صفحات العالم

امريكا وإيران.. تحديات في سورية والبحرين والقائمة تطول


د. رياض العيسمي

إن التكهن بحدوث عملٍ عسكري وشيك ضد إيران آخذ بالتراجع بالرغم من تعاظم الأسباب التي قد تؤدي إليه. وسبب هذا التراجع يعود إلى الإعتقاد السائد بأن أي عمل عسكري من هذا النوع لايمكن له أن يحدث دون موافقة الولايات المتحدة عليه، بل المشاركة فيه وقيادته. والولايات المتحدة قد لا تكون مستعده اليوم لأي عمل عسكري. وذلك بسبب إقتراب موعد إنتخابات الرئاسة فيها، والمقرر في 6 تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام. وإنه لا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يغامر بأية حرب من شأنها تعقيد الأمور وإضعاف فُرصِّهِ للفوز بدورة رئاسية ثانية، إن لم يقوضها. وهذا ماحصل بالفعل مع الرئيس الأسبق جيمي كارتر الذي حاول تحرير الرهائن الأمريكيين الذين كان قد أحتجزهم الحرس الثوري الإيراني في السفارة الأمريكية بطهران فور نجاح الثورة الإسلامية في 16 كانون ثاني من عام 1979.

إلا أن الظروف اليوم هي غير تلك التي كانت سائدة قبل إثنتين وثلاثين عاماً عندما هزم الرئيس الراحل رونالد ريغان الرئيس الأسبق جيمي كارتر في إنتخابات عام 1980 إثر فشل عملية تحريرالرهائن. ليضعه بذلك على قائمة الرؤساء الأمريكيين الذين يحكمون لدورة رئاسية واحدة. ففي عام 1979 عندما أطّاحت الثوره الإسلامية بقيادة الإمام الراحل آية الله الخُميني بشاه إيران الراحل، محمد رضا بهلوي، كانت حينها الولايات المتحدة في أوج الحرب الباردة مع الإتحاد السوفييتي. حيث كانت قلقة من النفوذ السوفييتي في إفعانستان والذي بدأ يتنامى بسرعة بعد سقوط الملكية فيه في عام 1973. ذلك ماجعل المحافظين الجدد/القدامى في إدارة الرئيس الراحل جيرالد فورد في حينها أمثال ديك تشيني ودونالد رمسفيلد يفكرون في السيطرة على إفغانستان لكبح جماح السوفييت ومحاصرتهم قبل أن يتمكنوا من الزحف بإتجاه منابع النفط في الخليج العربي. إلا أن السوفييت قطعوا الطريق عليهم وذلك بدعم إنقلاب أتى بحكومة شيوعية موالية لهم في 27 نيسان من عام 1978. ذلك ما زاد من قلق الأمريكان ودفعهم إلى التفكير ببدائل من شأنها التصدي لخطط السوفييت في تلك المنطقة المهمة من العالم. وأزداد قلق الآمريكان أكثر بعد أن أبرم السوفييت معاهدة صداقة مع الحكومة الشيوعية الجديدة في 5 كانون أول من عام 1978 والتي أعطت السوفييت بموجبها حق التدخل إذا ماتعرضت إفغانستان للخطر. ذلك مادعى الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إلى توقيع قرار سري في 3 تموز من عام 1979 يقضي بتقديم الدعم المادي والعسكري للمجموعات المناهضة للسوفييت في إفغانستان. وعندما استلمت الثورة الإسلامية السلطة في إيران أستشعر الإتحاد السوفييتي بالخطر ليس من السلطة الدينية فحسب، وإنما أيضا من نوايا الولايات المتحدة المبيتة لنقل الصراع معه إلى إفغانستان. لذلك دخل إفغانستان بقواته العسكرية في 24 كانون أول/ديسمبر من عام 1979، أي بعد حوالي عشرة أشهر من وصول الثورة الإسلامية إلى الحكم في إيران. كان قلق الأمريكان في حينها يعود لتخوفهم من أن الوجود السوفييتي في إفغانستان يعني إقترابهم من حوض المياه الدافئة ومن منابع النفط في الخليج الذي طالما حرصوا على أمنه وسلامة تدفقه. لذلك عملوا كل مافي وسعهم لمحاربة الوجود السوفييتي في إفغانستان بما في ذلك دعم تنظيم القاعدة الذي تحاربه الولايات المتحدة اليوم. وكذلك حركة طالبان والمجاهدين الأفغان الذين كانوا جميعا’ يسعون لطرد الغُزاة السوفييت من بلادهم. كذلك لم يكن مجيء الحكم لإسلامي إلى إيران ليُزعج الولايات المتحدة. بل على العكس إعتبرت بأنه سيصب في مصلحتها لأنه سيشكل منطقة عازلة بين الإتحاد السوفييتي المُلحد في إفغانستان والشعوب العربية الُمسلمة في منطقة الخليج حيث منابع النفط. وهذا مايُفسر تخلّي الولايات المتحدة السريع عن الشاه الذي كان الحارس الأمين لمصالحها ومنذ أن وصل إلى العرش في عام 1941. إلا أن ضعف حكم الشاه في فترة ماقبل الثورة وتراجعه أمام القوى المُناهضة وعلى رأسها القوه الإسلامية بزعامة الإمام الخُميني و حزب توده، الحزب الشيوعي الإيراني، جعل الولايات المتحده تتخوف من تصاعد شعبية حزب توده وإمكانية وصوله إلى الحكم في إيران بدعم من السوفييت كما حدث مع ثورة مُصدق من قبل في عام 1951. وهذا آخر ماكانت تريده الولايات ، وجود حكم شيوعي بدعم سوفييتي في إيران إضافة إلى الحكم الشيوعي الذي كان قائما’ وقتذاك في إفغانستان. هذا ما جعل مصالح الولايات المتحدة تتلاقى مع مصلحة الثورة الإسلامية في إسقاط حكم الشاه. ومهد زواج المصلحة هذا بين الولايات المتحدة والثوره الإسلامية في إيران لاحقا’ لإبرام صفقة سرية بينهماعرفت بإسم ‘إيران كونترا’. أفرجت بموجبها إيران عن الرهائن الأمريكيين مقابل حصولها على مساعدات عسكرية و تسهيلات مالية عن طريق طرف ثالث، ثوار الساندانيستا في نغاراغوا.

