صفحات الرأي

بعض ما ينبغي أن يعرفه الغرب عن سوريا


الكتاب صدر قبل أسابيع من اندلاع الانتفاضة المُصادرة في البلد الجريح، لكن الصحافي والخبير الاستراتيجي الفرنسي ريشار لابيفيير والباحث السوري طلال الأطرش يسلّطان فيه الضوء على معطيات تتقاطع مع الراهن. «حين تستيقظ سوريا» (الفارابي، ٢٠١٢) يبدأ من الانتداب الفرنسي وينتهي بالاحتلال الأميركي للعراق والقرار 1559، متوقّفاً عند الجهل الغربي لهذه البقعة من العالم

ريتا فرج

لماذا تُمتدح سوريا حيناً ولماذا تؤبلس أحياناً؟ يعبّر هذا السؤال عن فحوى العمل المشترك الذي وضعه الصحافي الفرنسي ريشار لابيفيير والكاتب السوري طلال الأطرش بعنوان «حين تستيقظ سوريا…» (دار الفارابي ـــ2012). يبدو عنوان الكتاب إلى حد كبير جذاباً، وهو مستوحى من أطروحة الكاتب والدبلوماسي الفرنسي ألان بيرفيت «يوم تستيقظ الصين، يهتز العالم». لكن المؤلفيْن لا يعمدان إلى إبراز الصحوة السورية بمعناها السياسي والاقتصادي، بل يعملان على تأكيد أهميتها كدولة محور. الكتاب الذي نقله إلى العربية ميشال كرم، يمزج بين المنهج التاريخي المقارن والمنهج الاستقرائي، مغطياً الفترة الممتدة من الانتداب الفرنسي حتى وصول بشار الأسد إلى سدة الحكم. لم يُشغَل المؤلفان بالأحداث التي تشهدها سوريا منذ أكثر من سنة؛ لأنّ الكتاب وُضع في الأساس قبل هذه المرحلة.

فرضية أساسية يحاول لابيفيير صاحب «مجزرة إهدن، أو لعنة العرب المسيحيين» والأطرش التحقق منها: دور سوريا كدولة محور في الشرق الأوسط منذ حقبة الرئيس الراحل حافظ الأسد. وانطلاقاً من هذا المعطى، يعمل المؤلفان على قراءة هذه التركة التي أورثها الأب إلى الأسد الابن تحديداً في الفصول الأخيرة.

ثمة معلومات كثيرة يكشف عنها لابيفيير والأطرش، يرتبط جزء منها باغتيال رفيق الحريري بعد صدور القرار 1559 وما رافق هذه الفترة الزمنية من تشنجات على مستوى العلاقات اللبنانية ــ السورية، وكيف أنّ هذا الاغتيال سهّل محاولة إطاحة النظام السوري. وهناك جزء آخر يتعلق بدور دمشق الإقليمي، تحديداً بعد الشراكة الاستراتيجية مع طهران التي دُشنت بتأسيس الدولة الإسلامية في إيران، وما تبعها من روافد أنتجت ما يسميه البعض «الهلال الشيعي» الممتد من بلاد الرافدين وصولاً إلى بيروت. ورغم التحفظ الشديد الذي يبديه الباحثان بشأن هذا المصطلح الذي أطلقه الملك عبد الله الثاني، إلا أنّهما يعملان على قراءة هذه الشراكة من زوايا متعددة، لعل أهمها السقوط المدوي لبغداد عام 2003 ومخاوف دمشق من تداعيات المشهد العراقي، داخلياً وإقليمياً.

يعود المؤلفان إلى محطات مختلفة من تاريخ سوريا الحديث، بدءاً من الانتداب الفرنسي وصولاً إلى التحديات التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق. لا يهدف الكتاب إلى وضع كرونولوجيا للحوادث التي شهدتها سوريا خلال هذه الحقبة الطويلة عبر استخدام التوثيق، بل يوظف المعلومات التاريخية بغية إرساء خلاصة أساسية: الهم القومي الذي شُغلت به سوريا والذي تقاطع مع مركزية الدولة المحور. لا يكتفي لابيفيير والأطرش في رصد المادة السياسية، بل يكشفان عن التركيبة الدينية والإثنية، لتأكيد أنّ هذا البلد شكل ملجأً لبعض المضطهدين، ولا سيما الأكراد والأرمن.

