صفحات العالم

تحالف الجغرافيا السياسية والتاريخ

    سميح صعب

قلما تشابكت الجغرافيا السياسية والتاريخ في أزمة كما يحدث اليوم في سوريا. هذا التشابك كان الاساس في اسقاط رهانات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ومعظم الدول العربية وتركيا على سقوط سريع للنظام السوري وتوجيه ضربة استراتيجية الى ايران تمنعها من تطوير برنامجها النووي.

والجغرافيا السياسية نفسها حملت روسيا على اسقاط مشاريع قرارات غربية في مجلس الامن تمهد لتدخل عسكري دولي على الطريقة الليبية، وهي التي شجعت موسكو على التزام صفقات السلاح المبرمة مع سوريا. والجغرافيا السياسية هي التي دفعت “حزب الله” الى القتال جنباً الى جنب مع الجيش السوري للحؤول دون احداث تغيير في الموقع الجيوسياسي لسوريا وجعلها دولة تدور في فلك ما يسمى منظمة دول “الربيع العربي” في رعاية مجلس التعاون الخليجي وتركيا.

وبعدما استطاع النظام السوري مدعوماً من روسيا وايران استيعاب الهجمة الاولى لاسقاطه التي امتدت عامين، تتخذ بريطانيا وفرنسا بتشجيع من الولايات المتحدة خطوة اخرى نحو تسليح المعارضة السورية من اجل تحقيق توازن عسكري على الارض يفرض على الرئيس بشار الاسد تغيير حساباته. لكن موسكو سبقت لندن وباريس الى تزويد دمشق صواريخ “اس-300” كي تضمن لها قوة ردع في مواجهة تطور اي عمل عسكري خارجي ضدها ولا سيما من اسرائيل التي اخفق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في اقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدم المضي في تسليم سوريا اسلحة متطورة يمكن ان تخل بالتوازن القائم.

ولكن ربما فات بريطانيا وفرنسا واسرائيل ان ما يجري منذ عامين في سوريا كسر كل الخطوط الحمر عندما اعلن اطراف كثر في مقدمهم الولايات المتحدة ان هدفهم في سوريا تغيير النظام على غرار ما حصل في تونس وليبيا ومصر واليمن. لذلك كان الغرب والعرب وتركيا هم السباقون الى كسر الخطوط الحمر في سوريا. وما تفعله روسيا وايران بدعمهما النظام السوري، لا يعدو كونه اعادة اعتبار الى الجغرافيا السياسية، ومحاولة لعقلنة الغرب والعرب وتركيا ومنعهم من اسقاط سوريا لئلا تسقط المنطقة بكاملها في المحور.

وكما استيقظت الجغرافيا السياسية، استيقظ التاريخ ودور المتحد الطبيعي بين سوريا والعراق ليقف البلدان سداً منيعاً في وجه محاولات اسقاط دمشق في ايدي الجهاديين والمجهول. وكما كانت سوريا عاملاً مهماً في دعم المقاومة العراقية ضد الاحتلال الاميركي، تضطلع بغداد بدور مهم اليوم في وقف زحف الجهاديين الى سوريا، علماً ان الحكومة والشعب العراقيين يدفعان ثمناً باهظا يومياً من لذلك.

ولولا هذا التشابك في الجغرافيا والتاريخ لكانت الامور اتخذت منحى آخر.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى