الهوية الضائعة/ ممدوح عزام
يُظهر السوريون المنشغلون بفكرة البحث عن الهوية، رغبة في الاقتتال مع الهويات القائمة، فضلاً عن محاولة إعادة النظر في “السورنة” ذاتها. أي أن الهوية “الجديدة” لا تُبنى إلا إذا أَلغت، أو دمّرت، الهويات السابقة، أو إذا أُعيد إنتاجها وفق معايير مختلفة تمنحنا تعريفاً بـ “السوري” يلائم الاقتراحات الجديدة التي تعيد النظر في التاريخ البعيد والقريب.
والملاحَظ أن البحث يقتصر لدى الجميع، وهم ينتمون إلى تيارات متصارعة أو متعادية، على التاريخ وحده. وبسبب “الخوف من الخرائط” التي تُعدّ في الخارج، تُعفى الجغرافيا الحالية من أي مسؤولية، كي تبقى مساحة من الأمان كافية لشتم التاريخ.
والحال، فإن كل فريق يزعم أنه يبحث عن هوية “سورية” ضائعة. وفي سياق بحثه، لا يتوانى عن توجيه التهم، وخوض الحرب، وتقديم المستندات، التي تثبت أن الطرف الآخر هو الذي ضيّع الهوية في الماضي، أو هو من يضيّعها ويمحوها، اليوم.
وفي هذا السياق، تؤجَّل الهوية العربية (وهي المتّهَم الأول في التاريخ لدى هؤلاء)، أو تُلغى، لصالح التأكيد على الهويات المقترَحة. والملاحظ أن التنديد بالعرب يأتي من كل الأطراف المشاركة في النزاع، خاصة حين يجري الحديث عن التواطؤ العربي، أو العجز العربي المستفحل في المواجهة مع المشاريع الأجنبية التي تتقاتل على الأرض السورية. وهناك من راح يكتب الشعر في قدح الأمة، على غرار النوّاب أو قبّاني.
ويُحمّل بعض هؤلاء عاطفة العروبة المسؤولية عن تأخّر تشكّل العاطفة السورية، أو تبدّدها، والحل في رأيهم أن يتم استبعادها، أو إزاحتها من رئاسة هموم الهوية، إلى الهامش.
فيما يسعى آخرون إلى تجميد الكلام عن الطبقات الاجتماعية، وتفرّعاتها الفئوية، من ساحات النقاش. وسوف يستتبع هذا هجمات عنيفة، ما تزال شفوية حتى اليوم، في معظمها، على الماركسية. فهذه النظرية “الميتة” في رأيهم، لا تقدّم أي محتوى مفيد للهوية. ذلك أن الهوية مفهوم جامع، موحّد، يمكن أن يكون رافعة طيبة للخروج من أزمات الاقتتال الأهلي. فيما يبدو مفهوم الطبقات الماركسي عائقاً في طريق الوحدة.
وبهذا فإنك تجد من يعتبر أن إلغاء الطبقة، يمكن أن يكون مدخلاً لتعبيد الطريق أمام مفهوم الهوية، كأن الطبقات مجرّد اختراع ماركسي، لا حقيقة واقعية.
وبناءً على هذا، فإن الكلام عن الصراع الطبقي أيضاً لم يعد ممكناً، أو متاحاً. فوجود الصراع الطبقي، يتطلّب الإقرار بانقسام الثقافة، حسب أحد الآراء، وهذا يعني أن البحث يتطلّب السؤال عن هوية مَن: البرجوازية، أم العمّال، أم الفلاحين، أم الإقطاع، أم الطلبة، أم المثقّفين، أم غيرهم ممن يسبّبون آلاماً في رأس الفكرة التي تريد أن تضم السوريين تحت جناحها؟
ويمكن للمثقّف هنا أن يهشّم الوجود العيني لصالح الفكرة المثالية “المخلصة” التي سينجم عنها، في ما لو استطاع، توحيد السوريين كافة وراءها.
لكن من هم السوريون الذين يعنيهم؟ لا يمكن لمثل هذه الهويات أن تُنجَز إلا في ظل التفكير الفاشي الذي يرى النجاح في الإقصاء، أو الإبادة، أو الترحيل، في حال “حسنت النوايا”.
العربي الجديد