برودة جهادية
ثائر غندور
هل بات الشيخ سالم الرافعي قاب قوسين أو أدنى من سحب فتواه الداعية إلى الجهاد في القصير ضد حزب الله؟ المعطيات المتوافرة من طرابلس ليست بعيدة عن هذا الواقع. صحيح أن هناك المئات من الشبان الذين تطوعوا للمشاركة في هذا الجهاد، لكن الواضح أن الرافعي، تراجع خطوة إلى الوراء عندما أعلن أن مسؤوليته تقف عند حدود إعلان الفتوى وليس تنفيذها. ثم أبلغ وزير الداخليّة مروان شربل أنه مستعد للتراجع علناً عن فتواه، فيما لو سحب حزب الله مقاتليه. تماماً مثلما تراجع الرافعي بعد دعوته لإنشاء مجلس عسكري لأهل السنة، في الفترة التي أعلن فيها آل المقداد مجلسهم العسكري.
إعلان هذه الفتوى من طرابلس لم يكن مبنياً على دراية عسكريّة، وخطط لنقل المقاتلين والسلاح إلى منطقة القصير. البعض من المشايخ لا يعرف الطريق من طرابلس إلى القصير. هذا ليس مهماً، المهم أن الجسم السلفي لم يكن بكامله موافقاً على هذه الفتوى. بعض المشايخ أمثال داعي الاسلام الشهال وعمر بكري، استغلا هذا الأمر في إطار خلافهما مع الشيخ سالم الرافعي. ربما شعر الشيخان بأن هناك من يُهدد موقعهما، كونهما متخصصين في إصدار الفتاوى الإعلاميّة، التي لا تهدف إلا إلى جذب الأضواء.
لكن اللافت، أن الاعتراض لم يقتصر على هؤلاء، لا بل تجاوزه إلى عدد من المشايخ “الجدد”، من أصحاب التمثيل والحيثيّة الذين رأوا في هذه الفتوى خدمةً لمنطق حزب الله وتبريراً لما يقوم به في سوريا. وصل الأمر ببعض الظرفاء إلى القول: الحزب سيسهّل طريقهم إلى القصير.
المثير أيضاً، هو ما يتداوله عدد لا بأس به من الشبان السلفيين، إن عبر وسائل التواصل الاجتماعي كالفايسبوك والتويتر، أو عبر الواتس آب. إذ ينتقد هؤلاء دعوة الرافعي إلى الجهاد، معتبرين أنها توريط للشباب كما جرى في الضنية بداية العام 2000، من دون وجود خطة أو تنظيم لهذا الجهاد. وقال أحد الشبان، إنه سيلتزم بهذه الفتوى إذا كان الرافعي والشيخ أحمد الأسير في مقدمة المتوجهين إلى القتال. كما اعتبر آخرون أن من يدعو إلى الجهاد عليه أن يكون جاهزاً لتحمل مسؤوليّة عائلات الشبان الذين سيقتلون، والأحرى أن يبدأ هذا الأمر بتحمّل مسؤوليّة النازحين السوريين وإعانتهم، وهو الأمر الذي لا يجري بشكل كامل حالياً.
عملياً، عاشت طرابلس يوماً هادئاً. لا شيء يوحي بوجود إعلان النفير العام سوى وجود المحطات التلفزيونيّة. لا خطوات تترجم عملياً هذا الموضوع، إلى جانب تراجع من الرافعي.
لكن هذا التراجع لا يبدو ذا قيمة فعليّة اليوم، خصوصاً أن الفتوى انتشرت بين المؤيدين وفي وسائل الإعلام. ويتبنى هذا الموقف عدد من رجال الدين السلفيين الذين اعتبروا أن الخطأ قد حصل عندما حصل الاعلان، لكنهم في الوقت نفسه، يعتبرون أنه لا يزال هناك مجال لعدم الوقوع بخطأ أكبر. ويستند هؤلاء في كلامهم أيضاً إلى التواصل الذي حصل مع مجموعات الجيش الحرّ المقاتلة في القصير، التي قالت إنها لا تحتاج إلى المقاتلين بل إلى ذخيرة الكلاشينكوف بشكلٍ رئيسي لا أكثر، وهو ما يصعب تأمينه من لبنان حالياً.
إذن، تبيّن أن في الشارع السلفي، من يُفكرّ بعقل بارد أكثر من قياداته في مراحل معينة. وإذا كانت الدعوة إلى الجهاد قد حصلت بعد عدة مجازر حصلت بحق المدنيين، إلا أن هذا الأمر لا يُبرر القيام بخطوة تدفع الثورة السورية إلى معركة مذهبيّة، وتدفع لبنان أيضاً إلى أتون هذه المعركة؛ وهو الذي يُعد بحدّ كبير ملجأً لمئات الآلاف من النازحين السوريين الذين، سيجدون البحر أمامهم، والموت بينهم وخلفهم، مثلهم مثل اللبنانيين في حال صار الإحتقان المذهبي صراعاً مسلحاً في لبنان. باختصار، تبيّن أن العقل السلفي في لبنان، لم ينضج بعد، ولا يزال في طور ردة الفعل وليس الفعل.. عقلٌ لا يُترجم مبدأ: إعقل وتوكّل.
المدن