الى أين سيأخذنا السلاح؟
فايز سارة
تزايدت في الآونة الاخيرة الدعوات لتسليح الحراك الشعبي في سوريا، واستندت تلك الدعوات الى فكرة، ان النظام مستمر في خياراته الأمنية بالتصدي من خلال القوة، للتظاهرات والاحتجاجات المتواصلة في المدن والقرى السورية، الأمر الذي يؤدي الى مزيد من الإصابات في صفوف المتظاهرين، وهو وضع يجد فيه انصار تسليح الحراك الشعبي مبرراً لهذا التوجه.
ودعمت عمليات اقتحام المدن والقرى التي يقوم بها الجيش والقوى الامنية بمشاركة مليشيات الشبيحة، الدعوات من اجل تسليح الحراك الشعبي، ذلك ان عمليات الاقتحام تترافق مع أعمال قتل واعتقال وتدمير ممتلكات مختلفة، ولا يمكن لهذه العمليات، ان تتم بسهولة لو تم تنظيم مقاومة مسلحة ضدها، كما يقول انصار التسلح ودعاته.
وتتعزز ذرائع الدعوة الى التسلح بالقول والسلوك الرسميين، وتدعمها حملات التحشيد والتجييش التي يتابعها الاعلام السوري بالحديث عن الجماعات الارهابية والعصابات المسلحة، وما تقوم به من عمليات تستهدف الجيش والأمن والمواطنين الآمنين، الامر الذي يوحي وكأن البلاد وسكانها، صاروا في اتون حرب شاملة، وتصب هذه جميعها في سياق ما يعتبر حملة تحريض مباشر هدفه دفع السوريين الى حمل السلاح للدفاع عن حياتهم وممتلكاتهم في وجه تهديدات ليست واقعية، او انها على الاقل لا تستحق مثل هذا التحشيد.
غير ان محرضات التسليح، التي تمهد للدخول في المواجهات المسلحة وتوسيعها، ما زالت تصطدم بمعارضة شعبية وسياسية واسعتين، كان قد تم التأسيس لهما منذ زمن طويل عندما قيل، إن مستقبل التغيير الديموقراطي سلمي الطابع، ثم جرى تأكيد ذلك مع انطلاق حركة التظاهر والاحتجاج في اواسط آذار الماضي، حيث بدأت تظاهرات السوريين واحتجاجاتهم بصورة سلمية، وكان شعار «سلمية سلمية» أحد أول وأهم وأكثر شعارات التظاهر شيوعاً.
ولم يخفف من حضور وأهمية الشعار، استمرار السلطات السورية بإطلاق الرصاص على التظاهرات، وإيقاع مزيد من القتلى والجرحى، ولم يحدث أي تغيير في مزاج وتوجهات المتظاهرين، بل إن الواقع زادهم إصراراً في القول والفعل نحو تأكيد سلمية الثورة، وإن كان ذلك لم يمنع من حدوث ردات فعل مسلحة من جانب اشخاص او مجموعات من افراد في بعض الاماكن والمناطق في إطار الرد على عمليات امنية وعسكرية، وربما تكون بعض هذه الاعمال اتخذت طابع الهجوم، لكنها في كل الاحوال، وبحسب ما هو معروف وشائع، ظلت عمليات محدودة، لا يمكن القول إنها اصبحت ظاهرة ملموسة ومكرسة، وإن كان الاعلام السوري وخاصة الرسمي ذهب الى قول إنها ظاهرة وواسعة الانتشار في اطار تبرير استمرار العمليات الأمنية والعسكرية في انحاء مختلفة من البلاد خاصة في ظل استمرار الانشقاقات في صفوف قوات الامن والجيش.
ورفض السوريين دعوات التسلح، وبالتالي الانخراط في مواجهات مسلحة سواء في مواجهة الجيش او في اطار حرب اهلية، انما يستند الى جملة من الاسباب، ومن الأسباب ان لدى السوريين ذاكرة محزنة عن تجربة العنف المسلح التي شهدتها البلاد في الثمانينيات، وما يزال السوريون يعانون من تبعاتها وتداعياتها.
إن الأهم في أخطار اللجوء الى التسلح، يبدو في انتقال المتظاهرين من تمثيلهم للاغلبية الشعبية بهمومها وطموحاتها بالتغيير الى صيروتهم طرفاً في مواجهة مع طرف آخر، وإن يكن بقدرات وإمكانيات اقل، والأخطر في تماثلهم المشوه مع قوة القتل التي ما زالت تتابع تدخلاتها العنيفة والدموية ضدهم منذ انطلاق الثورة، وأهم جوانب التماثل في انتقالهم من ثوار احرار الى قتلة، بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات سياسية وأخلاقية، لا يستطيع احد تحمل تبعاتها.
كما يندرج في أخطار اللجوء الى التسلح، إمكانية دفع الفئات «المحايدة» و«الانتظاريين» لدخول بوابة التسلح وما بعده، لأنه لن يكون في حالة التسلح العامة مكان لأشخاص او كتل غير مسلحة، ما سيؤدي الى تهيئة البلاد للذهاب الى حرب اهلية، وهي حرب ستكون في مستويات متعددة، سوف يتنقل المنخرطون فيها من حروب بين الجماعات والمناطق الى اخرى داخل الجماعات والمناطق وبالعكس. ان اندلاع الحروب الداخلية سوف يؤدي الى انتشار الحرب في المحيط الاقليمي الذي يعاني من حساسيات متعددة فيها السياسي والقومي والديني والطائفي.
لقد برهن السوريون في الاشهر الماضية من عمر ثورتهم على الطابع السلمي للثورة، وأكدوا رفضهم السلاح والعنف رغم الضغوطات التي مورست عليهم للتحول باتجاه السلاح وطريق العنف من جانب النظام الحاكم ومن جانب بعض المحسوبين على معسكر الثورة، وهم يؤكدون عبر مواقف جماعاتهم السياسية وكثير من قياداتهم الميدانية سلمية الثورة، ورفض فكرة التسلح، التي يمكن ان تأخذ ليس الثورة فقط، وإنما السوريين وكيانهم الى الخطر الأكيد.
الشرق الأوسط