونتيجة للنزاع القائم، تتحول سورية باضطراد من انعدام حاد للأمن الغذائي إلى انعدام شائع ومعتاد. وتعرض العراق لمشاكل حادة في نقاط معينة تشهد حالياً مزيداً من التدهور. ويواجه لبنان الآن كارثة إنسانية غير مسبوقة بسبب الأزمة السورية.
العلاقة بين النزاع والفقر وانعدام الأمن الغذائي قوية جداً في المنطقة. في اليمن والسودان وسورية، تمثل الزراعة وسيلة العيش الرئيسية لغالبية السكان الريفيين. وفي اليمن، ارتفع التضخم وفق مؤشر الأسعار الاستهلاكية بنسبة 22.7 في المئة عام 2011، مدفوعاً في شكل كبير بارتفاع أسعار الغذاء في خضمّ عدم استقرار سياسي كبير، بالمقارنة مع 10.5 في المئة عام 2010. واتضح نمط أكثر تطرفاً نتيجة الأزمة السورية عام 2012، فبلغ التضخم 32 في المئة، واستمر عام 2013. هذه الارتفاعات في أسعار الغذاء فاقمتها اضطرابات النقل والتوزيع نتيجة المخاوف الأمنية وتآكل البنى التحتية. وفي السودان، زادت أسعار السرغوم والدخن خلال الربع الأول من عام 2014، بأكثر من 100 في المئة من الخط التصاعدي لمعدل السنوات الخمس الماضية، نتيجة مشاكل تتعلق بالعرض، فضلاً عن انخفاض قيمة الجنيه السوداني ورفع الدعم عن أسعار الوقود. وشمل انعدام الأمن الغذائي في اليمن 45 في المئة من السكان عام 2011، مقارنة بـ32 في المئة عام 2009. وفي عام 2013، تأرجح حول 42 في المئة، بمن فيهم 47 في المئة من الأطفال تحت سن الخامسة. والوضع أسوأ في السودان، حيث الحال إلى مزيد من التدهور.
ويواجه النازحون داخلياً واللاجئون انعدام الأمن الغذائي الأكثر تطرفاً، وفق ما توضحه أمثلة من فلسطين والسودان وسورية. وفي بعض الحالات، أعاقت الحكومات أو القوى المتمردة العمليات الإنسانية في مناطق النزاع، ما فاقم وضع المدنيين وزاد عدد النازحين واللاجئين. ووفق بيانات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لعام 2014، المنطقة مصدر ومضيف لأكثر من نصف اللاجئين المسجلين رسمياً في العالم، أي 8.8 مليون من أصل ما مجموعه 16.7 مليون، ونحو 40 في المئة من النازحين محلياً في العالم، أي نحو 9.7 مليون من أصل نحو 24 مليون في أنحاء العالم. ونصف اللاجئين تقريباً هو من الأطفال. وقد أفرزت الأزمة السورية وحدها، حتى اليوم، أكثر من 3 ملايين نازح وهجرت نحو 6.5 مليون شخص. وخلال أسابيع في حزيران (يونيو) 2014، أدت الأزمة العراقية إلى نزوح أكثر من مليون شخص. وتوحي التوقعات لسنة 2014، بزيادة إضافية لأعداد اللاجئين والنازحين محلياً في المنطقة.
حلول من الداخل
تحركت المساعدات الإنسانية في شكل متزايد لتسهيل التكيف في المناطق المتأثرة بالنزاعات. على سبيل المثال، اعتمد برنامج الغذاء العالمي قسائم تعطى وفق سندات قيد، مع توسيع المساعدات المستندة إلى السوق في دارفور وإلى اللاجئين السوريين في الأردن (من خلال الاعتماد أخيراً للقسائم الإلكترونية). هذا مهم في شكل خاص، نظراً إلى أن المساعدات الغذائية تمثل معظم المساعدات الإجمالية في كثير من الحالات الطارئة الإنسانية في المنطقة، كما في السودان.
في كثير من هذه الأوضاع، يبدو أن أحد النماذج الشائعة هو تدهور الحوكمة، على الأقل كما يشعر عموم السكان. في اليمن، على سبيل المثال، الثقة بمعظم مؤسسات الدولة هي أدنى من 40 في المئة وفق إحصاء «غالوب» عام 2011. وتتمتع المؤسسات العسكرية والدينية بمستويات أعلى من الثقة. وقد يسمح ضعف نظم الحوكمة بتطور النزاعات الطائفية إلى نزاعات مدنية، كما في حالتي دارفور والعراق، خصوصاً عندما يبدو أن الحكومات تؤيد مجموعة طائفية معينة.
مبادئ لسياسات ناجحة
ينبغي أن تتوجه برامج الأمن الغذائي إلى تقوية مرونة الجماعات المحلية والمؤسسات الوطنية وقدرتها على التحمل و»الشفاء». وهذا يمكن تحقيقه من خلال المبادئ الآتية لتنفيذ السياسات والبرامج:
– البدء بتقويم عادل ونزيه للاقتصاد السياسي.
– تصميم برامج بسيطة ذات نتائج واضحة ويمكن قياسها.
– التركيز على بناء قدرة المؤسسات الوطنية، بما فيها الجماعات السكانية المحلية ومنظمات المجتمع المدني.
– مراقبة الآثار المباشرة وغير المباشرة وتحليلها لتنفيذ السياسات والبرامج.
– التركيز على البرامج التي تربط بين القطاعات.
في الخلاصة، تتقاسم المنطقة العربية كثيراً من التهديدات المشتركة والتحديات المستقبلية، بما في ذلك تغير المناخ، وتدفق النازحين، واستنزاف الموارد الطبيعية، والهجرة، والتصحر، والتحديث الاقتصادي. لذلك، فإن توفير فرص اقتصادية جديدة وأمن غذائي يجب أن يأتي من داخل المنطقة. لكن لدى المنطقة العربية أحد أدنى مستويات التكامل الإقليمي في العالم. وإضافة إلى النزاع، تمكن نسبة ذلك إلى غياب الاستثمار في تطوير أسواق إقليمية.
مادياً، تفتقر المنطقة إلى بنية تحتية لوجيستية من أجل ربط الأسواق. ومؤسسياً، تفتقر إلى إطار مشترك للسياسات من شأنه تخفيض تكاليف المعاملات.
ثمة مجالات لهذه الاستثمارات في برامج تنمية تتجاوز الحدود الوطنية، ممولة إقليمياً، تتولى تمويل مشاريع التحديث الزراعي، وتكامل التجارة، وأدوات مالية جديدة. أولاً، الحلول الإقليمية للمشاكل ستضمن للمنطقة ملكية الحل. ثانياً، الأصوات والمخاوف وأفكار الحلول لمشاكل المنطقة تُسمع بوضوح أكبر أثناء تطور الحلول. ثالثاً، القدرة المؤسسية تبنى في المنطقة.
لكن، من أجل الانتقال إلى تنسيق إقليمي أوثق، لا بد من إصلاحات جوهرية للحوكمة مبنية على المشاركة والمحاسبة والشفافية وحكم القانون.
* رئيس قسم الإدارة والتخطيط في «إسكوا»