بيان حول المجلس الوطني السوري
صبحي حديدي
العبارة ـ الأمّ التي كنت أنتظرها في بيان إعلان المجلس الوطني السوري، الذي صدر اليوم من اسطنبول، هي التي تقول إنّ المجلس “يعمل على تعبئة جميع فئات الشعب السوري، وتوفير كل أنواع الدعم اللازم من أجل تقدم الثورة، وتحقيق آمال وتطلعات شعبنا لإسقاط النظام القائم بكل أركانه ورموزه، بما فيه رأس النظام، وبناء نظام ديمقراطي تعددي، في إطار دولة مدنية تساوي بين مواطنيها جميعاً دون تمييز على أساس القومية أو الجنس أو المعتقد الديني أو السياسي”.
فهذه عبارة ينبغي لها أن تجبّ مماحكات شتى، أدخلت أطراف المعارضة السورية الخارجية في متاهات مخجلة ومخزية، فضلاً عن كونها ألحقت الضرر واشاعت البلبلة، وكانت متخلفة أصلاً عن نبض الشارع الشعبي السوري وشعارات الانتفاضة المجيدة. وهذه العبارة سقف أدنى، حتى إذا شاء البعض اعتباره الأعلى في حوارات الطرشان التي شهدتها أكثر من عاصمة عربية وإسلامية وغربية، يتوجب البناء عليه في كلّ ما سيتولاه المجلس من مهامّ مستقبلية. هي، أيضاً، مسبار ومعيار وبوصلة.
وإذْ أعربُ عن تأييدي التامّ لبيان المجلس الوطني، وانضوائي في قرار الشعب السوري الذي دفع باتجاه وحدة المعارضة في الداخل والخارج، شاكراً الرفاق والأصدقاء الذين سبق لهم أن محضوني ثقة أن أشاركهم ما ينتظرهم من أعباء ثقيلة حين يستكمل المجلس هيئاته؛ فإنني أشدّد مجدداً على ما كنتُ قد بيّنته في مناسبة سابقة، من اعتذاري عن عضوية أي من مجالس الخارج، ليس تهرّباً من العمل الوطني العام (إذْ أذكّر، بتواضع أقصى، أنني أعارض نظام آل الأسد منذ 30 سنة ونيف، من داخل تنظيم سياسي محظور وملاحَق، وليس من موقع المثقف والكاتب فحسب). لقد حافظتُ، ويهمّني أن أحافظ دائماً، على مسافة نقدية واضحة، ملموسة وميدانية، من فصائل المعارضة السورية، عموماً؛ ومن “حزب الشعب الديمقراطي”، الذي أنتمي إليه، بصفة خاصة؛ وسأسعى إلى أن تكون هذه حالي أيضاً، في العلاقة مع المجلس الوليد. وتلك، في يقيني، هي المسافة التي تسبغ المعنى، فضلاً عن الجدوى والشرف، على انتماء المثقف إلى قضايا شعبه، وانحيازه إلى الحقّ والحرّية والمساواة والديمقراطية، ودفاعه عن مجتمع مدني علماني وتعددي تنظّم علاقاته دولة القانون.
ذلك يجعلني أفتح عينيّ، على اتساعهماـ أثناء سيرورة مزدوجة تنطوي على تأييد المجلس الوطني، ومراقبة أدائه، في آن معاً، دون أن يخلّ الواجب الوطني العامّ بالحقّ الشخصي النقدي. لا بدّ، بادىء ذي بدء، من التذكير بأنّ المجلس لا يضم الغالبية الساحقة من قوى المعارضة السورية في الداخل، ولا غالبيتها في الخارج أيضاً، الأمر الذي ينبغي أن لا يمنحه صفة التفويض التامّ، حتى إشعار آخر. يطمئن، من جانب آخر، أنّ المجلس يزمع مواصلة التشاور والتحاور مع الجميع، أياً كانت تلاوين مواقفهم، وما دامت تندرج في خطّ الانتفاضة الجوهري، المطالب بإسقاط النظام ورموزه كافة.
كذلك سوف أتذكّر جيداً، وأذكّر كلما أدركت أنّ الذكرى نافعة، بأنّ المجلس العتيد يضمّ جماعات أو هيئات أو أفراداً سبق لهم أن هادنوا النظام، أو غازلوه، أو سكتوا عن جرائمه طيلة أربعة عقود، أو حضّوا على خفض سقوف معارضته أو قبلوا لرأس النظام الاستمرار في منصبه المورَّث حتى بعد إصداره شخصياً الأوامر باستخدام الذخيرة الحية وارتكاب المجازر والجرائم…
بيد أن الانتفاضة جبّت ما قبلها، بالفعل، وكان قميناً بها أن تهدي البعض إلى سواء السبيل، بصرف النظر عن السوابق؛ وكذا فعل الشعب السوري، الذي تحلى بمقدار مدهش من التسامح إزاء بناته وأبنائه، ومنحهم الفرصة تلو الفرصة لكي يطووا صفحات الماضي ويلتحقوا بالركب النضالي الشريف، والمشرّف. ويبقى أن يبرهن أعضاء المجلس الوطني، لا سيما أولئك الذين أنسوا في أنفسهم إمكانية خدمة الانتفاضة دون تفويض مباشر من شارعها الشعبي والسياسي، أنهم ليسوا أهلاً بالثقة فحسب، بل أنهم ليسوا أقلّ تفانياً وإخلاصاً أيضاً.
أمنيات التوفيق للمجلس الوطني
والرحمة لشهدائنا الأبرار الكبار
والنصر لانتفاضة شعبنا المجيدة.
http://subhi-hadidi.blogspot.com/2011/10/blog-post.html