صفحات العالم

بانتظار «العشرة أيام» التي ستهز سوريا!


 صالح القلاب

هذا العنوان ليس المقصود به الحسم العسكري، الذي تأخر لأسباب وعوامل كثيرة باتت معروفة ولا تحتاج إلى المزيد من الأدلة والبراهين من بينها أن رئيس هذا النظام الذي ثبت أن بقاءه في الحكم يهمه أكثر مما تهمه وحدة سوريا وحقن دماء شعبها وإبعادها عن ويلات الحرب الأهلية، وإنما تسجيل يوميات هذه الثورة الباسلة حقا وتركها للأجيال السورية والعربية المقبلة كما سجَّل الصحافي الأميركي جون ريد يوميات الثورة الشيوعية – البلشفية وصراعات أجنحتها في كتاب عنوانه «عشرة أيام هزت العالم» اتخذ من أحداثه موقفا حياديا مع أنه كان شيوعيا وكان غريبا ولا يتقن اللغة الروسية.

يقع هذا الكتاب، الذي كان رائجا في خمسينات وستينات القرن الماضي في ذروة ظاهرة المد القومي واليساري الذي اجتاح هذه المنطقة وسيطر عليها، في مائتين وخمسين صفحة وكان فلاديمير إليتش لينين رمز ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1917 وملهمها معجبا به أشد إعجاب حتى إنه كتب مقدمة طبعته التي نشرت في الولايات المتحدة في عام 1919 وكان يتمنى أن يراه منشورا بملايين النسخ ومترجما إلى كل لغات أمم وشعوب الكرة الأرضية.

وبالطبع فإن هذا الكتاب الذي ركز صاحبه على مدينة «بيتروغراد» التي كانت بؤرة الثورة الشيوعية وكانت مسرحا لأهم أحداثها قد تمت ترجمته لاحقا إلى معظم لغات أهل الكرة الأرضية وكذلك فإن السينمائي سيرجي آيزنشتاين قد حوله بعد عشرة أعوام من ظهوره إلى فيلم تسجيلي بعنوان «أكتوبر» بدأ بمشهد لتمثال القيصر ألكسندر الثالث ولأعداد هائلة من العمال والفلاحين وهم يتسلقونه ليطيحوا به و«يسحلوه» في الشوارع كما تضمن تسجيلات «صادقة» ودقيقة لكيفية انتصار الشيوعيين البلاشفة على كل الذين نافسوهم على السلطة الجديدة وحاولوا إن بالعنف وإن بالتآمر انتزاعها من أيديهم.

وحقيقة أنه لولا هذا الكتاب لغرقت ثورة أكتوبر 1917 الشيوعية – البلشفية في الدعاية المتحيزة السخيفة ولما استطاع العالم أن يعرف دقائق الصراع الذي احتدم في روسيا عشية هذه الثورة وخلالها. وهنا فإن ما لا خلاف عليه أن الثورة الإيرانية، التي تعتبر ثاني أهم ثورات القرن العشرين، شئنا أو أبينا، وذلك على اعتبار أن الثورة الجزائرية العظيمة كانت ثورة تحرر وطني ضد استعمار احتلالي وتذويبي استمر 132 عاما، لم يتوفر لها من هو بقدرة وكفاءة وحيادية جون ريد ولذلك فإنها بقيت تتخذ هيئة الإمام الخميني وتلخيصا لمسيرته منذ أن انطلق من مدينة «قم» المقدسة ثم أبعد إلى تركيا ثم انتقل إلى النجف الأشرف في العراق ثم طرد إلى الكويت لينتقل بعد أيام قليلة إلى فرنسا وليعود بعد ذلك إلى طهران في فبراير (شباط) 1979 ليطيح بعرش الطاووس عرش عائلة «بهلوي» كما أطاح لينين بتمثال ألكسندر الثالث وبعرش أسرة رومانوف الشهير التي لعبت أدوارا رئيسية في تاريخ بلادها وفي تاريخ عالم ذلك الوقت.

لا شك في أننا بانتظار «العشرة أيام» التي ستهز سوريا والمنطقة العربية والإقليم كله وأيضا العالم، إن أراد البعض، على الصعيد العسكري وأن تتوج كل هذه التضحيات العظيمة التي قدمها الشعب السوري خلال الفترة منذ إطلاق الشرارة الأولى من درعا الحورانية في نحو منتصف مارس (آذار) من العام الماضي 2011 وحتى الآن لكننا أيضا بانتظار أن لا تصبح يوميات وأحداث هذه الثورة وصراعاتها ومشكلاتها وإشكالاتها مجرد «سواليف حصيدة» وإلى مجرد مبالغات لا تعكس لا حقيقة معاناة الذين فجروها ولا معاناة الذين كانوا وقودا لها ولا تسجِّل للأجيال المقبلة طبيعة ما واجهته من مؤامرات داخلية وخارجية.

