بين “داعش” و “سي آي إي”/ مصطفى زين
لماذا يكرهوننا؟ سأل مثقفو إدارة جورج بوش الإبن، بعد هجوم «القاعدة» على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. وأجابوا أنفسهم: أنتم تكرهوننا لأننا متقدمون وديموقراطيون ونهتم بحقوق الإنسان، ونساعدكم لتدخلوا المدنية من أبوابها العريضة. ونطبعكم بثقافتنا وعاداتنا. الصراع ثقافي، على ما أعلن الرئيس ونائبه ديك تشيني حينها. غيروا مناهجكم المدرسية. علموا أطفالكم حب الحياة. حصنوهم ضد التطرف. تطرفكم يقتلكم ويقتلنا. بينكم معتدلون يتعاونون معنا في تحقيق هذه الأغراض النبيلة. التحقوا بهم. أما جيوشنا وأساطيلنا فلا عمل لها سوى محاربة إرهابكم وإرهابييكم. سنخلصكم من حكامكم المستبدين. ونشيع الديموقراطية والعدالة وحكم القانون في بلدانكم. ونقضي على حكم الإستخبارات والعسكر.
لم يمضِ وقت طويل حتى فضحت كل هذه الدعاوى، وكمية الأكاذيب التي روجتها إدارة بوش وحكومة توني بلير لتبرير احتلال العراق. منها أن صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل. وأنه ينسق مع «القاعدة». و «اخترعوا» شاهداً يؤكد هذا الكذب الذي بلغ أقصى مداه عندما وقف وزير الخارجية آنذاك كولن باول أمام مجلس الأمن حاملاً زجاجة صغيرة قال إن ما فيها يهدد البشرية. وعرض صور شاحنات أكد أنها معامل أسلحة دمار شامل. ثم سجل الوزير ندمه على كل ما قال في مذكراته، بعدما أصبح خارج الوزارة. واعتبره وصمة عار في تاريخه. وكانت فضيحة سجن أبو غريب، والمرتزقة الذين قتلوا أبرياء في بغداد، وحكموا العراق بدستور وقوانين وضعها خبراء في شؤون المنطقة، وفي مصالح الشيعة والسنة والأكراد والصابئة والمسيحيين، ووزعوا الثروة والسلطة حصصاً على «المكونات المتفجرة».
كل ما سبق أصبح معروفاً وموثقاً في كتب ومذكرات، بعضها رسمي، وبعضها صحافي. واليوم يتداول الرأي العام فضائح أخرى كشفها الكونغرس. قد تكون قمة جبل الجليد لأن المشرعين حجبوا الكثير مما «يمس الأمن القومي». في الوثائق أن «سي آي إي» كذبت على الإدارة في قضية تعذيب المعتقلين والسجون السرية. وهي قضية تداولتها صحف ومسؤولون سابقون. وأصبحت سراً مفضوحاً إلى أن أشاعها الكونغرس رسمياً. فأغلقت واشنطن بعض سفاراتها، وحذرت مواطنيها من ردود فعل تعرض حياتهم للخطر.
كل ما سبق كان معروفاً في بلادنا. فنحن الذين دفعنا وندفع ثمن هذه الأكاذيب والممارسات. ونحن الذين تدمر أوطانهم. ونحن الذين نعاني ردود فعل «داعش» و «القاعدة» و «النصرة» وتفرعاتها. نحن الذين وقعنا في فخ «الربيع العربي» الذي روجته ودعمته وحمت القائمين به وعليه استخبارات ومثقفون وحولوا أهدافه. وقادوه إلى الكارثة (برنار هنري ليفي ما زال حياً يسعى).
نحن محاصرون بين أبشع ما في تاريخنا، ممثلاً بـ «داعش» والظلاميين، وأحدث ما أنتجته الحداثة الغربية من مؤسسات ممثلة بـ «سي آي إي» وأخواتها، بين فكر بدائي متجذر وفكر إستعماري متجدد. أما دولنا فتتفكك الواحدة تلو الأخرى. تفصل بين شعوبها ومكوناتها أنهار من الدماء والدموع.
الحياة