تجميل الصورة
ساطع نور الدين
لا يمكن أن يكون الأميركيون على هذا القدر من السذاجة، لكن الانطباع الذي تتركه القراءة الاولى للوثائق التي عثرت عليها وحدة الكومندوس الاميركية في منزل الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن في أبوت آباد في باكستان، بعيد اغتياله العام الماضي، لا يخدم الدعاية الاميركية ولا يسهم أبدا في رسم صورة مطابقة للرجل الذي كان رمز الشر والارهاب والوحشية.
فالوثائق التي وضعت امس الاول الخميس على موقع مركز مكافحة الإرهاب التابع لأكاديمية «وست بوينت» العسكرية الاميركية، باللغة العربية وترجمت الى الانكليزية لكي يقرأها الجمهور الاميركي، كان قد عثر عليها في المسكن العائلي الذي انتهى اليه بن لادن وأمضى فيه سنواته الاخيرة بعد التنقل بين براري أفغانستان وكهوف تورا بورا وأرياف باكستان، وكانت مخزنة على جهازي كومبيوتر وعدد من الأقراص المدمجة وأشرطة الفيديو، حسب الرواية الاميركية التي تعني بأن بن لادن حمل معه في عمليات فراره هذه الوثائق واحتفظ بها في منزل لم يكن يخضع للحراسة، وكان أشبه بملجأ أخير لزعيم القاعدة الذي كان لحظة مقتله معتزلا بداعي المرض على ما أفاد به الأميركيون والباكستانيون.
ربما جلب الوثائق اليه بعضُ مساعديه، لكي يراجعها ويدقق بها، كما تظهر صورته الاخيرة لدى اقتحام المنزل (والتي وزعها الأميركيون) وكان يشاهد أحد أشرطة الفيديو الخاصة بإحدى رسائله التلفزيونية. لكن ذلك لا يلغي الحقيقة الاهم وهي ان الكشف عن هذا الكنز من المعلومات في الذكرى السنوية الاولى لاغتيال بن لادن، لم يكن عبثاً أميركياً، ولم يكن إسهاماً في الحملة الانتخابية للرئيس الاميركي باراك أوباما التي لم تبدأ بعد، والتي يستبعد أن تحتاج أو أن تستفيد من هذا الإنجاز الأمني الباهر.
في التوقيت والتقديم والنصوص، تذكير لا شك فيه بأن أميركا حققت نصراً كبيراً على التنظيم الذي بات حسب اعتراف بن لادن في احدى الوثائق ينتقل من كارثة الى اخرى، ونداء الى شبكات القاعدة وخلاياه لكي تركز جهدها على الهدف المنشود، أي على ضرب الولايات المتحدة مباشرة، من دون التلهي بمعارك جانبية في أفغانستان أو العراق أو اليمن أو الصومال، والسعي الى قتل الرئيس أوباما شخصياً لكي يحل محله نائبه جو بايدن غير الجاهز وغير المؤهل للحكم..
لكن تحليل بن لادن لتلك المعارك الجانبية التي خاضها التنظيم ولا يزال على أكثر من جبهة تقدم صورة عن رجل عاقل ورصين يرفض العمليات التي تتسبب بقتل المسلمين ويعارض الحملة على شيعة العراق ويوصي بعدم السعي الى إقامة دولة إسلامية في اليمن، وينصح تنظيم الشباب الاسلامي الصومالي بأن ينأى بنفسه عن القاعدة.. ويشيد ببدايات الربيع العربي.
كان بن لادن، كما يبدو يجري مراجعة شاملة لتجربة التنظيم، تشمل حتى اقتراحه تغيير اسم القاعدة، لكنه كان وحيداً عندما قتله الأميركيون، وعندما أحجم التنظيم عن تسميته شهيده الأكبر أو الابرز.. فجاءت الوثائق لتوحي ربما بأن ثمة انشقاقا في القاعدة، أو ان ثمة اختلافا حول وصاياه، يحاول الأميركيون أن يتثبتوا منه، بطريقة تكسب بن لادن شعبية عربية وإسلامية لم يبلغها يوماً.
السفير