ومع عدم الانتقاص من كل «الثورات» العربية الأخرى التي شهدها هذا الربيع العربي الطويل الذي تحول إلى خريف أجْرَد فإن الثورة السورية تبقى هي جوهرة كل هذه الثورات فهي تصدت لنظام لا يشبهه لا نظام معمر القذافي ولا نظام زين العابدين بن علي ولا نظام حسني مبارك، وبالطبع ولا أيضا نظام علي عبد الله صالح. فنظام بشار الأسد الذي ورث إحدى الحالات الفريدة في التاريخ القريب والبعيد قد بادر إلى تحويل سوريا، منذ اللحظة الأولى التي اختار فيها استعادة تجربة والده الدموية في مدينة «حماه» عام 1982، إلى ساحة صراع إقليمي ودولي تعاظم وازداد تعقيدا مع الوقت لا يزال مفتوحا على شتى الاحتمالات بما فيها احتمال اندلاع حرب إقليمية قد تؤدي إلى حرب كونية جديدة تستخدم فيها الأسلحة الكيماوية.. والنووية أيضا.

كان العامل الخارجي في كل ثورات الربيع العربي الأخرى محدودا حتى بما في ذلك الثورة الليبية التي لعب فيها حلف شمال الأطلسي دورا حاسما من خلال سلاحه الجوي، أما بالنسبة للثورة السورية فإن المعروف أن إيران قد دخلت المعركة إلى جانب نظام بشار الأسد منذ اللحظة الأولى وهذا ما فعلته روسيا فلاديمير بوتين وبالمال والسلاح والمقاتلين. وهذا ما جعل الأمور معقدة على نحو ما هي عليه الآن وما أخّر لحظة الحسم أو «العشرة أيام» الفاصلة كل هذه الفترة مما أدى إلى كل هذا الدمار والخراب الذي عم المدن والمناطق السورية كلها ومما رفع أعداد القتلى والجرحى والمهجرين إلى هذه الأرقام الفلكية التي ستكشف الأيام أنها في الحقيقة أكثر كثيرا مما تذكره البلاغات الرسمية وما تتحدث عنه وسائل الإعلام العربية والعالمية.

والمسألة المهمة هنا أنه لتحاشي ألا يعرف المستقبل عن هذه الثورة العظيمة حقا غير الروايات المتحيزة والمبالغات التي لا تعكس الحقائق والشهادات الصحافية القاصرة التي انحصر تعاطيها على القشور، فإنه من المفترض أن يكون هناك جون ريد آخر ومن المفترض أن يتم تدوين حقائق الثورة السورية بسلبياتها وإيجابياتها وبعطاءاتها وأخطائها وبصراعات قواها وبكل حلقات التآمر عليها من الأعداء وممن يعتبرون أصدقاء وأن يكون هناك على الأقل كتاب بدقة كتاب «عشرة أيام هزت العالم» وبشموليته وبموضوعيته وعدم انحيازه وبعنوان «عشرة أيام هزت سوريا».

كان الروائي حيدر حيدر، المرابط الآن في قريته «حصين البحر» بالقرب من جبلة على شواطئ المتوسط، قد حاول تدوين أحداث ثورة «الأهوار» المسلحة التي قام بها «الرفيق فهد» الذي انشق عن الحزب الشيوعي العراقي من خلال رواية بدأها في بيروت واستكملها في قبرص بعنوان: «وليمة لأعشاب البحر». وكان الروائي الأردني غالب هلسا، رحمه الله، قد قام بتدوين يوميات الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982 وحصار بيروت ورحيل المقاومة الفلسطينية ولكن الموت اختطفه قبل أن يكمل هذه المهمة الجليلة. لكن بصورة عامة وعلى الرغم من محاولات الكاتب المبدع إلياس خوري وعلى الرغم من «الجبل الصغير» و«مجمع الأسرار» وغيرهما فإن الواقع الحقيقي للحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في عام 1976 لا يزال غائبا والتي لِنَبْش ما جرى خلالها نحتاج ليس إلى عشرة أيام فقط بل إلى ألف يوم لتعرف الأجيال اللاحقة دقائق الوقائع الفعلية.

إن سوريا بحاجة الآن إلى الحسم العسكري السريع ليس فقط لوضع حد لأعداد الذين يسقطون شهداء يوميا على أيدي «الشبيحة» كما كان رفاق وأنصار ثورة أكتوبر (تشرين الأول) يسقطون قبل الانتصار على أيدي فرق «القوزاق» المجرمة لكنها أيضا بحاجة إلى من يكشف كل حقائق ثورتها العظيمة كما كشف الصحافي الأميركي جون ريد في كتابه الذي سيبقى وإلى الأبد الشهادة الصادقة على مجريات الثورة الشيوعية – البلشفية «عشرة أيام هزت العالم» وهذه مسؤولية يتحملها بالدرجة الأولى المبدعون السوريون من منهم اضطر إلى أن يفر إلى الخارج خوفا من بطش «قوزاق» بشار الأسد وشبيحته ومن منهم بقي في الداخل، ومن بين هؤلاء الكاتب والشيوعي القديم ميشيل كيلو الذي من المفترض أنه يعرف هذا الكتاب «عشرة أيام هزت العالم» أكثر من غيره!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى