تجارة السيارات كمموّل للحرب السورية/ مروان أبو خالد
بعد أن حولت الحرب التي أشعلها النظام السوري حياة السوريين إلى جحيم، ودفعت بالملايين منهم للجوء إلى الخارج، تواصل حكومة النظام تضييقها على السوريين، لا سيما اللاجئين منهم، من خلال إعلان مدير النقل الطرقي في وزارة النقل محمود أسعد قبل أيام في تصريح صحافي، عن قرب الإنتهاء من وضع التعليمات التنفيذية الخاصة بالمرسوم الرقم 3 الصادر في كانون الثاني 2014 والذي سيعتبر نافذاً ويدخل حيز التطبيق على أرض الواقع بمجرد صدور تلك التعليمات.
المرسوم المذكور يتعلق بمنع السوريين من إخراج سياراتهم للخارج بقصد بيعها دون الحصول على وثيقة رسمية تضمن إسقاط اللوحة السورية عنها، وسداد رسوم لوزارة النقل. كما يفرض على من قام ببيع سيارته خارج سورية غرامة تصل إلى 5 أضعاف سعرها.
ولا يستثنى السوريون الذين نزحوا بسياراتهم للخارج لنقل عائلاتهم وما تبقى من متاعهم، إذ أن المرسوم نص في مادته الثالثة أيضاً على أن السيارات التي غادرت سورية وبقيت خارجها لمدة تزيد على سنة حتى لو دون قصد بيعها، تعامل معاملة السلعة المهربة وتفرض عليها الغرامة ذاتها.
وبالرغم من غياب الإحصاءات الدقيقة لأعداد السيارات السورية التي غادرت إلى دول الجوار، فالأرقام الحكومية تشير لوجود 12 ألف سيارة سورية في لبنان والأردن والعراق، في حين تشير بعض المصادر الإعلامية إلى وجود 50 ألف سيارة سورية في الأردن فقط منذ بدء الحرب وحتى مطلع العام الجاري.
التبريرات الحكومية تشير إلى أن دخول المرسوم حيز التطبيق، سيزيد المعروض من السيارات داخل البلاد مما سيخفض أسعارها، الأمر الذي يصب حسب ادعائها في مصلحة المواطنين، بالإضافة إلى حماية حقوق الخزينة العامة للدولة بحجة أنها قد دفعت ثمن استيراد السيارات بالقطع الأجنبي.
هذه التبريرات تدحضها الوقائع، فصعوبة ظروف المعيشة وعدم كفاية الدخل، تحرّم على السوريين من التفكير باقتناء سيارة حتى لو انخفضت أسعارها للنصف، والكلام عن حقوق خزينة الدولة يبدو فارغاً، فالرسوم الجمركية المرتفعة والتي دفعت حين استوردت السيارات قد أمنت حقوق الخزينة مسبقاً، دون نسيان أن السياسات الحكومية هي السبب الأول وراء دفع التجار لتهريب السيارات المستوردة للخارج، إذ سمحت الحكومة العام 2012 للتجار بإعادة تصدير السيارات المستوردة، لكن شرط أن لا يستردوا الرسوم الجمركية التي دفعوها للحكومة حين استيرادها، وليس ذلك فحسب، بل فرضت ضريبة جديدة على عملية إعادة التصدير، ليبقى البيع بالتهريب هو الحل الوحيد للتجار تفادياً للخسارة.
في السياق ، رفعت الحكومة في 15 نيسان الجاري، سعر ليتر البنزين بمقدار 20 ليرة مجدداً، بعد أقل من 6 أشهر على الزيادة الماضية، ليصبح سعر ليتر البنزين الآن 120 ليرة، وذلك بعد أن تجاوز العجز في شركة المحروقات مبلغ 255 مليار ليرة حسب الأرقام الحكومية، وهذا ما سيدفع السوريين للتخلي عن سياراتهم الخاصة لعجزهم عن تحمل تكاليف الوقود، ناهيك عن ظروف الازدحام وانتشار سرقة السيارات وارتفاع تكاليف التصليح، التي ستدفع كلها المزيد منهم لبيع سياراتهم الخاصة.
والحال إن الإعلان عن قرب دخول المرسوم حيز التطبيق بالتزامن مع رفع سعر البنزين، سيترتب عليه زيادة بيع السوريين لسياراتهم بأبخس الأثمان، ما سيعزّز من احتكار تجارة السيارات بيد فئة قليلة من التجار المرتبطين بالحكومة، لأنهم الوحيدون القادرون على شرائها، ليبدو الكلام عن أن زيادة العرض ستخفض الأسعار وستنعش حركة البيع أمراً صحيحاً فقط من وجهة نظر تجار الحكومة المحتكرين للثروة.
خلاصة القول ان حاجة الحكومة لتحصيل المزيد من الإيرادات هو الهدف الأبرز، فضمان بقاء السيارات السورية والتي يتجاوز
عددها مليوني سيارة منها قرابة 775 ألف سيارة خاصة داخل البلاد، يزيد من احتمال تعرضها لمخالفات مرورية، بالإضافة إلى الرسوم والضرائب المترتبة على عمليات البيع والشراء ونقل الملكية. كلّها تشكل إيرادات تسعى الحكومة لجبايتها لتمويل حربها المدمّرة.
المدن