يسعى الباحثان إلى الرد على الخطاب الغربي، معتبرين أنّ الأخير يجهل الكثير عن تاريخ سوريا وموقعها، بعدما وصفها بالديكتاتورية الممسوخة أو المنتمية إلى محور الشر. وبصرف النظر عن ازدواجية السياسات الغربية تجاه سوريا، تسيطر اللهجة التقريظية على الكتاب الغني بالمعلومات، أي أنّ لابيفيير والأطرش يدرسان جانباً واحداً من إنجازات النظام السوري، تحديداً ما يتعلق بالدور الإقليمي، ويغـضان النظر عن تقاعس النظام عن تسريع وتيرة الإصلاح الذي بدأ مع بشار الأسد في ما عرف بـ«ربيع دمشق». لا يحاولان الإجابة عن تساؤلات أساسية: لماذا أُجهضت عملية الإصلاحات؟ وهل الحرس القديم (من حزب البعث) يتحمل مسؤولية وأد العملية الإصلاحية؟ وإلى أي مدى بإمكان النظام الانقلاب على نفسه؟

المشهد الذي يرسمه هذا الكتاب لسوريا اليوم لا يعتمد على المعطيات التاريخية/ التوثيقية فحسب، بل يستند إلى أحاديث حصرية من بينها الحديث الذي أُجري مع الرئيس بشار الأسد، وشهادات حية مع معارضين سوريين ومع المفتي أحمد بدر الدين حسون. هناك معلومات جديدة لا نعلم مدى دقتها يُرفع عنها النقاب للمرة الأولى، تحديداً في الفصل المخصص بالقرار 1559 الذي وضع تحت عنوان «من المستفيد من اغتيال رفيق الحريري؟». يؤكد المؤلفان «أنّ مشروع القرار بصيغته النهائية وضع أواخر تموز (يوليو) في سردينيا في اقامة الرئيس الراحل رفيق الحريري بحضور وفد فرنسي وشخصيات سياسية لبنانية». وبعد عرض الظروف الدولية التي رافقت صدور القرار 1559 الذي آل إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان، يؤكد لابيفيير والأطرش أنّ هذا التحول قاد بسرعة إلى محاولة إطاحة النظام السوري، وأنّ هذا الهدف تدعمه مؤسسات غربية غير حكومية متخصصة في صناعة تغيير الأنظمة، موّلت معارضي النظام في لبنان.

يستدعي المؤلفان تجربة الأسد الأب لمقارنتها بالتركة الملغومة التي أورثها لابنه، سواء على مستوى العلاقة مع واشنطن أو مع طهران أو مع المحيط العربي. على إيقاع البراغماتية الحذرة، أو ما يسمّى سياسة حافة الهاوية، نسجت دمشق علاقاتها مع صانع القرار الأميركي، فهي من جهة دعمت الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، ومن جهة أخرى لم تتنازل عن القضايا القومية، ولا سيما ما يتعلق بالصراع العربي ــ الإسرائيلي ودعم حركات المقاومة.

يرتكز الكتاب أساساً على عودة سوريا دولةَ محور. تكاد هذه النقطة تسيطر على مختلف المفاصل التاريخية التي جرى التطرق إليها. بعد إسقاط صدام حسين، وطدت دمشق علاقاتها مع إيران وحركات المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين؛ لأنها رأت أنّ الدمقرطة التي تقودها الولايات المتحدة تحت عنوان «مشروع الشرق الأوسط الكبير» تخفي أهدافاً أخرى، في طليعتها إثارة الهويات الدينية والإثنية وإعادة تفكيك المنطقة. ويرى الكاتبان أنّ سوريا/ الدولة المحور تجاوزت الكثير من التحديات واستطاعت بناء قواعد متينة على المستوى الاستراتيجي مع كل من إيران وروسيا البوتينية.

ثمة إشكالية محورية لم يجب عنها المؤلفان: هل انتهى عهد التكليف الأميركي لسوريا بعد عام 2003 أم العكس؟ راهن النظام منذ السبعينيات على دوره الإقليمي وعلى أن لا مصلحة دولية في تبديله، ولا شك في أنّ سقوط بغداد أربكه، وخروجه من لبنان زاد من حدة هذا الإرباك. والأهم من فرضية نهاية التكليف، إن صحّت، أن الصراع الدولي على سوريا منذ بداية الحركة الاحتجاجية في آذار (مارس) 2011 وما رافقه من محاولات حثيثة لتدويل الأزمة، قد يؤدي إلى قلب المعادلة التي انطلق منها لابيفيير والأطرش، مع ضرورة الالتزام بالحرص الشديد في ما يتعلّق بمآلات الصراع في سوريا وعلى سوريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى