صفحات الناس

تجّار الأزمات يزدهرون في سوريا

 

جوليا شحادة

تشرع الحكومة السورية الباب أمام السوق السوداء في ظل عدم توافر المواد الأساسية، وإغلاق أغلب مراكز التوزيع وتهديد أخرى، سواء من طريق قصفها أو تفجيرها، ليغدو توفير الخبز والوقود مشكلة حقيقية، حتى صار الحصول على ربطة خبز أو جرة غاز أو ربما ليتر من البنزين يستهلك يوماً كاملاً من حياة المواطن. بذا، بات الانتظار خبز البعض اليومي، وهذا ما يحصل حرفياً، الكثير من العاطلين عن العمل وجدوا في الوقت سلعة مناسبة للبيع.

على إحدى الإشارات القريبة من أفران “إبن العميد الاحتياطية” يقف شاب في الخامسة عشر ربما، بائع الخبز، ينتظر دوره على الفرن القريب وعندما يحصل على ربطات الخبز يخرج لبيعها لأصحاب السيارات على الإشارة القريبة، ثم يعود لانتظار دوره لشراء المزيد وبيعه. وعند سؤاله عن السعر يجيب: 50 ليرة، أي ما يعادل نصف دولار أميركي أو أقل قليلاً وهو ثلاثة أضعاف سعر الشراء المباشر. لكن بضاعته لم تكن الخبز بقدر ما كانت “الوقت”، وربما قريباً قد نجد صيغة الإعلان التالية في الجريدة “الوقت الآن بسعر مناسب”.

بعد أيام يطالعنا الخبر التالي في إحدى الصحف:

“قصة حقيقية حصلت في ركن الدين اليوم… قامت دورية من مخفر ركن الدين بالوقوف بسياراتها أمام أحد الأفران وانهالوا ضرباً على الطفل الذين يقوم ببيع الخبز أمام الفرن بشكل وحشي، ثم قاموا بسرقة ما يحمله من ربطات للخبز، فحاول أحد المارة الدفاع عن الطفل لتخليصه منهم ما صبّ جام غضب الدورية على هذا الشاب وقاموا بضربه واعتقاله ثم لاحقوا من تبقى من باعة جوالين وسرقوا الخبز الذي لديهم”.

وليس الخبز وحده هو ما يطرح للبيع في السوق السوداء، وإنما يمكن الحصول على الغاز والبنزين والمازوت أيضاً، وربما قريباً سيصير ممكناً الحصول على المواد التموينية.

 يبيع دوره!

شاب آخر قرّر التغلب على مصطلح السوق السوداء، لا عبر بيع سلعة محددة، بل عبر بيع دوره في الطابور الطويل المنتظر للحصول على السلع. إذ يقف في صف الانتظار – الطويل جداً- أمام الفرن لشراء الخبز، وعند اقتراب دوره يصيح: “مين بياخد دوري بـ75 ليرة؟”. يبيع دوره، إذن، ويقف من جديد في آخر الصف للحصول على بضاعة جديدة.

 الكهرباء أيضاً للبيع

البعض وجد في سياسة إنقطاع الكهرباء غير المنظمة التي تشهدها البلاد مصدراً لرزقه، في ظل احتكار الجهات الحكومية للكهرباء في سوريا وعدم وجود محطات توليد خاصة تقدم الخدمة. فقد قرّر شاب من المخيم شراء مولد كهرباء يعمل على البنزين، وبدأ بالإعلان عن بضاعته “إشحن هاتفك الخليوي أو جهاز الكمبيوتر المحمول بسعر مناسب”.

بعض آخر لم يغره استغلال الأزمة بشكل مباشر فحاول الاستفادة من شروطها وظروفها لإيجاد مصدر للرزق. ففي ظل الازدحام الخانق في المدن الكبيرة وكثرة الحواجز وجد البعض في مشروع تأجير وبيع الدراجات الهوائية استثماراً مناسباً في ضوء الحاجة الملحة لتأمين وسيلة نقل تستطيع تجاوز الحواجز بسرعة والتغلب على الازدحام باللجوء إلى الأرصفة والحارات الفرعية الضيقة.

أما ازدياد حالات الاعتقال التعسفي فقد فتحت الباب أمام بعض الشباب لاستغلال سياراتهم الخاصة أو العمومية، وأحياناً حافلاتهم، للعمل على خط القصر العدلي – عدرا حصراً. يقفون عند باب القصر كل يوم في الصباح وينتظرون خروج أهالي المعتقلين للذهاب إلى سجن عدرا للزيارة.

وقد فتحت أزمة البنزين الباب أمام فكرة بيع الغالونات أمام محطات الوقود، حيث يمكن المواطن التزود بمادة البنزين في حال كان من حملة الغالونات بأقل من ربع الوقت الذي يحتاجه في حال كان من أصحاب السيارات، دون أن تبالي الدولة أو أصحاب محطات الوقود بحقيقة أنهم يسوقون للسوق السوداء علناً بهذه الطريقة.

السوريون يصارعون من أجل البقاء، وفي ظل عدم توافر الفرص المناسبة للعمل أصبحت الخيارات كافة متاحة للاستثمار والإبداع وأحياناً للاستغلال، لتصبح تجارة الأزمات – للأسف- هي الباب الأوسع للرزق في سوريا.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى