اوروبا: المخاض السوري طويل
علي الامين
لا عودة الى الوراء، فما يجري في سورية اليوم يشير الى ان حركة الاحتجاجات مستمرة من دون ان تظهر اي مؤشرات تدل على ان النظام السوري يتجه نحو خيارات سياسية استثنائية على صعيد تغيير طبيعة النظام. وفي ظل هذه الوقائع يبدو الخيار الامني هو المتحكم في عملية ادارة الاوضاع داخل سورية، في وقت تغيب اي مواقف من قبل اطراف المعارضة تظهر انها في المقابل راغبة في عدم اكمال مسيرة الاحتجاجات وصولا الى تحقيق ما ترفعه من اهداف، وفي وقت تؤكد اوساط قريبة من حركة “حماس” انها تبذل جهودا مضنية على خط بناء علاقة بين القيادة السورية وبعض قوى المعارضة لا سيما “الاخوان المسلمون”. وان كانت تؤكد استمرار هذه الجهود، الا انها لا تغامر في تأكيد ان تقدما ملموسا قد تحقق على هذا الصعيد.
وفي الشأن السوري نفسه، تردد اوساط دبلوماسية اوروبية في بيروت ان “الاوضاع في سورية سوف تزداد تعقيدا، ما دام النظام متمسكا برؤيته الامنية للحل، ولا يريد اتخاذ خطوات بات يعرفها وكانت ابلغت اليه من قبل المحتجين في الشارع، ومن جهات اقليمية ودولية بشكل مباشر وبالواسطة”. وتعتقد هذه المصادر المتابعة للاوضاع في سورية ان “لا نية للحلف الاطلسي في التدخل العسكري المباشر بسورية”، لافتة الى ان “التحرك عبر مجلس الامن، وإن في حدود اصدار بيان ادانة، ليس متوفرا في ظل الموقف الروسي الرافض للسير في اتخاذ اي عقوبات وحتى الادانة”.
على ان هذه المصادر التي باتت تتجه الى التسليم بأن النظام السوري عاجز او لا يريد ان يحدث اصلاحات جدية، ترجح ان “الاحتجاجات ستستمر وتتوسع”. لذا تعتقد ان الاوضاع في سورية ستسوء كلما “تعنت النظام” مشيرة الى ان “المجتمع الدولي بات يتوقع ان تطول الازمة وتتشعب اكثر”.
هذا والوصول الى اتفاق في مجلس الامن الدولي دونه صعوبات، لكن ذلك لا يعني ان الاتحاد الاوروبي وغيره من الدول ستقف مكتوفة حيال اي تطورات دراماتيكية تتصل بعمليات عسكرية تستهدف المواطنين العزل، ولا ان التفريط في استخدام العنف سيفرض ايقاعا دوليا مختلفا في التعامل مع النظام السوري يتناسب مع الموقف المستجد.
في موازاة هذه القراءة، التي تميل الى توقع الاسوأ في سورية، لا تبدي هذه “المصادر” قلقا من امكانية انعكاس الاحداث في سورية على لبنان امنيا، او من احتمال حصول حرب بين حزب الله واسرائيل. واذا كانت تسمي حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بأنها “حكومة بشار الاسد”، فهي تنقل عن الرئيس ميقاتي قوله ان تشكيل الحكومة لم يخضع بالنسبة اليه لأي تدخل سوري، وجدد قوله ان حكومته ستحترم التزاماتها الدولية.
عدم القلق الاوروبي من حصول تطورات امنية في لبنان يبرره عدم اتخاذ المراكز الدبلوماسية الغربية اي اجراءات امنية، وهي تمارس مهماتها الدبلوماسية بشكل طبيعي. واذا كانت هذه الاوساط تشير الى سورية كمصدر للقلق في لبنان، فانها تعتقد ان سورية لن تغامر في العبث بالامن اللبناني، لأن نتائجه غير مضمونة لها وممكن ان تفيد النظام السوري احيانا، لكن تداعياتها قد تكون مأساوية عليه، وخلصت هذه المصادر الى انه من الصعب الحسم في الملف الامني لأنه يخضع ايضا لايقاع التطورات والاحداث التي لا يستطيع احد التنبؤ بها في سورية.
في موازاة ذلك لا تخفي المصادر الاوروبية هواجس لديها لما يمكن ان يقوم به حزب الله حيال احداث سورية، وهي اذا كانت تشكك حتى الان بمشاركة حزب الله في قمع الاحتجاجات، الا انها تتساءل عن الخطوات او السيناريوهات التي قد يعتمدها في لبنان بموازاة ما يعانيه حليفه في دمشق. لكنها تقرأ بايجابية سلوك حزب الله في ما يتعلق بعدم استجابته لمطلب سوري بحشد الفلسطينيين على الحدود الجنوبية في 5 حزيران، مشيرة الى انه قرأ بعقلانية ما جرى في 15 ايار في مارون الراس.
الأوروبيون يستعدون لمرحلة طويلة يتتطلبها التغيير في سورية، تحت سقف عنوانه -حتى الان- عدم التورط العسكري المباشر.
صدى البلد