النساء في سوريا: ثورة ونص: هنادي زحلوط
هنادي زحلوط
معرفتي بـ ملك بدأت قبل الثورة بسنوات، كنا نتناقش مطولا، وعلى مدى أشهر في كيفية تحريك الشارع ضد القوانين التمييزية التي تنتقص من حقوق النساء وتعنفهن فيسوريا، كنا غير راضين عما يحدث، وأمضينا مع مجموعة من الشبان والصبايا، في جلسات شبه سرية، أشهرا نستعد لإصدار بروشور والنزول به إلى الشارع، لنتحدث إلى الصبايا والشبان حول القوانين التمييزية وحول رؤيتهم للقوانين التي يريدونها، وللدستور العادل الذي يحلمون به.
لم يكن من السهل مجرد تخيل وصولنا للشارع، في يدنا ما هو ممنوع حد السجن: منشور!
حتى وإن كان هذا المنشور يهتم بقضايا “النسوان” كما اعتاد رجال الأمن على التندر وهم يحققون مع ناشطات نسويات مثلنا، كيف سننزل للشارع؟ هل سينفض الناس من حولنا خوفا؟ هل سنتمكن من التحدث قبل أن تنقض علينا أيدي رجال الأمن لتقتادنا إلى جهة مجهولة؟
كانت كلها أسئلة مشروعة، حاولنا على مدى أشهر الإجابة عليها ونحن نعد لما يجب أن يكون عليه البروشور، حجمه وعدد أوراقه، وثنياته، وهل سيحتوي رسما كاريكاتيريا أم لا؟ ما هو عدد الكلمات الأفضل؟ ماهي الكلمات المفتاحية؟
أثناء ذلك دارت نقاشات لا تنتهي حول النساء والرجال في بلادنا، وحول الظلم ومنبعه، والتمييز ومصدره، كنّا ننقّب في مجتمع تراكمت ظواهره السلبية المتعاقبة حتى بتنا لا نعرف بالضبط مصدر كلّ منها، كانت النقاشات مغنية لنا، وكنا نتصور أن هذه النقاشات ستسهل في الوصول إلى روح واحدة للفريق وأنها ستسهل علينا العثور، في كلمات مقتضبة على أجوبة سيطرحها علينا الناس، في الشارع، حين ننزل إليهم!
كان أوان ثورة تونس قد لاح في الأفق عندما تعبت روح ملك الوثابة للحرية من كل هذا الكلام، قررت عدم انتظار البروشور والمضي قدما في مبادرتها التي أطلقت عليها اسم “تيشرت”، وقالت بوضوح عبر صفحتها عبر الفيس بوك أنها ستكتب عبارة على تيشرت أبيض تلبسه، وأن العبارة ستتغير كل فترة، كتبت على أول تيشرت لها: أنا ضد جرائم الشرف، وأطلقت العنان لخيالها وهي ترتديه متخيلة العبارات التالية.
شعرت بالغيرة منها وأنا أراها تجتاز شارع الحمرا حيث كانت تعمل، تثير استنفار الناس في الشارع، وتثير نقاشاتهم وهم يقرؤون: أنا.. ضد.. جرائم.. الشرف.. بعضهم كان يقطب حاجبيه استنكارا، ومنهم من قال لها: برافو، وعجوز بروح شابة صفّق لها معجبا!
كان لي شرف مشاركتها في ارتداء التشيرت، كانت مهمتي لا تقل صعوبة، يومها كنت موظفة في إحدى وزارات الدولة، وكان الموضوع مخاطرة أمنية مضاعفة بالنسبة لي.
لكن النتائج لم تكن سيئة مطلقا، خصوصا مع انتصار الثورة التونسية، ومن ثم المصرية، فقد بات يتم النظر بشكل مختلف إلى التيشرت وإلى العبارة عليه، والطريقة السافرة في ارتدائه، لقد بات الخوف من القضايا السياسية هو الأكثر أولوية، وبات النقاش مفتوحا أمام قضايا المجتمع، التي تعتبر ثانوية إزاء ذلك، لكنهم لم يكونوا يعون أن الفتيات اللواتي عرفن الطريقة الأكثر ثورية لإثارة القضايا الاجتماعية سيكنّ السبّاقات في معرفة الطريقة الأنجع لتحريك القضايا السياسية، وان النساء السوريات اللواتي عرفن التمييز والعنف الذي يلحق بهنّ، هن الأقرب لوعي التمييز والعنف الواقع على الإنسان السوري عموما، رجلا كان أم طفلا أم امرأة!
مضت الأشهر، إعتقلت ملك لثلاث مرات بسبب مشاركتها في المظاهرات المطالبة بحقوق السوريين، ولم يكن نصيبي من الاعتقال والملاحقة أقل قسوة.
لم يد يخيفنا النزول للشارع، وبتنا نتذكر تلك النقاشات بابتسامة.
إنها الثورة التي كانت النساء شريانها الأبهر، وصمام أمانها، وزهوة حياتها، فكانت مشاركتهن في الصميم، وفي القلب، وليس أقل من تورد الخدين يعكس نضارة هذه الثورة، ولن يكون مقبولا، عزلهن عن ثورتهن، ولن يكون مقبولا ايضا ألا تحفظ هذه الثورة حقوق نسائها، كما حقوق جميع مواطنيها.
وإلى حينها، دمت بخير يا ملك، ويا نساء بلادي
اللوحة للفنانة رندا مداح، وهي تشارك بلوحاتها في محور: بمثابة تحية إلى نساء سورية.