بقيت العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران في حالة كمون مريح للطرفين بالرغم من الضجة الإعلامية التي كان كلا الطرفين يحدثها ضد الآخر للتغطية على الصفقة السرية التي كانت تبرم بينهما بعيدا’ عن الإعلام. وأستمرت الأمور بينهما بهذا الشكل إلى حين صعود الرئيس الراحل صدام حسين إلى أعلى هرم السلطة في العراق في تموز من عام 1979. حينئذ أستغلت الولايات المتحدة الوضع وبدأت تمهد إلى تطبيق مبدأ الإحتواء المزدوج الذي كان قد أقترحه وزير الخارجية الأسبق هنري كسينجر على إدارة الرئيس رونالد ريغان في حينها. والقاضي بإضعاف الطرفين العراقي والإيراني وإحتوائهما في حرب بدأت في أب من عام 1980 ودامت ثمانية سنوات. قدم الإمريكان من خلالها الدعم للطرفين وعبر فترات متفاوتة. وأنتهت على قاعدة الاغالب والامغلوب، بعد أن أنهكت وأضعفت كلا الطرفين وكلفتهما البلايين من الدولارات والملايين من البشر.

لكن إيران اليوم وبعد ‘ثلاثة وثلاثين عاما’ على الثورة الإسلامية فيها أوشكت على إمتلاك القنبلة النووية. وهذا من شأنه تهديد أمن إسرائيل وإضعاف تفوقها العسكري في المنطقة. وكذلك يقلل من هيبة الولايات المتحدة كدولة عظمى تسعى إلى النفوذ والسيطرة. كما وأدت سياسات الرئيس الأسبق جورج ديبليو بوش الخرقاء المتمثلة في حربه على العراق و إحتلاله في عام (2003) إلى تغلل إيران فيه وزيادة نفوذها في دائرة صنع القرار. وذلك بحكم سيطرتها على معظم الكتل السياسية و الميليشيات المسلحة التي كانت قد انتجتها الحرب. والقائمة على أساس طائفي يخضع بشكل مباشر أو غير مباشر لولاية الفقيه في طهران. حيث أصبحت إيران اليوم بمثابة الخنجر في خاصرة الولايات المتحدة في العراق، على حد تعبير الصحفية راغده درغام في مقال نشر في صحيفة ‘الحياة’. هذا إضافة إلى نفوذ إيران المتنامي في سورية وسيطرتها على حزب الله في لبنان. وكذلك إحتلالها المستمر للجزر الإماراتية وتدخلها في الشؤون الداخلية للبحرين وتحديها للسعودية ومساعدتها الحوثيين في اليمن، والقائمه تطول.

لقد إحتلت الولايات المتحدة العراق في عام 2003، ليس كما إدعت بسبب أسلحة الدمار الشامل والتي تبين عدم وجودها لاحقا’، بل لغرض السيطرة على نفطه ومقدراته وإخراجه من دائرة التأثير في الصراع العربي اللإسرائيلي. وكذلك لإعادة تمركزها في المنطقة وحماية مصالحها بشكل مباشر. إلا أنها اليوم، وبعد مرور مايقارب العشر سنوات على الحرب، بدأت تجد نفسها في موقع الدفاع ليس مع إيران فحسب، وإنما مع روسيا والصين أيضا’. وذلك بحكم مصلحتيهما في دعم وتنفيذ برنامج إيران النووي الذي تعارضه الولايات المتحدة وإسرائيل وتؤيده روسيا والصين. ففي الماضي، إبان الحرب الباردة، كانت الولايات المتحده تسعى لربط مصالحها بإيران الإسلامية للتعويض عن خسارتها بوجود الإتحاد السوفييتي الشيوعي في إفغانستان. أما اليوم فقد إنعكست الصورة، ففي الوقت الذي تتواجد فيه الولايات المتحدة في إفغانستان بقواتها وقواعدها، يربط الروس مصالحهم بإيران بشكل سياسي وإقتصادي، بل وإستراتيجي. وكذلك في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى إحتواء آثار الحرب الباردة وهي تحاول كسب حربها على الإرهاب، تحاول روسيا إستحضار الحرب الباردة بحجة درئ مخاطر الإرهاب.

