بانتظار قيادات الشارع
ساطع نور الدين
كان من السهل اكتشاف معارضين في سوريا، لكنه سيكون من الصعب بل من المستحيل ان ينظموا انفسهم في جبهة واحدة، وأن يتوصلوا الى برنامج عمل موحد، يحقق حلم كل معارض سوري بالانتقال الى دولة مدنية ديموقراطية تنهي آفة البعث المنتشرة في كل مكان.
كان من السهل ايضا الملاحظة ان ثمة تباينات جدية بين معارضي الداخل ومعارضي الخارج، وثمة خلافات جوهرية بين المعارضين المنفيين انفسهم، حول السعي الى بلورة فهم مشترك لطبيعة النظام وعناصر قوته وضعفه، وشبكة تحالفاته وخصوماته الخارجية المعقدة، التي لا يمكن الحكم عليها بناء على الخطاب الرسمي المتوتر الذي يخترع مؤامرة خارجية متعددة الأشكال والألوان، ويصنف الدول والشعوب على هذا الاساس، ويصيب حتى اكثر الحريصين على النظام والخائفين من سقوطه بالذهول.
حيرة المعارضة السورية طبيعية إزاء مواقف اميركية وإسرائيلية وتركية وعربية لم تقطع شعرة معاوية مع النظام في دمشق، وما زالت حتى اللحظة تفضل الا تقطعها، وتنتقل الى صف العداء المطلق، مع ما يستدعيه ذلك من حملات سياسية ودبلوماسية وحتى امنية تعرفت عليها بقية الانظمة العربية التي تغيرت نهائيا او هي على وشك التغيير.. لانها رفضت التجاوب مع تطلعات شعوبها ومع مقتضيات المجتمع الدولي.
لكن الحيرة وحدها لا تفسر ذلك الكم من المؤتمرات واللقاءات والندوات التي تعقد في دمشق وخارجها، لمعارضين يبحثون عن برامج وصيغ للصراع او الحوار مع النظام، لكنهم سرعان ما يكشفون عن صراعاتهم الداخلية المعطلة للحوار في ما بينهم، والمؤذية للمواجهة مع نظام يفقد كل يوم شعبيته ومصداقيته.. لكنه يحتفظ بورقة قوة مؤثرة هي ضعف خصومه وانقسامهم ما بين داخل ينشد التغيير السلمي ولا يدركه، وخارج يتصارع على جلد الدب قبل اصطياده.
اسوأ ما في تلك المؤتمرات أنها توحي بأن الأزمة طويلة. وكما ان النظام انتقل مؤخرا من إنكار وجود هذه الازمة في الاصل الى نفي استمرارها ثم الى اعلان انتهائها، فإن معارضيه انتقلوا ايضا من حسم الازمة بعد التظاهرة الاولى، والشروع في توزيع الارث، الى التسليم بأن الخروج منها يتطلب قدرا كبيرا من الجهد الاستثنائي الذي تفرضه طبيعة المجتمع السوري المتعدد والفوضى السياسية والامنية التي شهدها طوال الشهور الاربعة الماضية.
البحث عن مخارج من الازمة هو القاسم المشترك بين النظام ومعارضيه. والافكار الامنية المتداولة من الجانبين لا تقل جنونا عن الافكار السياسية. ولعل في مؤتمر معارضي الداخل الذي افتتح امس في احد فنادق العاصمة السورية ما يسهم في عقلنة الخطاب الرسمي المتشدد، وتهدئة الخطابات المعارضة التي انتجت تطرفا لا يحتمله احد.
ومثل هذه المساهمة تعطي الفرصة للشارع السوري كي يكون هو المفاجأة المقبلة، فينتج قياداته الشابة التي تتجاوز بسلوكها وبرامجها الوجوه والرموز التقليدية.. على غرار ما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن.
السفير