تبادل أدوار
ساطع نور الدين
حلم قديم يوشك أن يتحقق، ويدخل تعديلاً جوهرياً على معادلة الصراع العربي الإسرائيلي: أن تتحول سوريا الى جبهة للمقاومة وأن يصير لبنان منصة للممانعة، ويعود توزيع الأدوار الى منطقه الطبيعي المستند الى عناصر القوة وحقائقها وموازينها.
ذلك هو الانطباع الأول والأهم الذي تركه يوم النكسة ومسيرته الشعبية السورية الفلسطينية المؤثرة نحو خط الجبهة مع العدو الإسرائيلي في الجولان، والتي انتهت الى مذبحة جديدة راح ضحيتها 23 شهيداً وعشرات الجرحى السوريين والفلسطينيين.. بينما كان خط الجبهة الجنوبية اللبنانية يشهد هدوءاً نسبياً لم يسبق له مثيل في تاريخ تلك الجبهة، التي تواطأ العرب جميعا في وقت من الأوقات على جعلها بديلاً وحيداً من جبهاتهم المغلقة، ومحطة رئيسية للانطلاق نحو مفاوضاتهم مع إسرائيل.
ولعل ما يزيد من أهمية تبادل الأدوار، الأول من نوعه بين الجبهتين اللبنانية والسورية، انه لم يكن كما يبدو بالتفاهم المسبق، على ما اشتبه كثيرون. كان الأمر اشبه بافتراق تاريخي، وربما أيضاً بخلاف جذري، حول طريقة استخدام الصراع مع العدو. يمكن لبعض الخبثاء أن يظن أن ثمة في لبنان من لم يمتثل هذه المرة للتعليمات الآتية من دمشق. فاشتعلت في الجولان واستكانت في العديسة. وكان يوم امس مشهوداً.
لا حاجة الى التثبت من أن جبهة الجولان قد فتحت على مصراعيها، ولم يعد الأمر مجرد عملية استكشافية على غرار ما جرى في يوم النكبة الذي كانت حصيلته دموية ايضاً. يمكن الزعم ان الجمهور الفلسطيني يستفيد من اضطراب الوضع الداخلي السوري ومن ضعف الرقابة المشددة على جبهة الجولان، ويقرر ان يبتعد عن الحرج والقلق إزاء ما يجري في قاعدته السورية، ويتوجه الى الحدود لملاقاة الإسرائيليين وتذكيرهم بقضيته. كما يمكن الشك في أن ثمة في دمشق من دفع ذلك الجمهور نحو استفزاز العدو. وفي الحالتين النتيجة واحدة وهي أن الجبهة لم تعد هادئة كما كانت منذ حرب تشرين العام 1973، ولن تظل هادئة بعد اليوم. والمسيرات والاعتصامات السلمية يمكن ان تتحول في اي لحظة الى اشتباكات وتفجيرات وربما غارات عابرة للشريط الشائك، تعيد الى الأذهان سيرة الجنوب منذ ما قبل تلك الحرب بقليل.
إنه توزيع عادل للأدوار، يصوب خطأ قديماً ارتكب في مطلع سبعينيات القرن الماضي بحق لبنان، عندما صار البلد الصغير الهش منطلقا للصراع وغرفة مساومة خلفية، تستغل دماء اللبنانيين والفلسطينيين ودمار عمرانهم، من اجل الوصول الى المؤتمرات وقاعات التفاوض.. بينما كان يعتقد ان دور لبنان في الصراع سيقتصر على كونه ملاذا آمنا واستراحة للمقاتلين والمفاوضين، يتوقفون فيها في طريقهم الى جبهات المواجهة العسكرية او الدبلوماسية، ويستفيدون مما توفره من عوامل دعم للقضية، في السياسة او الثقافة او الاعلام او حتى الاقتصاد.. لم تكن متوافرة يومها في بقية البلدان العربية.
جبهة الجولان تفتح. جبهة الجنوب تغلق. ما زال الأمر على مستوى الحلم..الذي يحتاج الى المزيد من الأدلة للتثبت من انه صار أمراً واقعاً.
السفير