كان الرئيس الأمريكي الاسبق جورج بوش قد بدأ الحرب على الإرهاب قبل عشرة سنوات، بعد أحداث 11 أيلول في عام 2001. وأحتل بإسمها إفغانستان والعراق، وكذلك زايد من ضغوط الولايات المتحدة على إيران طوال الثمانية سنوات من حكمه. بل ووقع قرار بتوجيه ضربة جوية لمنشآتها النووية في عام 2007 . إلا أن تفاقم الأزمة المالية في الولايات المتحدة حان دون تنفيذ تلك الضربة. لقد استغل في حينها ديك تشيني، نائب الرئيس ودونالد رمسفيلد وزير الدفاع ومعهم باقي طاقم المحافظين الجدد في إدارة الرئيس جورج ديبليو بوش أحداث 11 أيلول لتحقيق مشروعهم المعهود بالسيطرة على المنطقة الجغرافية التي تفصل بين الإتحاد السوفييتي سابقا’ ومنابع النفط في الخليج. وبدت هذه الأحداث وكأنها المبررالذي كانوا ينتظرونه للبدء في تطبيق مشروعهم الطموح في السيطرة على إفغانستان والذي توسع لاحقا’ ليشمل العراق وإيران. وخاصة بعد أن عملت الولايات المتحدة خلال مرحلة التسعينات من القرن الماضي على إيجاد مناطق نفوذ لها في معظم جمهوريات آسيا الوسطى التي أنفصلت عن الإتحاد السوفييتي بعد إنهياره في عام 1989. كما وبنت قاعد عسكرية متقدمة في أوزبكستان قبيل إحتلال إفغانستان في عام 2001. هذا إضافة إلى محطات إستطلاع وتجسس في كزخستان وتركمستان وطاجيكستان ومناطق أخرى مجاورة لروسيا وإفغانستان، وكذلك لإيران.

إن مشروع المحافظين الجدد يتمثل ببسط نفوذ الولايات المتحدة على منطقه حوض المياه الدافئة بأكمله مرورا’ بدول الخليج العربي والعراق وإيران وإفعانستان، ووصولا’ إلى بحر قزوين في جنوب روسيا. والغرض منه السيطرة على منطقة الشرق الأوسط،. وكذلك خلق منطقة عازلة على حدود روسيا من الجنوب والصين من الغرب لفصلهما عن منابع النفط. وإذاما تأملنا خريطة المنطقة اليوم نجد بأن الولايات المتحدة تملك فيها إما قواعد عسكرية أومواطئ نفوذ متقدمة على طول الخط بين بحر العرب في الجنوب وبحر قزوين في الشمال، بإستثناء إيران. حيث تتواجد الولايات المتحدة في الصومال بحجة تقديم المساعدات الإنسانية وحماية الملاحة، وفي اليمن لملاحقة تنظيم القاعدة. ولها قواعد لوجستية في عمان والإمارات، وقواعد عسكرية مركزية في قطر والسعودية، وكذلك في الكويت والعراق. هذا إضافة إلى تمركز الإسطول الخامس الأمريكي في البحرين. كما وتملك قواعد عسكرية وإستخباراتية في تركيا وإفغانستان، وفي معظم جمهوريات أسيا الوسطى التي أنفصلت عن الإتجاد السوفييتي.

لذلك قد يكون موقف روسيا اليوم محبطا’ في التعامل مع القضية السورية، إلا انه غير مفاجئ. لأن سماح روسيا لأمريكا والغرب حل الأزمة السورية بمعطياتهم ووفقا’ لمصالحهم فهذا يعني خسارة أكيده لها، ليس في سوريا فحسب حيث تملك قاعدتها العسكرية الوحيدة في المنطقة، في طرطوس. بل وكذلك في الملف الإيراني الذي يعني تنصلها منه خروجها من المنطقة بشكل كامل. وهذا ما لا نعتقد حصوله في المرحلة الحالية. ولكن السؤال الأهم هل يقبل الرئيس أوباما بالتفاوض مع الروس بشكل خاص والصينيين على إيجاد حل للأزمة السورية بما يضمن مصلحتهما في المنطقة، أم يسير بطريقته إلى النهاية في مشروع المحافظين الجدد وبالتجاوب مع رغبة إسرائيل في ضرب المنشآت النووية في إيران، وكذلك العمل على تغيير النظام فيها وإيصال الوجود الأمريكي إليها بحيث تصبح المنطقة بأسرها تحت سيطرة الولايات المتحده؟. هذا ما سنحاول الإجابه عليه في مقالة لاحقة.

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى