صفحات الرأي

براءة الإسلام/ ماجد كيالي

 

 

لم يعد كافياً ولا مجدياً ولا مقبولاً القول إن الإسلام بريء من أفعال “داعش” و”القاعدة” و”بوكو حرام”، ومن على شاكلتهم، أو حتى مجرد إدانة أعمالهم الوحشية والإجرامية، ليس لأن من يقوم بذلك هم مسلمون، فقط، وإنما لأن هذه الجماعات تدّعي تمثيل الإسلام، أيضاً، وتحيل افعالها المشينة الى نصوص من القرآن والحديث وفتاوى الفقهاء.

القصد أن المطلوب من المؤسسات والتيارات الدينية مواجهة الواقع بدلاً من انتهاج سياسة الإنكار والتهرّب والمواربة، وذلك بإعمال الفكر في النص الديني، والتعامل معه بطريقة نقدية، ووفق رؤية تاريخية، توائم بين روح العصر، وقيم الخير والعدل والحق التي دعت إليها الأديان.

لنلاحظ أن المشكلة لا تكمن في التديّن الشعبي السائد، في أي بلد، ما يؤكد أنها لا تكمن في الدين، أيضاً، بقدر ما تكمن في اجتهادات المشايخ والمفتين والفقهاء التي تخضع للأهواء والمصالح ولعلاقات السلطة والقوة، والتي باتت بسبب من ذلك كأنها بمثابة دين آخر، ما يفسّر نزعة الجماعات التكفيرية لتكفير الآخرين، وضمنه تكفير المجتمعات الإسلامية بالذات، قبل ان تكفّر غيرهم.

حتى الآن اكتفت المؤسسات الإسلامية على غرار “الأزهر”، مثلا، والتيارات الإسلامية، ولا سيما جماعات الإخوان المسلمين، بإدانة أعمال هذه الجماعات، والتبرؤ منها، لكنها لم تصل إلى حد دحض ادعاءاتها الدينية. وربما هذا ينم عن ضعف أخلاقي، لكنه يتبين عن جمود عقلي، أيضا، لأن الاعمال الاجرامية تتناقض مع مقاصد الأديان السماوية وقيمها الأخلاقية، ولأن بعض النصوص، بغض النظر عن التوافق بشأنها، جاءت لتفسير ظروف او حوادث تاريخية معينة، في وقتها.

على امتداد 15 قرناً تصالح الإسلام مع الواقع، واستطاعت المجتمعات الإسلامية، على تباين ثقافاتها وحضاراتها ولغاتها، التكيف معه، وتكييفه معها، بمعزل عن أية تنظيرات أو فلسفات، من إندونيسيا إلى الهند وماليزيا والباكستان وايران وتركيا وصولا الى افريقيا مرورا بالعالم العربي على تنويعاته.

ويستنتج من ذلك أن المعضلة تتعلق بالجمود الفكري عند النخب الثقافية وعند الجماعات السياسية الدينية، سنية وشيعية، والتي لم تميز بين النص المقدس والحوادث البشرية، او التاريخية، ولا بين مقاصد الدين والظروف التي حكمت نصا معينا، ولا بين متطلبات زمن الدعوة ومتطلبات العصور اللاحقة.

سيبقى القول ان الفرق بين التيارات الدينية، المتطرفة والمعتدلة، الجهادية والدعوية، التكفيرية والمدنية، هو في الدرجة وليس في النوع طالما ان التيارات الإسلامية المعنية، المعتدلة والدعوية والمدنية لا تقوم بما عليها من نزع الشرعية الدينية عن التيارات الجهادية والتكفيرية والمتطرفة، من نزع شرعية استخدامها النص الديني، لتمييز نفسها، وأيضا لطرح فكر إسلامي يتلاءم مع روح العصر، ويمكّن المسلمين من التصالح مع اسلامهم ومع عالمهم.

كاتب فلسطيني

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى