انهيار مجالس رجال الأعمال السورية
سلام السعدي
ثمة مسار اقتصادي منظّم دفع بطبقة رجال الأعمال إلى الهيمنة على الاقتصاد السوري. لم يكن وجود هذه الطبقة هو الواقعة الجديدة، بل استبدادها المطلق. فهي الطبقة التي لا تأتمر بغير قوانين تطورها الذاتية، وهي الفئة التي تتحكم بسائر العلاقات الاقتصادية والسياسية.
تلك كانت السمة الأساسية المميزة لتطور الاقتصاد السوري في سنوات ما قبل الثورة، خصوصاً بعد انتهاء العزلة السياسية التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري. آنذاك، انفتحت طبقة رجال الأعمال الجدد على أوسع وأسرع تطور في مصالحها الطبقية، وفي هيمنتها الاقتصادية. كانت هيمنة تامة، أخضعت العلاقات السياسية لحاجات تطورها، ولنسق من العلاقات المرنة والمنفتحة على الآخر بصورة غيرة معهودة في دولة البعث شديدة التحفظ في نسج علاقاتها.
تأسيساً على ذلك، شهدت علاقات سوريا الاقتصادية انفتاحاً لافتاً في الفترة الممتدة بين 2007-2011 على عدد كبير من الدول، كما شهدت تدفقاً للاستثمارات الأجنبية والعربية محدثة طفرة في قطاع البناء والعقارات والخدمات. كانت تلك الفترة هي العصر الذهبي لطبقة رجال الأعمال الجدد المتخمة بمشاريع جديدة وشبكات علاقات غير محدودة. الأمر الذي استدعى إعادة إحياء الجثة الهامدة المركونة جانباً: “مجالس رجال الأعمال المشتركة”. وهي مجالس اقتصادية مشتركة بين سوريا ونحو 70 دولة عربية وأجنبية.
وفي سبيل ذلك، شكلت رئاسة مجلس الوزراء في العام 2008 لجنة لدراسة واقع تلك المجالس، ووضعت الآلية المناسبة لإعادة تشكيلها بما ينسجم مع التطورات الجديدة. وكان من الطبيعي، أن يرأس اللجنة مدير عمليات لبرلة الاقتصاد السوري، عبد الله الدردري.
خلصت اللجنة إلى حل “مجالس رجال الأعمال” التي كانت حكراً على أعضاء غرف التجارة، وتشكيل “مجالس الأعمال” بحيث تشمل أعضاءً في غرف الصناعة والزراعة والسياحة والملاحة، إضافة إلى التجارة.
وتشكلت “مجالس الأعمال السورية المشتركة” في نهاية العام 2009، مع 68 دولة عربية وأجنبية، والقي على عاتقها مهام “زيادة حجم الصادرات السورية، وتنظيم الوفود ودعوة رجال الأعمال من الدول الصديقة لزيارة سورية، والمشاركة في الأنشطة الاستثمارية”. أكثر من ذلك، أريد لها أن تلعب دوراً أكبر يناسب المرحلة، فأعطي رئيس كل مجلس، الصلاحية الكاملة في مراسلة البلد النظير، باسمه وعن طريق مكتبه، وتم حصر العمل فيه. باختصار، أريد للمجالس أن تكون أشبه بسفارات اقتصادية في دول العالم. سفارات مستقلة يسيطر عليها رجال أعمال يُسبّحون بحمد النظام.
واصلت المجالس عملها حتى مطلع الشهر الحالي، إذ أصدر وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد ظافر محبك، قراراً يقضي بحلها، على أن يعاد تشكيلها مستقبلاً “في ضوء توجهات العلاقات التجارية الخارجية للبلاد”.
ولإن دوام الحال من المحال، فالعصر الذهبي احترق بلهيب حربٍ مستعرة لأكثر من عامين. والمعادلة السحرية التي حافظ النظام السوري من خلالها، على علاقات متينة مع كل من تركيا وإيران والإمارات وقطر وحزب الله وحماس وعديد من التناقضات الأخرى، تلك المعادلة باتت اليوم مستحيلة. ذهبت مرونة النظام السوري وانفتاحه السريع أدراج الثورة، وباتت عزلته أشد وأقسى من تلك التي كابدها في العام 2005. كما انفرط عقد أعضاء مجالس الأعمال، وانقلب بعضهم على النظام، فتوجب نبذهم من الجنة.
أما من بقي منهم على دين النظام، فقد خسر دوره و أهميته، مع هذا المستوى من تدهور العلاقات السياسية مع معظم دول العالم، وارتفاع حدة المقاطعة الاقتصادية للنظام، وانحسار علاقاته مع عدد ضئيل من الدول المتشابهة في تعاطيها مع الملف السوري وانحيازها للنظام. وصار شائعاً أن تتحدث الحكومة السورية عن سياسة “التوجه شرقاً” نحو روسيا والصين وإيران، وعن تفعيل العلاقات مع بعض دول أميركا اللاتينية ممثلة بمجموعة “البريكس”.
الأمر أشبه بزلزال تعرضت له علاقات النظام مع مختلف دول العالم، زلزال جبار لم يبقِ حجراً على حجر. وهو ما عبرت عنه الصحف الرسمية وشبه الرسمية في تعاطيها مع قرار حل مجالس الأعمال، إذ رحبت بالقرار، واعتبرت انه ينسجم مع سياسة “التصدي للهجمة الشرسة على سوريا”، ومع ضرورة إعادة تموضع المصالح السورية لتكون أقرب إلى البلدان المساندة للنظام، بعد أن كانت قبل عامين شديدة التشابك مع ألد أعداءه الحاليين.
المدن