النظام السوري ومعادلة احتكار السلطة والمقاومة
أيوب سفر
بعض المثقفين العرب أصبح يعطي للنظام السوري تراخيص بقتل المحتجين والمتظاهرين بحسن نية أو بسوء نية، يتحدثون عن فشل الحركة الاحتجاجية في سورية في إخراج مسيرة مليونية كما في مصر أو اليمن، وإن كان بعضهم يحاول أن يظهر بمظهر المتوازن حين يطالب على الضفة الأخرى من حديثه بإجراء إصلاحات باتت ضرورية، وهذا النوع من التوازن المكشوف الذي يرقى إلى مستوى الاصـــطفاف مع النظام السوري يلعب دوراً في تمييـــع موقف الرأي العام العربي من المسألة السورية، وتالياً لا بد من توضيح بعض الحقائق المتعلقة بطبيعة الحراك السوري نفسه، وبعضها الآخر متعلق بطبيعة المدافعين عن النظام الســـوري من الخارج، خاصة أن هذه الأصوات هي من المؤيدة للمقاومة بوصــفها عنواناً عريضاً، ولـ’حزب الله’ بوصفه عنواناً محدداً لهذه المقاومة.
نعم لم تخرج مظاهرة مليونية في سورية، فخروج مثل هذه المظاهرة يفترض أولا نظام حكم لا مركزي تتوزع فيه مراكز الثقل، وتنقسم فيه مواقع القرار أمام حركة الاحتجاج، أو أن تكون هناك بعض المؤسسات العريقة والفاعلة التي تلتزم مبدأ الحياد من السلطة السياسية ما يصب في مصلحة المتظاهرين كما حدث في مصر.
النظام السوري لم يسمح منذ حافظ الأسد بأن يكون القرار موزعاً، بل كان دائما في يد نخبة قليلة من الرجال الموثوق بولائهم للرئيس، وهذا النهج ظل مستمراً في عهد الأسد الابن، ولم يكن اغتيال اللواء غازي كنعان قائد القــــوات السورية في لبنان سوى تعبير عن شراسة النظام في مواجــــهة أي خــروج عن الولاء، ومن المعلوم أيضاً أن الجيش السوري تراجع موقعه الداخلي لمصلحة أجهزة الأمن المتعددة، مع تحوله إلى مؤسسة لا تختلف في طبيعتها عن بقية المؤسسات، كونها مصدراً للرزق، في غياب التوجه السياسي نحو تحرير الجولان المحتل.
في سورية بات واضحا أن النظام السوري لم يتوان عن زج الجيش في الوضع الداخلي، وأن الجيش ما زال غير قادر على أن يكون مستقلاً عن إرادة النظام، وظل مبدأ التخوين الذي استعملته الأنظمة العربية، وعلى رأسها نظام البعث في سورية هو السائد، حتى بات المواطن السوري غير قادر على إبداء أي رأي معارض خوفاً من تخوينه لمصلحة أمريكا و’إسرائيل’ أو اتهامه بالوقوف إلى جانب الإخوان المسلمين، ومع كل هذه الحقائق التي باتت معروفة أو على الأقل يجب أن تكون كذلك خلال الفترة الماضية للمواطن العربي.
فإن بعض المثقفين العرب ما زالوا يمارســــون دفــــاعهم عن النظام السوري، مشــــككين في بعض الأحيــــان في وطنــــية الاحتجاجات الشعبــــية، وبعـــضهم يذهـــب إلى أبعد من ذلك قائلا إن أمريكا تقــــف خلف المعـــارضة السورية، وأن سقوط النظام السوري يخـــدم المشروع ‘الإسرائيلي’.
المدافعون عن النظام السوري بحجة وقوفه إلى جانب المقاومة اللبنانية والفلسطينية يخشون من سقوطه بحجة أن المقاومة ستفقد سنداً قوياً لها، وبالتالي فإن كفة معادلات القوة وتوازنها سترجح لمصلحة ‘إسرائيل’ وفي هذا التصور شيء من السذاجة السياسية غير المقبولة، فمن يتصور أن القوى الموجودة في المعارضة السورية ليست وطنية ولا تقف مع القضية الفلسطينية، أو أنها لن تدعم المقاومة أو أي شكل من المقاومة فهو مخطئ، ليــــس من منطق الرغـــبة، وإنما من منطق تاريخ المعارضة نفسها، فبعض قواعــــد تلك المعارضة قاتل إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية والقوى الوطنية أثناء الاجتياح ‘الاسرائيلي’ للبنان عام 1982، وهي جميعها ذات توجه عروبي في منطلقاتها النظرية، وفي جزء من احتجاجها على النظام احتجاج على صمته عن احتلال الجولان، وبعضها يرى أن الأفق الحقيقي للديمقراطية لا يمكن له أن يتشكل واقعاً حقيقياً من دون إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وهكذا فإن من يخشى على مستقبل المقاومة في لبنان فهو من باب أولى له أن يخشى من احتكار المقاومة من قبل حزب ما، أيا يكون هذا الحـــزب، أو طــائفة ما، أيا تكون هذه الطائفة، وإنما المقاومة يجب أن تكون مقاومـــة عربية لا مكان فيها لاحتكارات أو أحزاب أو طوائف، فإنما فشــل النظام السوري في تحقيق الحرية والتنمية داخلياً ما هو إلا نتيجة لتحوله عن مبدأ الدولة للجميع إلى دولة طائفة أو حزب، وما فشل المقاومة إلا نتيجة للأفق السياسي نفسه لتلك الأنظمة الذي يخشى من أن تكون المقاومة للجميع ومن أجل الجميع، ويخشى من تحولها من ورقة للمقايضة إلى قضية حقيقية تثبت مدى استثماره لها خارجيا، من دون أن تكون يوماً هماً حقيقياً يقض مضجعه.
‘ صحافي سوري مقيم في دبي